مختار مرزوق.. رجل العلم والعمل في ميدان الدعوة

في ميراث العلماء الصالحين الكثير من الدروس والعِبَر؛ منها تكريس حياتهم للرسالة الأسمى، وتركيز جهودهم على القضايا التي تحتاجها الأمة، فيكون بهم صلاح الدين والدنيا، جامعِين بين العلم والعمل، متعددي الإسهامات والعطاء. فمما لا شك فيه أن قدرة العالم على الإصلاح والبناء لا حدود لها، لأنها تُبنى على معرفة موسوعية وحكمة وشريعة.

ينطبق ما ذكرناه على الدكتور مختار مرزوق عبدالرحيم، عضو المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية بمصر، والعميد الأسبق لكلية أصول الدين بجامعة الأزهر، وأستاذ التفسير وعلوم القرآن بجامعات مصر وباكستان، وصاحب المؤلفات الثمينة في التفسير وعلوم القرآن، والمشرف على مئات الرسائل العلمية بجامعات مصر والسعودية والكويت وباكستان والأردن، ومحكِّم ترقية الأساتذة، كما كتب مئات المقالات لتبسيط العلوم الشرعية لغير المتخصصين، وشارك في البرامج التليفزيونية والإذاعية.

عُرف بجهوده في الدعوة منذ أن كان طالبًا بالثانوية الأزهرية؛ يخطب في المساجد، ويفسِّر القرآن الكريم، ويدعو إلى العمل به، لا يتردد في اتخاذ كل سبيل إلى ذلك، كالتجاوب الهاتفي والبريدي، وحرصه – وهو الآن في العقد السابع من عمره -على التطوع لتقديم دروس علمية بالمسجد القريب من بيته، بجانب استخدامه وسائل التواصل الحديثة للتواصل مع أكبر عدد من المتابعين.

الميلاد والتعليم

وُلِد مختار مرزوق عبدالرحيم في الأول من ديسمبر عام 1960م بقرية أولاد إبراهيم بمحافظة أسيوط في مصر، لأب يعمل بالزراعة. لم يتحصل والداه على قدر كافٍ من التعليم – شأن غالبية أبناء القرى المصرية في تلك الفترة – لكنهما كانا حريصين على تعليم أبنائهما إيمانًا بأهمية العلم في التغيير والاستنارة.

كان كتاب القرية هو الخطوة الأولى، ومن خلاله تم حفظ القرآن الكريم، فتستقيم بهذا الحفظ اللغة والأخلاق معًا، لأنه كما يُقال: “القرآن يحفظ من يحفظه”.

عملاً بالحديث النبوي الشريف: “من سلك طريقًا يلتمس فيه علمًا، سهَّل الله له به طريقًا إلى الجنة”¹، التحق بمعهد فؤاد الأول بمدينة أسيوط، وتدرج في مراحله حتى التحق عام 1978م بكلية أصول الدين بجامعة الأزهر، وحصل منها على الإجازة العالية (الليسانس) شعبة التفسير وعلوم القرآن، دور مايو 1982م، بتقدير عام “جيد”.

حياة لأجل الرسالة

وهب حياته للعلم والدعوة، فكان واحدًا من العُبَّاد الذين خصّهم الله بحفظ كتابه ونشر دعوته بين عباده، ممن عرفوا مراد الله فيهم فعملوا به، وأخلصوا له. بذلوا الوقت والمال والجهد في تحصيل علوم القرآن والسير في طريقه متعلمين ومعلّمين في آنٍ واحد، غايتهم فهم معانيه وتدبر أحكامه ونقل ما أفاض الله به عليهم من علمٍ ومعارف لينتفع بها المسلمون وطلاب العلم.

استعان في ذلك بكل ما يمكن أن يكون ميسّرًا له وواصلاً بينه وبين متلقي علومه، من قبيل الأخذ بالأسباب ومواكبة العصر، متخذًا من الدعوة إلى سبيل الله بالحكمة والموعظة الحسنة، والقدوة في القول والعمل، والمجادلة بالتي هي أحسن، سبيلاً لتبليغ الدعوة إلى مكارم الأخلاق ونيل رضا الله ورضوانه واتباع سنة نبيه ﷺ، فينعم الله عليه بمحبته، ويهديه سبل الرشاد، ويفيض عليه من فضله.

هو أيضًا أحد أولئك الذين وهبوا أنفسهم لكتاب الله وعلومه، والدعوة إلى الهدى وطريق الحق منذ نشأته الأولى وعلى مدار قرابة خمسين عامًا، وما تزال أقدامهم تسعى على الدرب نبراسَ علمٍ يُنتفع به اليوم وحتى يرث الله الأرض ومن عليها.

