الروبوتات الحيوية محاكاة للكائنات الحية

كان أول روبوت سريع الحركة يضاهي حيوان “الشيتا” (أسرع حيوان على سطح الأرض)، قد ابتكرته شركة “بوسطن ديناميك” بالتعاون مع البروفيسور “آلان ويلسون”، خبير الثدييات والأستاذ بالكلية الملكية للطب البيطري بلندن. وقد لاحظ مصممو الروبوت أن الشيتا تمتلك عمودًا فقريًّا قادرًا على الالتواء والانحناء، مما يساعدها على العدو بسرعة كبيرة دون الحاجة إلى أرجل أطول. كما لاحظوا أن أرجلها تلامس الأرض أثناء الجري، مما ينتج قوة دفع مشتركة لأرجلها الأربع، تؤهلها للركض بسرعة هائلة.
وقد صُمم الروبوت بهذا الشكل؛ حيث تم تزويده بعمود فقري مفصلي، وأرجل طويلة، ورأس صغير. وقد سجل روبوت الشيتا رقمًا قياسيًّا ببلوغه سرعة 29 كم/ساعة. كما يجري تطويره ليبلغ 45 كم/ساعة، لتصبح الاستفادة منه كبيرة، خاصة في مهام نقل الإمدادات للصفوف الأمامية للقوات المحاربة، وكذلك حمل الأدوية إلى الأماكن المتضررة من الزلازل. لكن أمام تطويره كثير من الجهد، حيث ما زال يستمد طاقته عبر كابل كهربائي، الأمر الذي دفع إلى إيجاد حلول لطاقة بديلة، وتطوير نظام متقدم للتحكم به عن بُعد.
وصُمم روبوت يستمد طاقته عبر أكله المخلفات والمواد العضوية. تم ابتكاره بمختبر “بريستول” للروبوتات بالتعاون مع جامعة غرب إنجلترا. وهو عبارة عن نموذج كامل لمَعدة بقرة، حيث تقوم البكتيريا بداخله بالتغذي على المواد العضوية، منتجة غاز ثاني أكسيد الكربون، الذي يصحبه انطلاق إلكترونات لازمة لتدوير عدة دوائر كهربائية لتشغيل الروبوت. وبتوفير الذكاء الكافي للروبوت لقيامه بإطعام نفسه عبر موزع أوتوماتيكي بداخله، سيتمكن من العمل لأسبوع متواصل يؤدي فيها المهام كافة دون تدخل بشري، وسيصبح بمقدوره استكشاف المواد العضوية من حوله والتغذي عليها. ولكن النتيجة الوحيدة التي لا مفر منها، هي أن الروبوت يحتاج إلى تفريغ نفاياته في مكان ما.
وفي “إلهام أحيائي” آخر، ومضاهاة لشكل أقدام الوزغة وديناميكيات أشواك الحشرات ومخالبها، صمم العالم “سبينكو” (Spenko) وزملاؤه روبوتًا متسلقًا سداسي الأقدام، سُمي “RiSE”؛ حيث يُحْكِم هذا الروبوت قبضته على الأسطح المسطحة، وتملك أقدامه الست درجتين من الحرية، إضافةً إلى امتلاكه ذيلاً ثابتًا يضغط على السطح، ويخفف من القوة اللازمة للالتصاق. كما يمتلك أيضًا عددًا من حساسات الحركة، مثل حساس قوة السحب، وحساس قوة الالتصاق.
ولقد أظهر صانعو هذا الروبوت قدرته على تسلق العديد من الأسطح العمودية والأفقية، مثل تسلق الأشجار والجدران الإسمنتية. وقد صُمم وفق خصائص الحيوانات المتسلقة، مثل جسد طويل مفلطح يُبقي الجسم قريبًا من السطح، ويخفف قوة السحب الداخلية المبذولة من الأطراف الأمامية. وتسحب الأطراف الأمامية للداخل، بينما تدفع الأطراف الخلفية للخارج. وتعمل القوى الجانبية نحو الداخل باتجاه المحور المركزي للجسم. وتوافق الأقدام -التي تحتوي على كاحل وأصابع- لتوزيع قوى الاتصال.
كما أن هناك روبوتات باستطاعتها تسلق الجدران كالبرص، إلا أنها لا تشبهه على الإطلاق؛ حيث ابتكر باحثون بجامعة “سيمون فريزر” الكندية روبوتًا صغيرًا يحمل خزانًا صغيرًا، قادرًا على تسلق الجدران العمودية. وتم تزويد الروبوت بشعيرات صناعية دقيقة كالتي في قدم البرص، والتي تمكنه من تسلق الحوائط الملساء عبر قوى الجذب المعروفة بـ”فان دير فالس”. وهي قوى التأثيرات المتبادلة بين الإلكترونات داخل جزيئات تلك الشعيرات الدقيقة، وبين نواة ذرات المادة المكونة منها أسطح الحوائط. وما زالت تلك القوة غير كافية لحمل جسم كبير بحجم الروبوت، لذا تم تصنيع تلك الجزيئات بكمية كبيرة، بالإضافة إلى تزويده بعمود فقري مفصلي يسمح بانتقاله بين الزوايا والأسقف والحوائط غير الممهدة.

