للقراءة فوائد تنموية، وحضارية مذهلة، فهي تبني العقول السليمة، وتنشئ المعارف الواعية، ووجهات النظر السليمة اللازمة للنهوض الإنساني. فالمعرفة التي تخرج من أعماق القراءة تبدد ظلمات الجهل، وتحفز الأمم إلى البناء، والتقدم، والتطوير، والتنمية السليمة، وتجعل المجتمع أكثر التزامًا في مسؤولياته، وتحميه من الضعف، والضياع، والبطالة.
كما أنها تخفف من ضغوط الحياة، وهمومها، فتساعد الأفراد والمجتمعات على أن يكونوا متبصرين لشؤونهم. وما من مجتمع رجع إلى القراءة، واهتم بها، إلا وتغيّر نحو الأفضل، وتغلب على مشكلاته، وخطا خطوات واسعة نحو عالم المعلومات، والاتصالات، وتشجع على الابتكار، والتطور، وصار سلمًا وسلامًا لكل من حوله.
القراءة قوام المجتمعات الطموحة، ينتقل خلالها المجتمع من الطفولة المعرفية إلى بناء التجارب الناجحة، والانفتاح على العلوم المختلفة كونيًا، واجتماعيًا، واقتصاديًا، وسياسيًا، وحضاريًا، لأن المجتمع الذي يسلك طريقًا يلتمس فيه قراءة معرفية هادفة، يسهل الله له موقعًا متميزًا بين دول العالم المختلفة.
فإذا فقد الإنسان القراءة، ضعفت معرفته، وحَدَث نوع من الجفاء المعرفي بينه وبين عالم الأفكار، والكتب التي تغذي المشاعر، وتغذي العقل الإنساني بما يضبط مساره، وتسهل إصابته بعد ذلك بالأمراض الحضارية المقلقة.
حتى تقوم حياتنا بوظيفتها، ويؤدي الإنسان رسالته فيها بهمة، وإيجابية، فإننا بحاجة إلى القراءة المستمرة التي تنمّي العقلية الإبداعية. فكل أمة تريد أن يكون لها دور في هذا الوجود، وأن تنعم بالأمن والسعادة، لا بد أن تغرس القراءة في عقول أجيالها، التي توفر لهم التحليلات العميقة، والتقدم التكنولوجي، وتشجعهم على الابتكار في كافة المجالات، وتؤهلهم لتشكيل الخطابات الناجحة محليًا ودوليًا، وتساعدهم على التميز في رسم السياسات المحلية، والدولية.
من الخطأ أن نعتبر القراءة عملية عقلية ونسكت عند هذا الحد، فالقراءة هي عملية عقلية تنموية حضارية تعزز الطاقة الفكرية لدى الأفراد والشعوب، والقدرة السلمية لدى الدول، وتنهض بها المجتمعات، وتنمو. وكم من فكرة خرجت من بطون الكتب، فأحيت أجيالًا، وأماتت سلبيات كثيرة، وما تزال القراءة تحمي البيئة الثقافية للشعوب من الشيخوخة المعرفية، حتى تصبح الموجات التجديدية لديها في حالة شبابية دائمة، وتظل بعيدة عن الفقر والتخلف.
سيظل العالم في تطور، وستظل بيئاته بعيدة عن التخلف الحضاري ما دام المحرك القوي لها هو القراءة، وتبادل الخبرات، والمشاركة المعرفية السلمية في كافة صورها وأشكالها، والخبرات الكونية الواسعة. فالقراءة التي بنت الحضارات الشامخة، وصنعت أرقى أمجاد البشرية في عصورها المختلفة، قادرة على بناء جسور السلام، والأمن الدوليين، ومعظم مجالات الحياة لا تنهض أو يستقر نهوضها إلا في ظلهما.
لا يمكن أن يتحقق السلام الإنساني بدون التعارف البشري، والتبادل المعرفي الذي يعزز الرؤى الحضارية المتعاونة، ويبني جسور التفاهم والتواصل والتعاون من أجل خير الحاضر، والمستقبل.
القراءة حاجة نفسية، وتواصلية، وحضارية. فكلما زاد إقبال المجتمعات عليها، تفتحت أمامها أبواب التطور العلمي، والاتساع المعرفي، والرخاء المستقبلي، وانضبطت المسارات الثقافية والدولية لديها، فتدخل دائرة الحوار الحضاري بجاهزية فكرية وتنموية تؤهلها لكسب الثقة الحضارية، والتفوق الدولي بجدارة واستحقاق.
حين يرتبط الفكر الحضاري بالوعي الحضاري والخلفية الثقافية، تتطور العقول، ويحدث انبعاث جديد للعقل في أرجاء الحياة والكون من حوله. وكأن الإنسان حين يقرأ، فكل سطر يقرؤه يعزف لروحه ألحان السلام النفسي، والجمال الإنساني، والرشد الذاتي، فتغدو سلوكياته مشبعة بطاقة سلمية لا حدود لها، ويصبح سلمًا وسلامًا على مظاهر الحياة من حوله. فإذا أردت مستقبلًا باهرًا للسلام الإنساني، فالمنطلق هو القراءة.