المسيرة الوظيفية

عمل إمامًا وخطيبًا بمديرية أوقاف أسيوط في إبريل عام 1984م، وحصل على درجة التخصص (الماجستير) في التفسير وعلوم القرآن، وموضوعها: “موقف القرآن من الحسد والعين في ضوء القرآن والسنة” عام 1987م بتقدير عام ممتاز، لينتقل بعدها للعمل مدرسًا مساعدًا بكلية أصول الدين جامعة الأزهر فرع الزقازيق عام 1989م.

نال درجة العالمية (الدكتوراه) في التفسير وعلوم القرآن، وموضوعها: “حديث القرآن والسنة عن المساجد وتأثيرها في بناء الأمة” عام 1990م بتقدير مرتبة الشرف الأولى، وفي عام 1991م نُقل إلى أسيوط.

تدرج في المناصب الأكاديمية والإدارية حتى عُيِّن عميدًا لكلية أصول الدين بأسيوط في 1 أغسطس 2007م حتى أول سبتمبر 2016م، وتم تكليفه بالتدريس بالجامعة الإسلامية العالمية بباكستان على نفقة مصر، ليدرّس علوم الدين الإسلامي لطلابه من جنسيات كثيرة حول العالم.

العطاء الأكاديمي

ألَّف الدكتور مختار مرزوق العديد من الكتب في مجال التفسير وعلوم القرآن الكريم، منها:

  • كلمة التوحيد في ضوء القرآن والسنة – مطبعة الأمانة، 1994م.
  • سورة النمل.. تفسير ودراسة – مطبعة الأمانة، 1999م.
  • الوسيط في علوم القرآن – ج4 – دار طيبة، 2008م.
  • الدخيل في التفسير.. دراسة وتطبيق – دار النهضة العربية، 2000م.
  • سورة يس.. تفسير ودراسة – مطبعة الأمانة، 1993م.
  • الوسيط في علوم القرآن – ج1 – دار طيبة، 2003م.

ناقش وأشرف على مئات الرسائل العلمية للحصول على درجتي الماجستير والدكتوراه، وناقش أبحاثًا عبر كليات جامعة الأزهر بمصر، وكليات بالسعودية والكويت وباكستان والأردن، وعمل عضو لجنة المحكّمين لترقية الأساتذة والأساتذة المساعدين بجامعة الأزهر، وعضوًا بالمجلس الأعلى للشئون الإسلامية.

شارك في عشرات المؤتمرات العلمية والأكاديمية بجامعة الأزهر ووزارة الأوقاف، وقدّم عشرات الأبحاث بها، منها:

  • تفسير القرآن والحاجة إليه في كل زمان.
  • الأخوة الإسلامية في ضوء القرآن الكريم.
  • طريق النجاة فيما على المفسر أن يتحاشاه.
  • القرآن العظيم: أسماؤه وأوصافه وما تدل عليه من فضائل.
  • القرآن: عظمته وتلاوته وفضائل أهله.

كتب مئات المقالات والأحاديث الصحفية في علوم القرآن وتفسيره، وأدلى برأيه في الكثير من الموضوعات التي تهم المسلمين وشئونهم، في مجلات وصحف مصرية وعربية.

العطاء في مجال الدعوة

تطبيقًا للحديث النبوي الشريف: “خيركم من تعلم القرآن وعلّمه”²، فقد عمل في مجال الدعوة – وما يزال – منذ قرابة خمسين عامًا، أي منذ كان طالبًا بالمرحلة الثانوية الأزهرية، عبر خطبة الجمعة بالمساجد، مهتمًا بتفسير القرآن الكريم والدعوة إلى العمل به.

قدّم الفتوى فيما عُرض عليه من أبناء قريته وتلاميذه، وما وصله بالبريد أو عبر وسائل التواصل الحديثة.

شارك في برامج إذاعية شهيرة منها: حديث الصباح، في نور الله، منبر الفقه بإذاعة القرآن الكريم منذ عام 2009م وحتى الآن، كما شارك في برامج دينية أخرى بالإذاعات والقنوات التلفزيونية.

عبّر بمسلكه وفكره المستنير المتسامح المتقبّل للاختلاف في الرأي عن المنهج الوسطي للإسلام الحنيف، البعيد عن التشدد والمغالاة والتطرف.

ورغم أنه في العقد السابع من عمره، فإنه لأجل نشر علوم القرآن وتفسيره يساير العصر ويستخدم أدواته الحديثة في التواصل لتعينه على إيصالها إلى أكبر عدد من المتابعين عبر:

  • قناته على اليوتيوب (³)
  • صفحته على فيسبوك (⁴)
  • مجموعات الواتساب
  • قناة على تيك توك
  • قناة على كواي
  • قناة على إنستغرام
  • حساب على تويتر
  • حساب على منصة “باز”، به مقالات وحلقات لنشر الجديد وإعادة نشر القديم من الحلقات.