“بلو روبوت” و”السمندل”

في إطار ابتكارات سابقة لمختلف أنواع “الروبوتات الحيوية”، ابتكر باحثون -بقيادة الباحث “أوكي ليسبيرت”- بمختبر تابع للمعهد الاتحادي السويسري في “لوزان”، روبوت “بلوروبوت”. وهو يحاكي الحيوان البرمائي “السمندل” في كثير من حركاته وسكناته، وقدرته على الغوص تحت سطح الماء.
كما سيساعد علماء الأعصاب على فهم الطريقة التي يستخدمها الجهاز العصبي والحبل الشوكي، لتحقيق فكرة التوافق الحركي (العصبي- العضلي) لدى جميع الأسلاف البرية للفقاريات، بما فيهم الإنسان، مما قد يساعد في تطوير علاجات لتنشيط النخاع الشوكي لمرضى الشلل.
وحتى يتسنى للباحثين صنع “بلو روبوت”، استعانوا بتقنيات متطورة في فنون التصوير السينمائي بالأشعة، لرسم التصميم البيولوجي الدقيق للسمندل الحقيقي. تم بحث 64 نقطة لهيكله العظمي للتعرف على التناسق بين المفاصل النشطة وبين المفاصل الخاملة. كما تم استخدام الأشعة السينية الثلاثية الأبعاد، لتسجيل حركات الكائن أثناء سيره على الأرض وغوصه تحت الماء.
وتم بالفعل عرض نموذج “بلوروبوت” في المهرجان السنوي الخامس للعلوم في “سان فرانسيسكو”، كواحد من أدق الحيوانات الروبوتية التي ابتكرت حتى الآن.

سلاحف وأسماك لاستكشاف آثار تحت الماء

في إطار مشروع بحث أوروبي (في رومو/إستونيا)، تم اختيار روبوت جديد (U-CAT) لمساعدة علماء الآثار على العمل في مواقع تحت الماء يصعب وصول البشر إليها، وذلك بغية جمْع معلومات مكانية وتصوير بالموجات فوق الصوتية (سونار) وأخذ فيديو لكنوز مغمورة.
ويتم دمج بيانات السونار والفيديو في خرائط ثلاثية الأبعاد، مما يساعد على اكتشاف أعماق البحار وحفظ كنوزها المطمورة. حيث على الروبوت -الذي يحاكي السلاحف أو الأسماك- النفاذ خلال مساحات صغيرة جدًّا، والدوران حول جميع المحاور والعودة بكفاءة. ويعمل بدون جهاز تحكم عن بُعد لأنه يتبع برنامجًا مستقلاًّ، وتُجنّبه أجهزة الاستشعار التصادم مع الجدران أو غيرها تحت الماء. وبدلاً من المراوح، يمتلك هذا الروبوت أربع زعانف تمكّنه من المناورة بشكل جيد داخل الأثر البحري.
كما تساعد الزعانف على رفع كمية أقل من الرواسب من قاع السفن الغارقة؛ لأن تشغيل المروحة بالقرب من حطام سفينة، يؤدي إلى رفع طين القاع، ويمنع إمكانية رؤية أي شيء. ولعل فقدان روبوت داخل حطام سفينة، أقل فداحة من فقدان غطاس بشري، فاختراق حطام السفن أمر خطير جدًّا.

