نطلُّ على “حراء” وهي في عليائها، ونرنو إلى “حراء” وهي في ذُراها… ها قد أدركَتْ في عمرها الأربعين عددًا، وبلغت في انبساطها آماد المغربين والمشرقين؛ وهي اليومَ تسري ليلاً، وتعرج نهارًا، على صهوة “الفارس الأصيلِ المنتظَر”، يهزأ بالمفاوِز مهما بعُدت شُقَّتها، ويشمخ على السُّحب الثِّقال مهما سما مقامها.
نَعَم، إنَّ فارسنا جهوريُّ الصوت؛ ذلك أنه من كلام الله تعالى يتروَّى، ومن سنة نبيّه الحبيب يتغذَّى، لأجل ذلك نحن نرقبه بشوق وحنين، وننظر على إثره “بعثًا جديدًا” و”نفخة روح خارقة”: نسأل الله أن يعجِّل بها، وألاَّ يطول انتظارها.
يقول الأستاذ “فتح الله” في مقاله المنحوت نحتًا رفيقًا: “مهما يكن الأمر، فإننا عاهدنا أنفسنا أن نثبت على هذا الترقُّب الفعّال؛ حتى يشرق يوم نستردُّ فيه قيمًا أضعناها منذ أمد بعيد. ولكن، يا ترى، هل العُدَّة التي أعددناها، وتحفُّزُنا الروحي، وموقعُنا من الحقِّ جلَّ وعلا، موافق لمقتضى ذلك الانبعاث المرتقب؟!”.
للإجابة على هذا “السؤال المصير”، ولتحقيق هذا “الشرط الخطير”، كان لزامًا علينا أن نعالج تربية الإنسان الراشد، بمختلف مداخله ومشاربه، ومن ثمَّ نسأل: “كيف نربّي أبناءنا؟”، ثم نسائل أنفسنا عن “الفرق بين التربية والتعليم”، ومن ثمَّ نحرص على تلقين أبنائنا شعيرة “الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر”.
وإذا ما اشتدَّ عود هؤلاء “الفتيةُ الأملُ”، وصاروا بفضل الله شبابًا يافعين، أخذنا بأيديهم مستنطقين المستقبل في “سؤال مستقبل ثورة الربيع الثقافي العربي”.
غير أنَّ المستقبل لا يزهو ولا يزدهر إلاَّ إذا اعتنينا بالحاضر والراهن، فأدّينا “فريضة التدبر الحضاري”، وأقمنا وزنًا لشبكة العلاقات الاجتماعية، والفكرية، والثقافية؛ مستمدين المنطلق من “نظرية الانبثاق”.
ولا غرو أنَّ للحاضر ماضٍ، وأنَّ للماضي معالم لنا، منها نستمدُّ الأمل، ومن خلالها نؤسِّس للعمل؛ ولذلك حلَّل الأستاذ محمد الشرقاوي “وثيقة المدينة المنورة”، وأبان الأستاذ عماد الدين خليل عن “الدور المركزي للأتراك في حضارة الأمة الإسلامية”، وعرض الأستاذ خلف أحمد صورة “البيمارستانات” في العمارة الإسلامية، وناقش الأستاذ محمد كول كونول “تناغم المعنى والمبنى في الهندسة المعمارية”.
ولقد كان لرائد علم الفلك “ألوغ بك” حضوره المثالي في مسيرة “الانبعاث المرتقب”، كما كان “للمعماري سنان” مكانته المحورية في البحث عن غدنا الحضاريِّ… ذلك الغد الذي لن تشرق شمسه إلاَّ بعد “ترقُّب فعال”، وربط محكم بين “الحال والقال”.
أيها المعانون الصابرون… يا مُضنَون أبشروا… هذا الربيع بالبشرى آت… وبالدفء العذب قادم… فدعواتكم إلى السماء رُفعت… وتضرعاتكم سُمعت… وأمنياتكم قبلت.
فحراء اليوم، مأوى وملاذٌ، ومرتع خصبٌ، ومحطة للإقلاع، وهي هي لم تتبدَّل ولم تتغير… هي بكم، وهي لكم، وهي منكم… هي أنتم: “فرسان سالكون… فرسان سائحون… وبالطريق هائمون”.