وتبدأ أعمال الحج بالميقات، وهو المكان الذي حدده الرسول عليه الصلاة والسلام ليحرم منه أو بحذائه من يريد الحج أو العمرة، ولكل أهل جهة مكان معين، ولا يجوز لحاج أو معتمر أن يتجاوزه دون أن يُحرِم. ويتحقق الإحرام بتقليم الأظافر، وقص الشارب، ونتف الإبط، وحلق العانة، والوضوء أو الاغتسال – وهو أفضل – وتسريح اللحية وشعر الرأس، والتجرُّد من الثياب المخيطة، ولبس ثوبي الإحرام، وهما: رداء يلف النصف الأعلى من البدن دون الرأس، وإزار يلف به النصف الأسفل منه، وينبغي أن يكونا أبيضين، فإن الأبيض أحب الثياب إلى الله تعالى.
والتطيّب في البدن والثياب، وصلاة ركعتين يُنوي بهما سنة الإحرام، يقرأ في الأولى بعد الفاتحة سورة الكافرون، وفي الثانية سورة الإخلاص.
ويبدأ المحرم بالتلبية من وقت الإحرام إلى رمي جمرة العقبة يوم النحر بأول حصاة، ثم يقطعها. وقال مالك: يُلبي حتى تزول الشمس من يوم عرفة، ثم يقطعها.
هذا بالنسبة للحج، وأما المعتمر فيلبي حتى يستلم الحجر الأسود.
ولفظ التلبية: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد لك والنعمة لك والملك لا شريك لك.
ويُستحب الجهر بها، وللمرأة أن تُسمع نفسها ومن يليها، ويُكره لها أن ترفع صوتها أكثر من ذلك. كما تُستحب التلبية عند الركوب أو النزول، وكلما علا شرفًا أو هبط واديًا، أو لقي ركبًا، وفي دُبر كل صلاة، وبالأسحار، ويُستحب الصلاة على النبي ﷺ والدعاء بعدها.
ثم يتجه الحاج إلى الكعبة قاصدًا الحجر الأسود، فيقبّله بدون صوت، فإن لم يتمكن استلمه بيده وقبّله، فإن عجز عن ذلك أشار إليه بيده، ثم يقف بحذائه ويشرع في الطواف سبعة أشواط.
ويُستحب أن يرمل في الأشواط الثلاثة الأولى، فيُسرع في المشي ويُقارب الخطا مقتربًا من الكعبة، ويمشي مشيًا عاديًّا في الأشواط الأربعة الباقية. ويُستحب أن يستلم الركن اليماني، ويُقبّل الحجر الأسود أو يستلمه في كل شوط، كما يُستحب له أن يُكثر من الذكر والدعاء.
فإذا فرغ من الأشواط السبعة، صلى ركعتين عند مقام إبراهيم أو في أي مكان بالمسجد، وبهذا ينتهي الطواف.
وإن كان الطائف قارِنًا أو متمتعًا، كان هذا الطواف طواف العمرة، ويُجزئ عن طواف التحية والقدوم.
وعليه أن يمضي في استكمال عمرته، فيسعى بين الصفا والمروة سبعة أشواط، ويبدأ بالصفا ويختم بالمروة، على أن يكون السعي في الطريق الممتد بينهما، ولا يُشترط الموالاة في السعي، كما ذهب أكثر أهل العلم إلى أنه لا تُشترط الطهارة فيه، وإن كان المستحب أن يكون المرء على طهارة في جميع مناسكه.
ويجوز السعي راكبًا وماشيًا، والمشي أفضل، ويُندب المشي بين الصفا والمروة فيما عدا بين الميلين، فإنه يُندب الرمل بينهما. ويُستحب الرقي على الصفا والمروة واستقبال البيت والدعاء بما شاء من أمر الدين والدنيا، كما يُستحب أثناء السعي بينهما الدعاء وذكر الله تعالى وقراءة القرآن.
وبالطواف والسعي تنتهي أعمال العمرة، ويحل المحرم من إحرامه بالحلق أو التقصير إن كان متمتعًا، ويبقى على إحرامه إن كان قارِنًا ولا يحل إلا يوم النحر. ويكفيه هذا السعي عن السعي بعد طواف الفرض إن كان قارِنًا، ويسعى مرة أخرى بعد طواف الإفاضة إن كان متمتعًا.
ويبقى بمكة حتى يوم التروية، ومن السنة التوجه إلى منى يوم التروية، وهو اليوم الثامن من ذي الحجة، ويُستحب الإكثار من الدعاء والتلبية عند التوجه إلى منى، وصلاة الظهر والعصر والمغرب والعشاء والمبيت بها، وألا يخرج الحاج منها حتى تطلع شمس يوم التاسع اقتداءً بالنبي ﷺ، فإن ترك ذلك أو شيئًا منه فقد ترك السنة ولا شيء عليه.
