بعناية ربانية حلّت مجلة “حراء” بالجزائر ضيفًا عزيزًا وأخًا كريمًا، محمّلة بنسمات أناضولية ولطائف إيمانية، فازدان المكان وأشرقت الأركان بمقدم كلٍّ من المشرف العام على مجلة “حراء” الأستاذ “نوزاد صواش”، ورئيس مجلس إدارة مستشفى “سما” الأستاذ “مصطفى أوزجان”، فكان الرجاء والدعاء أن تكون هذه الإطلالة الأولى في الجزائر مورفة مورقة.
جاءت هذه الزيارة بالموازاة مع الصالون الدولي للكتاب بالجزائر من 21 سبتمبر إلى 1 أكتوبر 2011 تحت شعار: “الكتاب يحرِّر” الذي شهد المشاركة الثانية لمجلة “حراء” و”مجموعة قايناق” و”دار النيل”.
وقد تميز جناح مجلة “حراء” في الصالون بحراك دائم للقراء والزوار من مختلف الأطياف والفئات، ممن يهتم بفكر الأستاذ “محمد فتح الله كولن” الذي يعسر على قرائه بالجزائر أن يجدوا إلى إصداراته -الفريدة النادرة- سبيلاً خلال أيام السنة.
حضور مجلة “حراء” في الصالون الدولي يعد إنجازًا حضاريًّا رشيدًا ومطلبًا مستقبليًّا أكيدًا، لما تحمله في قلبها وعقلها من أنفاس “حراء” (الغار) الأصيلة، ولما تشدو به من روح الوسطية والمودة. فهي ليست مجرد أوراق ولون، وحبر ورسم، إنها حاملة همّ وصاحبة رسالة جوهرها “بناء الإنسان” و”إعادة الإنسانية للإنسان” و”خدمة الإيمان والقرآن”… إنها بحق “حراء” الزمان و”حراء” المكان و”حراء” الرسالة.
حظي معهد المناهج بتصدُّر جدول أعمال وزيارات وفد مجلة “حراء” إلى الجزائر، حيث حلّ الأستاذان “مصطفى أوزجان” و”نوزاد صواش” بين أحبتهم وإخوانهم صبيحة يوم السبت 24 سبتمبر 2011، إذ كان يومًا مشهودًا بحضور ثلة من العلماء والدكاترة والضيوف؛ من الممثل الشخصي لرئيس المجلس الإسلامي الأعلى بالجزائر، وممثلٍ عن المجلس الأعلى للغة العربية، وسعادة قنصل سفارة ماليزيا بالجزائر، وفضيلة الأستاذ محمد الهادي الحسني عضو جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، ونائب مدير قناة القرآن الكريم بالجزائر.
كما حضرت ثلة من الدكاترة منهم سليمان عشراتي من جامعة وهران، وإبراهيم بحاز من جامعة قسنطينة، ومحمد ناصر بوحجام وفؤاد عبيد من جامعة باتنة، ومبروك زيد الخير من جامعة الأغواط، وعبد العزيز حدار من جامعة البليدة، ومصطفى وينتن من جامعة غرداية… بالإضافة إلى إطارات سامية من مؤسسات الدولة في أسلاك القضاء والإدارة والبنوك…
وقد لفت هذا الحدث الإعلامي بالتعاون بين مجلة “حراء” و”معهد المناهج” اهتمام وسائل الإعلام المختلفة من التلفزيون الجزائري، وتلفزيون القرآن الكريم، والإذاعة الثقافية، وإذاعة القرآن الكريم، وعددًا من الصحف الوطنية على غرار “الجزائر نيوز”، و”الشروق اليومي”، و”الجزائر الجديدة”… إضافة إلى قناة “سمانيولو” التركية التي شرفت الحدث بمشاركتها الطيبة.
وقد بثت “شبكة فييكوس المعرفية” -الراعي الإعلامي لهذا الحدث- وقائع وأحداث اليوم الإعلامي مباشرة على موقعها في الإنترنت (www.veecos.net)، فشاهده القاصي والداني وعمّ خيره المشرق والمغرب.
افتتح الدكتور محمد باباعمي المدير العام لمعهد المناهج، اليوم الإعلامي بكلمات ترحيبية معبرة عن الوصال الفكري بين “حراء” (الغار) و”حراء” (المجلة)، متحدثًا عن النسيج الحضاري الذي يشد الجزائر بتركيا من خلال ذكريات عثمانية أصيلة وعميقة، راجيًا أن يكون هذا اليوم الإعلامي مجدد الأمل وموقد الفعل والعمل.