كما يُدلي برأيه في الموضوعات التي تُعرض عليه أو يرى أهميتها، ويشير إلى ما يقوم به من مناقشات وندوات ومقالات وأبحاث لتعميم وزيادة الاستفادة منها.

يُطالعك عبر الفيديوهات وسط مكتبته العامرة بمنزله في قريته بجنوب مصر – أسيوط – تحيط به آلاف الكتب والمجلدات، حيث المراجع العلمية الثمينة الموثوق بها، والكتب الأصول الذهبية المثمرة، وهي زاده ومنهله الذي لا يخذله، خصوصًا مع امتلاكه البصيرة والرؤية واحترافه أدوات التحليل والقياس والفقه والتفسير.

العالِم العامل

تزيد قيمة العلماء وترتفع مكانتهم في قلوب الناس وتستمر سيرهم نبراسًا عبر الزمان، كلما كانت أعمالهم متسقة مع أقوالهم. عندها يصيرون القدوة الحسنة لمن حولهم، فالناس تتابع العالم في أقواله وتنظر هل يعمل بها كما يطالبهم أم لا؟ فإن خالف قوله عمله، لم يعد محل تقديرهم، ولم تُنصت إليه آذانهم.

وحين نُطبّق هذا على الدكتور مختار، نجده ما بين درسه وقراءاته وتفاسيره وعلمه، يقطعها لصلاة الجماعة في المسجد القريب من منزله. ومصداقًا لقول الله تعالى: *“وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان”*⁵، فقد وهب وقتًا وسخر علاقاته لخدمة المحتاجين من الأيتام والأرامل والفقراء والمرضى غير القادرين.

فهو مقرر لجنة الزكاة بالقرية، ومعه مجموعة من المتطوعين لتنظيم أعمال المساعدات الشهرية، وفي المناسبات والأعياد يقدمون العون للأسر من ذوي الحاجة.

ولكون الدكتور مختار محل ثقة، فإن القادرين من أهل الخير والمتبرعين ينيبونه عنهم في توزيع صدقاتهم أو زكاتهم على المحتاجين الذين تشملهم كشوف وأبحاث معدة من المتطوعين الشباب، كما يشارك في جلسات عرفية ودية لحل مشكلات أسرية كخلافات الأزواج أو النزاعات بين بعض العائلات حول الأملاك وغيرها.

سار أبناؤه على دربه، فتخرجوا في جامعة الأزهر، وعملوا في مجال الدعوة بوزارة الأوقاف، وحصل اثنان منهم على درجتي الماجستير والدكتوراه. وتجد الأحفاد متحلّقين حول الجد في المسجد، وهو يخطب في الناس أو يقدم درسًا في التفسير، تحفه محبة وتقدير أهل القرية وامتنانهم لعلمه وعطائه؛ فهو مضرب المثل لشبابهم، ومحل فخرهم واعتزازهم بتواضعه وحسن خلقه، ويتطلع بعضهم لأن يكون امتدادًا له، ينفع بعلمه وعمله ذويه وأمته.

الحاجة إلى القدوة

نحن في زمنٍ أشد ما نكون فيه حاجةً إلى القدوات والنماذج الحسنة التي تحاكي أفعالها أقوالها، والتي يرى فيها الشباب والنشء الأسوة، فيسيرون على نهجها في الكفاح والإخلاص والاجتهاد والأخذ بالأسباب.

تلك النماذج المعاصرة من القدوات الحية بحاجةٍ إلى الالتفات إليها؛ لأنها كرّست حياتها للعلم والعمل. ومما لا شك فيه أن تأثيرها على المحيطين والشباب كبير للغاية، لأنها نماذج بيننا تعمل وتعطي وتواجه التحديات، وتتأقلم مع الظروف، وتجاري قضايا العصر.

إن ما يُذكر من عطائها ومجالات تميزها ورحلتها العامرة بالإنجاز يجعلنا من الذين يعرفون للناس أقدارهم، وينزلونهم منازلهم، ويحفظون لعلمائهم مكانتهم في مقدمة الصفوف؛ حيث ينبغي ذلك من أجل التقدم الذي تنشده الأمة.


¹ صحيح مسلم، 2699.
² صحيح البخاري، 5027.
³ قناة اليوتيوب: https://www.youtube.com/watch?v=1ZfO-3t0XME
⁴ صفحة الفيسبوك: https://www.facebook.com/profile.php?id=100044554028996
⁵ سورة المائدة، آية 2.