الحاجة إلى تجديد الذات

إن كنا نعيش حالة من التفسّخ الداخلي لأي سبب كان، سواء بسبب سيطرة توهّم الأبدية وشعور طول الأمل، أو الركونِ إلى الألفة والأنس مع مرور الزمن، أو إساءة تمثيل مَنْ في المقدمة، أو مغازلة الدنيا إيانا بما فيها من مظاهر جمال جذابة وفتانة، ولم نستطع الحفاظ على صفائنا وإخلاصنا الأول، فلا بد من أن نراجع أنفسنا ثانية، ونسعى إلى تجديد ذاتنا.

ومن ثم يجب علينا أن نشغل أنفسنا بإجابة التساؤلات التالية: “تُرى ماذا يجب علينا أن نفعل كي نُحييَ من جديد الحسّ الديني الداخلي إزاء القيم التي نقدّسها ونُجِلُّها؟ تُرى ماذا يجب علينا أن نفعل حتى نستطيع تحقيق انبعاث عام في عالمنا الفكري والحسي والروحي؟”.. ينبغي لنا أن نبدأ عملية إعادة تأهيل حقيقية، لتحفيز حماسنا الديني وإحياء عشقنا وشوقنا للخدمة، من جديد، يلزم أن نراجع أنفسنا ونجتمع حول روح تجديدية هكذا.

إنْ عَجَزْنا عن وضع مجموعة مشاريع إيجابية في هذا الصدد وعن جمع الناس حولها، ووقَفْنا عند عيوب الناس وظَللْنا نتحدث عنها، فلن نستطيع إصلاحَ المشكلات العارضة، ولا تضميدَ الكسور والصدوع.. ونتيجة لذلك نعجز عن الإصلاح وعن تجديد الذات، بل إن الحديث عن عيوب البعض دائمًا بدلاً من طرح الأفكار لصالح أنشطة إيجابية، يؤدي إلى تحطيم القوة المعنوية لدى الناس، وعرقلة تحقّق أية فائدة في النهاية.

لهذا السبب يجب علينا بدلاً من الانشغال بنقدٍ لا فائدة ولا طائل من ورائه، أن نتلاحم من جديد، ونسعى للتخلص من عيوبنا وأمراض أنفسنا، ونتّجه مرة أخرى لأن نكون مؤمنين كما ينبغي. فالقرآن الكريم يخاطب المؤمنين قائلًا: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ)(النساء:136)؛ ولما كان المخاطَب هم المؤمنون، فمن الأنسب أن نفهم هذه الآية هكذا: “أيها المؤمنون! جدِّدوا إيمانكم بالله وبرسوله! توجهوا من جديد إلى الحق تعالى، وعمّقوا الإيمان في وجدانكم مرة أخرى”.

يستحيل في أي مجتمع أن يبلى فيه جميع الناس وينهاروا في وقت واحد، فلا شك أن فيهم أشخاصًا يحافظون على حيويتهم ونشاطاتهم في أوقات مختلفة من اليوم وإن لم يكن دائمًا، ومن ثم فإن اجتمع أفراد ذلك المجتمع وساهم كلٌّ منهم بقدر حيويتهم الذاتية وتَشَاوَرُوا؛ استطاعوا أن ينفثوا الحياة ويبعثوها في بعضهم البعض.. فلا شك أنه سيكون لهذا، تأثير مهم للغاية في ذلك المجتمع، يشبه تمامًا تأثير أحوال المصلين وسلوكياتهم في بعضهم البعض.

ليس صوابًا تحميل مهمة البعث هذه لبضعة أشخاص فحسب، إذ يجب على كل إنسان القيام بما يقع على عاتقه في هذا الشأن، والاشتراك في هذا الأمر بما يحمله في فلك روحه، وكما يمكن أن تجتمع طائفة من الناس في بيت واحدٍ منهم وقد أحضر كلٌّ منهم صنفًا مختلفًا من الطعام، حضّره في بيته وتسنّى لجميع الحاضرين تذوّق جميع هذه الأصناف؛ فإن استفادة المجتمعين على فعل الأعمال المعنوية والأخروية بفعل الواردات القلبية والروحية والحسية، ستكون واسعة النطاق هكذا أيضًا، وإنّ انبعاثَ وصحوةَ من أَلِفوا الدنيا واطمأنوا بها، وبالتالي فقدوا بركةَ ما قاموا به من أعمال، مرهونٌ بتكوين مائدة سماوية هكذا.

(*) من كتاب أنين الروح ، محمد فتح الله كولن، دار الانبعاث للنشر، ط1، ص:٢٣٠، القاهرة ٢٠٢١م.