كانت كلمات السيد مصطفى أوزجان في أول زيارة له إلى الجزائر، تنمّ عن إيمان عميق وفكر دقيق غرفه وتشربه من معين أستاذه “محمد فتح الله كولن”. فقد نبه فضيلته إلى أن الواجب الأساسَ للمسلم اليوم، هو العودة إلى مستوى الحضارة الذي فقده لقرون، ليقوم بأداء دوره الحضاري المنوط به وهو إعادة الإنسانية إلى الإنسان من خلال تزكية القلب وتربية النشء بالعلم والمعرفة، مؤكدًا على أنه لا يتسنى لنا ذلك إلا بإيقاف النـزيف الداخلي في العالم الإسلامي من صراع وخلاف حول الجزئيات، ليعود الفكر الإسلامي شموليًّا رشيدًا كما ابتدأ في عهد المصطفى عليه الصلاة والسلام.
تلت هذه الكلماتِ مداخلةُ الأستاذ نوزاد صواش المشرف العام على مجلة “حراء” ليؤكد -وبلسان عربي مبين- أن “حراء” تمثل رحلة البحث عن الحكماء والعلماء في العالم العربي، أولئك الذين يحترقون همًّا ويكدحون ويجدّون بحثًا عن مشاريع إيجابية، ليصنعوا غدًا مشرقًا ومستقبلاً مثمرًا مورقًا… مشيرًا إلى أن الأستاذ “فتح الله كولن” ليس رجلاً فردًا، بل هو مدرسة فكرية تؤم مدارس ومشاريع تربوية، وتجمعات اقتصادية، ومؤسسات إعلامية تشكل مجلة “حراء” همزة الوصل بينها وبين العالم العربي.
وقد نوه الأستاذ نوزاد صواش بتفاعل أقلام جزائرية وعربية عديدة مع مجلة “حراء” من خلال طروحات فكرية ومقالات معرفية، إلا أن مجلة “حراء” تأمل في تفاعل أكبر وأوسع مع الباحثين والنخب الفكرية في العالم العربي والإسلامي في المستقبل القريب.
وكانت كلمة الأستاذ “صواش” فرصة لتقديم آخر إصدار للأستاذ “محمد فتح الله كولن” تحت عنوان: “ونحن نبني حضارتنا”، والذي يعد عصارة فكر الأستاذ في قضايا الفكر ودقائق النفس ومشكلات الحضارة.
بعدها أحال الدكتور محمد باباعمي إلى عدد من الحضور والضيوف، فشهدت الجلسة مشاركة الأستاذ محمد الهادي الحسني بلمساته التاريخية عن اللحمة العثمانية الجزائرية التي صنعت أمجادًا خالدة، داعيًا أن يكون هذا اليوم الإعلامي فرصة لصناعة التاريخ مجددًا، والاستفادة من فكر الأستاذ “فتح الله كولن” الذي تمثل أفكاره ترياقًا للحيارى ونورًا في الدياجير. وقد أمتع الدكتور سليمان عشراتي المجمع بكلمات رحب خلالها بالأساتذة مذكرًا بأن هذا الوفد يعد من أولى طلائع الأستاذ “فتح الله كولن”، فالأستاذ نموذج للنظر والتأمل والفعل والعمل. وقد أجمع الأساتذة المشاركون على ضرورة فهم فكر هذه المدرسة الفكرية ودراسة سبل تفعيلها في العالم العربي وبخاصة الجزائر.
كانت المحطة الثانية التي توقفت عندها مجلة “حراء” بحضور الصحافة وأهل العلم والثقافة الصالون الدولي للكتاب، حيث قدم الأستاذ نوزاد صواش والأستاذ مصطفى أوزجان المحاضرة الثانية حول مجلة “حراء”، وذلك ضمن فعاليات المعرض الدولي السادس عشر للكتاب.
تطرق السيد نوزاد صواش في المحاضرة حول “حراء” إلى أهدافها ورسالتها، مشيرًا إلى رغبة المجلة في مخاطبة عقل الإنسان المسلم من أجل تجنيب الأجيال القادمة مما وصفها بـ”سنوات الضياع”، وذلك بـ”رسم الطريق للخروج من الحيرة ليس نظريًّا ولكن ميدانيًّا”. أما الأستاذ “أوزجان” أشار في تدخله إلى رسالة علماء اليوم ودورهم في غرس سياسة تزاوج العقل مع الفكر وتطابق القول مع الفعل.
في ضيافة جمعية العلماء المسلمين الجزائريين
شدت القافلة الرحال وانطلق القطار فكانت الوجهة قبلة حجيج الطلبة جامعة الجزائر للعلوم الإنسانية بأعالي “بوزريعة”. باسم جمعية العلماء المسلمين رحب الدكتور عمار طالبي بضيوف الجزائر قائلاً: “نتشرف اليوم بالتقاء النخبة التركية بنظيرتها الجزائرية في يوم علمي ثقافي مدت جسوره مجلة “حراء” هنا بالحرم الجامعي صرح العلم والمعرفة”.