ويُسن التوجه إلى عرفات بعد طلوع شمس يوم التاسع عن طريق ضَبّ، مع التكبير والتهليل والتلبية، ويُستحب النزول بنَمِرة، والاغتسال عندها للوقوف بعرفة، ويُستحب ألا يدخل عرفة إلا بعد الزوال.
والمقصود بالوقوف بعرفة هو الحضور والوجود في أي جزء من عرفة، ولو كان نائمًا أو يقظانًا، أو راكبًا أو قاعدًا أو مضطجعًا أو ماشيًا، وسواء أكان طاهرًا أم غير طاهر كالحائض والنفساء والجُنب.
ويُجزئ الوقوف في أي مكان من عرفة، لأن عرفة كلها موقف، إلا بطن عرفة، فإن الوقوف به لا يجزئ بالإجماع.
ويُستحب أن يكون الوقوف عند الصخرات أو قريبًا منها حسب الإمكان، ويُندب الاغتسال للوقوف بعرفة، كما ينبغي المحافظة على الطهارة الكاملة، واستقبال القبلة، والإكثار من الاستغفار والذكر والدعاء بما فيه خير الدين والدنيا، مع الخشية وحضور القلب ورفع اليدين.
وفي الحديث الصحيح أن النبي ﷺ جمع بين الظهر والعصر بعرفة.
ويُسن الإفاضة من عرفة بعد غروب الشمس بالسكينة، ويُستحب التلبية والذكر. فإذا أتى المزدلفة صلى المغرب والعشاء ركعتين بأذان وإقامتين من غير تطوع بينهما، وتُؤخذ الحصى من المزدلفة، وعددها سبعون حصاة أو تسع وأربعون:
سبع يُرمى بها يوم النحر عند جمرة العقبة،
وإحدى وعشرون في اليوم الحادي عشر موزعة على الجمرات الثلاث،
وإحدى وعشرون يُرمى بها في اليوم الثاني عشر،
وكذلك في اليوم الثالث عشر، فيكون عدد الحصى سبعين حصاة.
فإن لم يرمِ في اليوم الثالث عشر جاز، ويكون الحصى الذي يرميه الحاج تسعًا وأربعين.
فإذا كان قبل طلوع الشمس، أفاض من مزدلفة إلى منى، فإذا أتى مُحَسِّرًا أسرع قدر رمية بحجر.
وتبدأ أعمال يوم النحر بالرمي، ثم الذبح، ثم الحلق، ثم الطواف بالبيت.
وبرمي الجمرة يوم النحر وحلق الشعر أو تقصيره، يَحِلُّ للمحرم كل ما كان محرمًا عليه بالإحرام، فله أن يمس الطيب ويلبس الثياب ما عدا النساء، وهذا هو التحلل الأول.
فإذا طاف طواف الإفاضة حل له كل شيء حتى النساء، وهذا هو التحلل الثاني والأخير.
وقد أجمع المسلمون على أن طواف الإفاضة ركن من أركان الحج، وأن الحاج إذا لم يفعله بطل حجه، لقوله تعالى: ﴿وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ﴾[الحج: 29].
وجمهور العلماء يرى أنه سبعة أشواط، وأول وقته نصف الليل من ليلة النحر عند الشافعي وأحمد، ولا حد لآخره.
وآخر ما يفعله الحاج غير المكي عند إرادة السفر من مكة أن يطوف طواف الوداع، وسُمِّي بهذا الاسم لأنه توديع للبيت، وهو طواف لا رَمَل فيه.
فإذا طاف الحاج سافر فورًا دون أن يشتغل ببيع أو شراء، ولا يُقيم زمنًا ليكون آخر عهده بالبيت، فإن فعل شيئًا من ذلك أعاده، اللهم إلا إذا قضى حاجة في طريقه أو اشترى شيئًا لا غِنى له عنه من طعام، فلا يُعيد لذلك.