روبوت جناح ذبابة الفاكهة

أنشأ الباحث “ديكنسون” وزملاؤه نموذجًا حيويًّا استطاع تفسير ديناميكية طيران الحشرات. وهو روبوت له أجنحة (بطول 60 سم) يضاهي جناح ذبابة الفاكهة. ثم غُمر هذا النموذج في الزيت المعدني، وأضيفت مستشعرات للحركة على أطراف الأجنحة، وإضاءة كاملة للخزان، لمعرفة طريقة تحرك فقاعات الهواء المغمورة بالزيت حول أجنحة النموذج.
هذا وقد اكتُشفت ثلاث قوى رئيسة تحكم طيران الحشرات.

روبوتات تحاكي البشر

صُمم هيكل أول هذه الروبوتات “أكسيو روبوت” ليشابه مثيله عند الإنسان. وتميز بوجود جذع وذراعين مدعومين بالعضلات والعظام المتصلة بالأوتار، بالإضافة إلى قابليته العالية للتعلم، حيث يتم ربط الروبوت بقاعدة معلوماتية لاستقبال الإشارات من أجزاء جسمه، خاصة من الكاميرا المزودة بها العين، ثم يتم ترجمة الأشياء التي يراها أو يمسكها، لتتكون لديه القدرة على الفهم والإدراك واتخاذ التدابير اللازمة للتعامل مع المعطيات الخارجية، والقيام بردود الأفعال المناسبة في المواقف المختلفة، مثل تعلمه كيف يشرب كوبًا من الشاي وكيف يمسك بكرة. وبالتالي يمكنه تحريك عظامه كما يحرك الإنسان أطرافه (قبض وبسط المفاصل واسترخاء العضلات)، وذلك بواسطة أنسجة رخوة تفصل ما بين العظام وتتصل بأسلاك كهربائية تعمل محل الأوتار، موصولة بمحرك كهربائي. ويقوم “أكسيو روبوت” من خلال حركة أي جزء فيه، بتوزيع مردود الحركة على باقي أجزائه، لإعطاء رد الفعل الطبيعي تجاهها، مما يمكّن من الاستفادة منه كبديل عن العمال، خاصة في الأعمال الخطرة.
وفي قسم “الهندسة الحيوية” في جامعة “إلينوي”، تم تطوير عمود فقري ثلاثي الأبعاد من الهيدروجيل القوي، ليدعم الأجزاء الميكانيكية للروبوت شبيه البشر، بحيث يستطيع التحرك بمرونة فائقة. ويقول الباحثون إن سلسلتين من هذه العضلات تثبتان العمود الفقري على غرار ما تفعله عضلات الأوتار، إضافة إلى أنها تعمل كالقدم بالنسبة للروبوت البيولوجي. ويمكن التحكم بسرعة الروبوت عبر إدارة ترددات النبضات الإلكترونية. فالتحريك البيولوجي المدعوم بالخلايا هو عمل أساس لأي آلة ميكانيكية بيولوجية. ويُعتبر فريق الباحثين في جامعة “إلينوي” رائدًا في صناعة الروبوتات الحيوية التي يقل حجمها عن سنتيمتر واحد، والمكونة من مادة هيدروجيل ثلاثية الأبعاد، وخلايا حية.
وصمم الفريق -في وقت سابق- روبوتات بيولوجية يمكنها السير بمفردها بوساطة خلايا قلب نابضة أُتي بها من الفئران، لكن خلايا القلب النابضة تتفاعل باستمرار وتنبض داعمة حركة الروبوت البيولوجي، بحيث يصعب التحكم في إيقاف حركته. ومن الصعب -بطبيعة الحال- توقيف الخلايا الحية عن عملها أو إبطاؤها وتسريعها، لأن الخلايا الحية مشمولة بنظام عمل تلقائي.

