مهما بلغ العقل البشري من حدَّة ذكاء ومن قوى إدراكية واسعة عميقة، إلا أنه قد يواجه في طريقه معضلات مستعصية يعجز عن حلّها بمفرده، فيلجأ للاستعانة عليها بعقلٍ آخر أو بعقولٍ آخرى لتشاركه في التفكير وتعينه على الوصول إلى الحلول الناجعة، فإذا ما اجتمعت هذه العقول، وكانت عقولاً ذوات تجارب كثيرة وخبرات واسعة، فإنها ستصل في نهاية المطاف إلى حلول مقبولة وصحيحة لهذه المعضلات. ومن أمثال هؤلاء الرجال المتميزين تشكّلت مجالس الشورى في تاريخنا، ليستعان بهم على تسيير عجلة الحاكم والمحكوم على حد سواء.. فالحرص على هذا العقل الجمعي، هو من أدلة الحكم الصالح والحكام الصالحين. وهذا هو خلاصة ما سنطالعه في المقال الرئيس لـ”فتح الله كولن” “الشورى”، مستشهدًا بالتاريخ وبسيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وبآيات القرآن الكريم.
فإذا كان “العقل الجمعي” للأمة صحيحًا وسالمًا، صحَّ جسد الأمة وسلم، فلم تعد مقولة “العقل السليم في الجسم السليم” مقبولة اليوم. فقد أثبتت الأبحاث النفسية خلال العقود الأخيرة، على أن سقم الجسم من سقم العقل، وأن مرض الجسم من مرض العقل، فانقلبت المقولة -كما يقول “فؤاد البنا”- إلى “الجسم السليم في العقل السليم”.
أما العالم الجليل “علي جمعة”، فهو يرى أن حضارة المسلمين قامت على “العلم”، ولا يُرْجَى لها اليوم قيام إلا إذا استطاعت أن تكون مستولدة هي بنفسها للعلوم، من أجل أن يكون ثمَّة تفاعل مبدع مع العصر الحديث يؤهلها لاحتلال مكانها المرموق بين الأمم. وفي رؤية استعراضية لكتاب “الضاربون في الأرض” لــ”أديب الدباغ” يمضي “عماد الدين خليل” -ومن خلال الكتاب- إلى استعراض بعض أفكار “فتح الله كولن” الذي جاءت أكثر مقالاته في تجلية شؤونه الفكرية ومشاعره الإيمانية. وفي “تأملات في النبي والنبوات”، يرى “أديب الدباغ” في هذا المقال أن البشرية أحوج ما تكون اليوم إلى العودة إلى النبوات لحلّ إشكالات الوجود الإنساني التي لا زالت مستعصية على عقول الفحول من أساطين الحضارة القائمة.
وعن “الإلهام” وسَبَحات الإلهام، يستعرض لنا “سلمان العودة” بعض نماذج إلهامية واقعية كانت قد حدثت لأشخاص، وهي قد تحدث كل يوم لأولئك الذين يستعدون لها بصفاء أذهانهم وأرواحهم. وفي الختام يتساءل “سمير بودينار” بلهفه المشفق، ما الذي يحدث في عالمنا من فوران مخيف، وما هي أسبابه ودواعيه وخلفياته، وإلى أين ستأخذنا هذه الأحداث، وكيف نستطيع أن نفيد من كل ما مرَّ بنا من تجارب خلال عشرات السنين الماضية، وكيف نستطيع النهوض من تحت ركامات هذه السنين؟
وفي مسار “العقل الجمعي” الذي اختارته “حراء ركيزة من ركائر خطها الثقافي والفكري، فلا يفوتنا أن ننوه بمؤتمر “الإجماع والوعي الجمعي” الذي نظمته مجلتا “حراء” و”يني أميت” في 27-28 أبريل 2013 في إسطنبول، والذي ضمّ خيرة علماء الأمة ومثقفيها من ثمانين دولة في العالم.
وختامًا نسأله تعالى أن يجعل من هذا “العقل الجمعي” بمواضيعه المختلفة واهتماماته المتشبعة على صفحات “حراء” موضع نظر المثقفين المهتمين بشؤون أمتهم ودينهم.