للأمة الإسلامية عيدان اثنان لا يزيدان ولا ينقصان، لا تتغير أسماؤهما، ولا تتعدل مواقيتهما، ولم يزد عليهما أو يُنقص منهما شيء، ولم تتغير معالمهما وشعائرهما منذ ألف وأربعمائة وعشرين سنة، لأنهما مرتبطان بعبادتين إلهيتين وفريضتين من فرائض الإسلام، وهما الصوم والحج. فقد روى أبو داود عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: (قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، ولأهلها يومان يلعبون فيهما، فقال صلى الله عليه وسلم: «ما هذان اليومان؟» قالوا: يا رسول الله، هذان يومان كنا نلعب فيهما في الجاهلية، فقال: إن الله تعالى قد أبدلكما خيرًا منهما، يوم الأضحى ويوم الفطر).

عيد الفطر: يوم الجائزة

أول أعياد المسلمين هو عيد الفطر، وهو أول يوم بعد رمضان، يفرح فيه المسلم الصائم فرحتين: فرحة القيام بواجب الطاعة لله، وفرحة الفوز بجائزة الله على هذه الطاعة، وهي جائزة لا تُقدّر بثمن. وقد سماه رسول الله صلى الله عليه وسلم “يوم الجائزة”، فقد ورد عن سعد بن أوس الأنصاري، عن أبيه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا كان يوم عيد الفطر وقفت الملائكة على أبواب الطرق فنادوا: اغدوا معشر المسلمين إلى رب كريم، يمنّ بالخير ثم يثيب عليه الجزاء، لقد أمرتم بقيام الليل فقمتم، وأمرتم بصيام النهار فصمتم، وأطعتم ربكم، فاقبضوا جوائزكم. فإذا صلوا نادى منادٍ: ألا إن ربكم قد غفر لكم، فارجعوا راشدين إلى رحالكم، فهو يوم الجائزة، ويسمى ذلك اليوم في السماء يوم الجائزة) رواه الطبراني.

وقد رُوي أن الله سبحانه وتعالى يقول لملائكته في هذا اليوم: (ما جزاء الأجير إذا عمل عمله؟) فيقولون: “إلهنا وسيدنا، جزاؤه أن يوفى أجره”. فيقول سبحانه: (أشهدكم أني قد جعلت ثوابهم لصيامهم وقيامهم رضائي ومغفرتي). ثم يقول سبحانه، وقد نظر إلى جميع المصلين للعيد نظرة رحمة وحنان: (سلوني يا عبادي، فوعزتي لا تسألوني اليوم في جمعكم هذا لآخرتكم إلا أعطيتكم، ولا لدنياكم إلا نظرت لكم، قد أرضيتموني فرضيت عنكم، انصرفوا مغفورًا لكم).

فإذا أتممنا صيام رمضان بقيام ليله، وتلاوة القرآن، والتقرب إلى الله بسائر أعمال البر والإحسان، فنحن إذًا من أهل العيد الذين يفرحون بصومهم، ويسعدون بفطرهم وعند لقاء ربهم.

وقد ورد أن رجلاً دخل على أمير المؤمنين علي بن أبي طالب -كرم الله وجهه- يوم عيد الفطر، فوجده يأكل خبزًا فيه خشونة، بينما يأكل غيره من رعيته ما لذّ وطاب. فقال الرجل: “يا أمير المؤمنين، يوم عيد وخبز خشن؟” فقال علي: (اليوم عيد من قُبل بالأمس صيامه وقيامه، عيد من غُفر ذنبه، وشُكر سعيه، وقُبل عمله. اليوم لنا عيد، وغدًا لنا عيد، وكل يوم لا نعصي الله فيه فهو لنا عيد).