وقال الدكتور طالبي عن المجلة: “إنها سميت بـ”حراء” اقتداء بـ”حراء” الغار الذي نزل فيه الوحي أول مرة على قلب الرسول الأكرم صلى الله عليه وسلم ، ومغزاها هو الرجوع إلى الذات وإلى القيم الإسلامية”، منوها بحالة الوهن والضعف الذي تعيشه الأمة الإسلامية بسبب انحصار فكر المسلمين بالإنتاج النظري، وافتقارها إلى المنهجية التطبيقية، وتحويل الأفكار من قول إلى عمل، لأن العبرة بالمقاصد والمعاني لا بالألفاظ والمباني على حد قوله.
وأشاد عمار طالبي في تدخله بمجهودات الأستاذ “فتح الله كولن” في سعيه لإعادة بث الروح والقيم الإسلامية في الشباب والأمة، ودعاها إلى نفض الغبار عنها وبناء نفسها وذاتها من الداخل، مشيرًا إلى كتاب “ونحن نبني حضارتنا” للأستاذ “فتح الله كولن” الذي يحمل القيم الإنسانية التجديدية التوعوية لبناء فرد سوي عملي قوي متحضر… وقال إن “كولن” نجح بتجسيد هذه الأفكار في تركيا وخارج تركيا كأفريقيا وبلدان أسيا الوسطى ومناطق أخرى، حيث أنشئت المؤسسات التربوية والإعلامية بدعم رجال مخلصين آمنوا بأن التغيير لا يأتي إلا بالعلم والمعرفة.
الأرشيف الوطني، المحطة ما قبل الأخيرة لرحلة “حراء” بالجزائر. عبد الحميد شيخي مدير الأرشيف الوطني الجزائري رحب بالمشرف العام لمجلة “حراء” الأستاذ نوزاد صواش والأستاذ مصطفى أوزجان مع بعض الوجوه التاريخية الجزائرية والباحثين والأكاديميين في لقاء علمي ثقافي حول أهمية الوعي بالتاريخ ودوره في بناء المستقبل.
ووصف “أوزجان” القرون الأخيرة بقرون الضياع، مؤكدًا أن الأمة الإسلامية سُلبت منها ذاكرتها والمتمثلة في مؤسسات الأرشيف، مشيرًا إلى أن تركيا عانت كثيرًا من هذا الجانب وقال: “إن الحفاظ على ذاكرة الأمة يتوقف على تلقينها للأجيال وفتح مؤسسات الأرشيف أمامهم”.
وفي كلمته قال مدير الأرشيف عبد الحميد شيخي: “لقد عاشت الجزائر وتركيا نفس المعاناة، فالمستعمر الفرنسي لم يترك وسيلة إلا وانتهجها لطمس هوية هذه الأمة وإتلاف كل الأرشيف الجزائري أو إخفائه منوهًا بالتعاون الجزائري التركي بخصوص الأرشيف المتعلق بالحقبة العثمانية بتركيا”.
في جامعة الجزائر للعلوم الإسلامية
اختتمت “حراء” جولتها بجامعة الجزائر للعلوم الإسلامية بعقد جلسة فكرية تناولت عدة اقتراحات حول التعاون العلمي المشترك من طرف جمع من الدكاترة والأساتذة في العلوم الإسلامية، أمثال الدكتور عمار مساعدي عميد الكلية للعلوم الإسلامية رئيس الجلسة، وكذا الدكتور عمار جيدل والدكتور محمد بلغيث، برفقة المشرفين على مجلة “حراء” الأستاذ نوزاد صواش والأستاذ مصطفى أوزجان.
كانت الجلسة عبارة عن ورشة عمل قدمت فيها عدة قراءات لكتاب الأستاذ فتح الله كولن “ونحن نبني حضارتنا” على غرار مداخلة الدكتور عمار جيدل أحد أقلام مجلة “حراء”، كما قدم أيضًا الدكتور محمد بلغيث قراءة حضارية للكتاب “ونحن نبني حضارتنا”. من جانبه اقترح الدكتور نوزاد صواش عقد ملتقى دولي مشترك لإجراء دراسة مقارنة للرؤية الحضارية بين الأستاذ “فتح الله كولن” وعلماء الجزائر المرموقين، والحاملين للهمّ عينه أمثال البشير الإبراهيمي، مالك بن نبي، عبد الحميد بن باديس.