طالعتُ نور أحمد وأنا أجر خطاي الثقيلة إلى غدير السراح. كانت أوهاق العتمة تعيد عينيَّ إلى الأرض في إصرار كي لا أنظر إلى أعلى، وتسيخ بقدميَّ في وحل الوراء كي لا أطأ رمل الغدير الناعم.. والكون يضيق بي طورا.. وطورا يشع ذلك النور المحمدي فيسحب عني جثم العناء، ويتسع لعزمي الفضاء.. هتفتُ هتاف الظامئ الآيب:
بَلِّغْ يَدِي عَلْيَاءَ أَحْمَدَ فِي السَّمَاء رَبَّاهُ أَشْعِرْ طَلْعَتِي سَكْبَ السَّنَاءْ
أَلْبِسْ مُنَايَ جَمَالَهُ بِيَدِ الْوَفَاءْ أَشْرِبْ جَنَانِي مَكْرُمَاتِ وَلاَئِهِ
وَالأُفْقُ يُغْشِي نَاظِرِي لَمْحَ الصَّفَاءْ فَأَنَا حَسِيرٌ وَالشُّرُوقُ ذَرِيعَتِي
فَرَكِبْتُ أَدْحُو بِالرَّجَا غَيْمَ الْجَفَاءْ كَالرِّيحِ شَوْقِي سَاقَ لِي مَوْجَ الرِّضَا
فَصَفَا فُؤَادِي وَارْتَضَى نَبْضَ النَّقَاءْ أَحْبَبْتُ أَحْمَدَ واصْطَفَاهُ تَعَلُّقِي
يَرْجُو الْوِصَالَ وَلَمَّةً تُدْنِي الرِّوَاءْ طَافَ الْغَدَاةَ يَشِيمُ بَرْقَ رِهَامِهِ
حَلَكُ السُّرَى، فَمَتَى يَرَى فَجْرَ اللِّقَاءْ؟ سَكَبَ الْحَنِينَ إِلَى الْحَبِيبِ وَرَاعَهُ
وجدت نفسي في برزخ النجوى، أناشد ربي، أتلو قصيد الرجوى.. أردده فينساب أمامي ضياء يبدد غيم الدجى، ثم يرتد الغيم ورائي دخانًا يقتات الهباء، وَحول محرابي حفيفٌ دون سمعي ينثال له رَفٌّ قُدسي ولذةُ جمال.. وخلالي هاتف ينبعث من قاع كياني، وآخر آت من خلال الأعالي، ينساب مع النور من بين الثقوب: ما أقرب نور أحمد من طالبيه لو أبصروا، وكم ممن ينتسب إليه وهو من نور محبته محروم.. ثم أقبل عليَّ يتخللني: بشراكَ قد بلغتَ غدير السراح، هذه أول خطواتك على رمله الناعم.. كشفتُ غطاء الحرمان وهرعتُ إلى الغدير.