الرؤية المعرفية

في الجزء الثاني من مقاله القيم “نظرة إجمالية إلى الإسلام” يركز الأستاذ “فتح الله كولن” على أحد أعمدة فكره الذي كثيرًا ما يعود إليه في كتاباته مستلهمًا ومذكرًا، ألا وهو دعوة المسلمين إلى العودة إلى أنفسهم، والبقاء بذاتهم، والاغتذاء من مصادرهم بأقصى قدراتهم، وهذا المصدر هو القرآن الكريم والسنة المطهرة، فيلزم المسلم التمسك بقيمه الذاتية كما يقول، لكي يستطيع الخروج من أعماق الظلام روحًا سامية، وينهض من كآبات الإحباط إلى علياء البهجة والسرور متطهرًا مما يحف به من مضللات، ومتخلصًا من اليأس الذي يتردّى به بذل نفسه وقهر روحه.
ويطل علينا فضيلة الدكتور “البوطي” وكأنه يثنّي على مقولة الأستاذ “كولن”، ويدعمها فيشير إلى إجماع الأمة على وجوب الاتباع وتجنب الابتداع، ثم يتساءل: “إذا كان الأمر هكذا ففيم تسرب الخلاف بينهم حتى تحولوا إلى مذاهب وفرق شتى؟ وكيف لم يتأت لهذا الجامع المشترك أن يجذبهم إلى صراط واحد وكلمة سواء”؟
ثم يأتي الدكتور عماد الدين خليل في مقاله المبدع “مرئيات في الجمالية الإسلامية” فيقول: “إن الله تعالى هو البدء والمنتهى، وهو الظاهر والباطن، وإليه -على تغاير الأحوال والمجريات والحركات- يرجع الأمر كله، وفي هذا ما يفتح للجمالية الإسلامية ساحة ليست كالساحات، ومدى في الزمان والمكان ليس كالأمداء”.
أما الدكتور “عمار جيدل” فإنه يركز على ضرورة أنْ تشيع في المسلمين ثقافة “السننية”، فهذه الثقافة قمينة بصناعة المستقبل على أسس وطيدة، ويقول في توضيح ذلك: “الحديث عن الثقافة السننية حديث عن القوانين التي تحكم سير الإنسان والكون بشقيه المادي والمعنوي، وهي دعوة لاكتشافها والإفادة منها في مختلف مجالات الحياة”.
ويأتي الدكتور “عبد السلام الراغب” ناعيًا “الجمود الفكري” فيقول: “إن العقل يقوم بدور فعال في إنتاج الثقافة أو فهم الواقع من خلال إبداء الرأي وتقديم رأي مفسر أو داعم لدلالات الثقافة أو رموز الواقع”.
وفي مقاله القيم “الرؤية المعرفية” يقول الدكتور “سمير بودينار”: “تستند الرؤية المعرفية لجوهر الحقيقة عند الأستاذ “كولن” على مصدرين أساسيين أولهما: القراءة الدائبة للوجود والسعي إلى تعرفه واستكناه جوهره، وثانيهما: العقل المسدّد بعناصر التوجيه الكامنة في أعماق الإنسان والمتجلية في استجابات الروح لنداء الوحي”.
وبعد، فنأمل أن نكون قد مررنا على أهم موضوعات هذا العدد وعلى كتّابه، بقدر ما تسمح به هذه الصفحة من “حراء”، فألمحنا وأشرنا وأومأنا، وتركنا للقارىء الكريم فرصة الإلمام بتفصيلات ذلك من خلال قراءاته.