وتعددت المنافع المادية التي يحققها الحج، ويمكن حصر بعضها في الآتي: فمن الأحاديث الشريفة ما يدل على أن المتابعة بين العمرة والحج من مفاتيح الرزق، ولبـيان المراد بالمتابعة بين الحج والعمرة يقول الشيخ أبو الحسن السندي: اجعلوا أحدهما تابعًا للآخر واقعًا على عقبه، أي إذا حججتم فاعتمروا، وإذا اعتمرتم فحجوا، فإنهما متتابعان. وقد روى الأئمة أحمد والترمذي والنسائي وابن خزيمة وابن حبان عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (تابعوا بين الحج والعمرة، فإنهما ينفيان الفقر والذنوب كما ينفي الكير خبث الحديد والذهب والفضة، وليس للحجة المبرورة ثواب إلا الجنة). ففي هذا الحديث الشريف، بين الصادق المصدوق الناطق بالوحي أن ثمرة المتابعة بين الحج والعمرة زوال الفقر والذنوب. وقد عنون الإمام ابن حبان على هذا الحديث في صحيحه بقوله: “ذكر نفي الحج والعمرة الذنوب والفقرعن المسلم بهما”، وقال الإمام الطيبي في شرح قوله صلى الله عليه وسلم: (فإنهما ينفيان الفقر والذنوب) إزالته للفقر كزيادة الصدقة للمال، كما روى الإمام النسائي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (تابعوا بين الحج والعمرة، فإنهما ينفيان الفقر والذنوب كما ينفي الكير خبث الحديد). فعلى الراغبين في نفي الفقر والذنوب عنهم المبادرة إلى المتابعة بين الحج والعمرة.
وعن جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (هذا البيت دعامة الإسلام، فمن خرج يؤم أي يقصد هذا البيت من حاج أو معتمر، كان مضمونًا على الله: إن قبضه أن يدخله الجنة، وإن رده رده بأجر وغنيمة) رواه ابن جريج بإسناد حسن.
كما لا بأس للحاج أن يتاجر ويؤاجر ويتكسب وهو يؤدي أعمال الحج والعمرة. قال ابن عباس: إن الناس في أول الحج كانوا يتبايعون بمنى وعرفة وسوق ذي المجاز ومواسم الحج، فخافوا البيع وهم حرم، فأنزل الله تعالى: ﴿لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ﴾[البقرة: 198]، فأمروا أن يتجروا إذا أفاضوا من عرفات. وعن أبي أمامة التيمي أنه قال لابن عمر: إني رجل أُكري ـ أي أؤجر الرواحل للركوب ـ في هذا الوجه، وإن ناسًا يقولون لي: إنه ليس لك حج، فقال ابن عمر: أليس تُحرم وتُلبي وتطوف بالبيت وتفيض من عرفات وترمي الجمار؟ قال: قلت: بلى، قال: فإن لك حجًّا. وقال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسأله عن مثل ما سألتني، فسكت حتى نزلت هذه الآية: ﴿لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ﴾، فأرسل إليه وقرأ عليه هذه الآية وقال: (لك حج) رواه أبو داود وسعيد بن منصور.
لذا فإن الحج فرصة متاحة لتبادل المنافع التجارية على نطاق واسع بين المسلمين، فأصحاب السلع والتجارة يجدون في موسم الحج سوقًا رائجة، حيث تُجبى إلى البلد الحرام ثمرات كل شيء من أطراف الأرض، ويقدم للحجيج من كل فج ومن كل قطر، ومعهم من خيرات بلادهم ما تفرق في أرجاء الأرض في شتى المواسم، يتجمع كله في البلد الحرام في موسم واحد، فهو موسم تجارة ومعرض نتاج وسوق عالمية تقام في كل عام، مما يحمل الحجاج على اقتناء الهدايا، ويندر أن يرجع حاج إلى بلدته غير محمل بكثير أو قليل منها، ولهذا فهي تعتبر مصدر رزق للمشترى منه والمحمولة إليه.
كما تعتبر أشهر الحج وأوقات العمرة موسم انتعاش اقتصادي لشركات الملاحة والطيران والنقل البري والسياحة والجمعيات والنوادي والهيئات المنظمة لرحلات الحج، وكذلك لمكاتب البريد والاتصالات السلكية، ولمنتجي مستلزمات الحجاج، ولجميع من يؤدون خدمات للحجيج.
ومن بين هذه المنافع أيضًا، وتُعتبر مصدر رزق للمنتفع بها: الهدي، وهو ما يُهدى من النعم إلى الحرم تقربًا إلى الله عز وجل، قال تعالى: ﴿وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللّٰهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللّٰهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَٰلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ * لَنْ يَنَالَ اللّٰهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَٰكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَىٰ مِنْكُمْ﴾[الحج: 36–37]. وقال عمر رضي الله عنه: “أهدوا فإن الله يحب الهدي”، وأهدى رسول الله صلى الله عليه وسلم مائة من الإبل، وكان هديه تطوعًا، وللمرء أن يهدي للحرم ما يشاء من النعم، وأقل ما يجزئ عن الواحد شاة أو سبع بدنة أو سبع بقرة، فإن البقرة أو البدنة تجزئ عن سبعة شياه.
المراجع:
– فقه السنة – السيد سابق
– مفاتيح الرزق في ضوء الكتاب والسنة – فضل إلهي
– كيف تحقق غنى النفس وسعة الرزق – سعيد عبد العظيم
– في ظلال القرآن – سيد قطب