بيوتاك (اليد البشرية)

كان علماء يابانيون قد ابتكروا جلدًا بشريًّا حيًّا يساعد في إنشاء روبوتات بيولوجية هجينة، مصنوعة من مواد حية واصطناعية. وكان الجلد الاصطناعي المطوَّر للروبوتات الحالية مصنوعًا من السيليكون، ليحاكي مظهر الإنسان. ثم تم تصميم يد اصطناعية تتميز بخاصية اللمس كالإنسان، وتتعرف على المواد المختلفة بنسبة 95%، ومُزودة بمستشعرات للإحساس بالبرودة والحرارة. وتتكون من أصابع وجلد مزود بمستشعرات، طُورت بوساطة البروفيسور “جيرالد لويب” من جامعة جنوب “كاليفورنيا” وبمساعدة زميله الدكتور “جيرمي فيشل”. وتم تصميم الجلد المرن للأصابع ليكون بمعزل عن العظام البلاستيكية، بوساطة سائل رخو كالسائل السينوفي الموجود في مفاصلنا، حيث يقوم بنقل الإشارة من الأجزاء الحساسة في الأصابع إلى مراكز الحس، والمتمثلة في قاعدة بيانات ضخمة توضح للروبوت ماهية الشيء الذي يمسكه. لكن الإحساس الوحيد الذي لا يمكن أن تشعر به هذه اليد، هو الشعور بالألم، لكنها توظف بكفاءة وفاعلية كأطراف اصطناعية لمن فقد يديه. كما ظهرت طفرة في مجال الروبوتات الحيوية، خصوصًا مع ظهور أعضاء روبوتية حيوية أخرى، مثل الأحبال الصوتية، وفك الأسنان، وقرنية العين، والوجوه التعبيرية.

روبوتات الإنقاذ والسيارات ذاتية القيادة

يتوجه الباحثون في علم الروبوتات إلى تصميم روبوتات ذكية، منها المرتبط عضويًّا بالإنسان (الأكسوسكليت)، ومنها الذي يأخذ شكل طفل لخدمة البشر ذوي الحركة المنخفضة (المسنِّين أو ذوي الاحتياجات الخاصة)، أو أي إنسان عادي “عالق” وقع في مأزق ولم يجد حلًّا آنيًّا لمشكلته.
ولتسهيل الأمور في أماكن تجمع الناس (كمحطات القطار والمطارات والمشافي وغيرها)، تقوم شركة “تالس” (Thales) بمشروع تصميم روبوت حساس يتعرف على البشر الذين يبدو عليهم الاضطراب والتوتر والقلق، فيتقدم الروبوت إليهم ويحاورهم ثم يعطيهم المعلومات لحل مشكلتهم. هذا الروبوت الذكي يرتبط لاسلكيًّا بكاميرات ديناميكية معلقة في سقف المكان، أو في قمر اصطناعي لاكتشاف الشخص المضطرب. وذلك بواسطة برنامج خوارزمي مبني على نظام الشبكة العصبية (النيورونية). وهذا البرنامج يدرس ويحلل ملامح الوجه (المضطرب) وحركات الجسم (المتوترة)، ويقرر المساعدة، فيتقدم لحل المشكلة. أما في المستشفيات، فيحل الروبوت بشكل بديهي مكان الممرضة في كل عمل متكرر مع المريض.
وفي مؤسسة “فيديكوم” (Vedecom) التابعة لجامعة باريس-ساكلي، والمصنعة لسيارات خالية من أكسيد الكربون، تم إجراء دراسة (دكتوراه قدمتها الطالبة فلافي بونفيوت) لفهم العلاقة بين سيارة كهربائية ذكية تسير دون سائق، والمشاة الذين يواجهونها عند عبور الشارع. فلأسباب سيكولوجية، يضطرب المشاة حين يقابلون هذا النوع من السيارات (ذاتية القيادة)، ويفضلون عدم التعرض لها والابتعاد عنها. فتم تطوير برمجة خوارزمية في عقل السيارة الذكية، لتتعامل بلطف مع المارة ولإدخال الثقة والاطمئنان في نفوسهم حين يقتربون من هذه الآلة الروبوتية الحديدية المتحركة.
وختامًا: المخلوقات الحية مصدر إلهام لتصميم وسلوك وتصرفات ووظائف وآليات عمل الروبوتات. وهناك درجات مختلفة لمحاكاة التصاميم، تتراوح من التشابه العام حتى المحاكاة الكاملة في التصرفات. لذا يتمتع هذا الجيل الجديد من الروبوتات، بالسرعة والرشاقة والبراعة في التصرفات والسلوكيات، وأصبح أكثر استعدادًا للتكيف والاحتكاك الأفضل مع البشر.

(*) كاتب وأكاديمي مصري.