وهذا يدل على أن العيد الحقيقي لمن صام وقام وتقرّب إلى الله بالأعمال الصالحة، حتى ينال الجائزة الكبرى التي تُوزع على الصائمين القائمين في عيد الفطر، الذي يُعرف في الأرض بـ”يوم العيد”، وفي السماء بـ”يوم الجائزة”. فالعيد جزء مكمل في الخير والفضل والأجر والثواب لشهر رمضان، وهو هدية من الله سبحانه وتعالى على ما قدّم المسلم من عمل صالح في شهر الطاعة.

عيد الأضحى: يوم الحج الأكبر

أما ثاني أعياد المسلمين، فهو عيد الأضحى، الذي يأتي في اليوم العاشر من ذي الحجة، وهو اليوم الذي سماه الله تعالى “يوم الحج الأكبر”، حيث تفرح جموع الحجيج إلى بيت الله بأداء الركن الخامس من أركان الإسلام، ويفرح فيه المسلمون قاطبة بتمام نعمة الله عليهم وإكمال دينهم، حيث قال الله تعالى: ﴿اليوم يئس الذين كفروا من دينكم فلا تخشوهم واخشونِ ۚ اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينًا﴾(المائدة: 3).

شعائر العيد في الإسلام

من شعائر الإسلام في العيدين استحباب الغسل والتطيب ولبس أجمل الثياب، فقد روى الشافعي والبغوي عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جده، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يلبس برد حبرة في كل عيد.

وعن الحسن السبط، قال: (أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في العيدين أن نلبس أجود ما نجد، وأن نتطيب بأجود ما نجد، وأن نضحي بأثمن ما نجد) رواه الحاكم.

كما يُسن أكل تمرات وترًا قبل الخروج إلى صلاة العيد في عيد الفطر، وتأخير ذلك في عيد الأضحى حتى يرجع المسلم من المصلى ليأكل من أضحيته إن كان له أضحية. فعن بريدة -رضي الله عنه- قال: (كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يغدو يوم الفطر حتى يأكل، ولا يأكل يوم الأضحى حتى يرجع) رواه الترمذي.

وبذلك، يظل العيدان في الإسلام مناسبتين عظيمتين، تجمعان بين الفرح والطاعة، وتجسّدان فرحة المسلم بعبادته وتقربه إلى الله، فتكون الفرحة الحقيقية في العيد هي فرحة القلوب الطاهرة التي عاشت في طاعة الله، وفازت برضوانه ومغفرته.

صلاة العيد وشعائرها

بعد ذلك، يتوجه المسلمون إلى المصلى، مصطفّين بين يدي الله تبارك وتعالى لأداء صلاة العيد، ويُندب أن تُقام هذه الصلاة في المصلى الكبير بالصحراء أو خارج البلد، لكنها تصح في أي مسجد. وهي سنة عين مؤكدة على كل من تجب عليه صلاة الجمعة، وقد شُرعت في السنة الأولى من الهجرة.

وكان من هدي النبي صلى الله عليه وسلم أن تشهدها الصبيان والنساء، فقد رُوي عن أم عطية -رضي الله عنها- أنها قالت: (أمرنا أن نخرج العواتق “البنات” والحيض في العيدين، يشهدن الخير ودعوة المسلمين، ويعتزل الحيض المصلى) متفق عليه.

ومن شعائر العيد كذلك التكبير، امتثالًا لقول الله تعالى: ﴿وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾(البقرة: 185).

التهنئة بالعيد وصلة الرحم

من السنن المستحبة في العيد تبادل التهنئة، فقد ورد عن جبير بن نفير أنه قال: “كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا التقوا يوم العيد، يقولون لبعضهم: تقبل الله منا ومنكم”. فيتبادلون التهاني والتبريكات، وتُظهر هذه العادة المحبة والمودة بين المسلمين، ثم يسعون بعدها لزيارة الأرحام، إذ تعدّ صلة الرحم جزءًا لا يتجزأ من تعاليم الإسلام السمحة.

إحياء ليلة العيد بالعبادة والذكر

من السنن أيضًا إحياء ليلة العيد بالإكثار من العبادة، والذكر، والتسبيح، والتكبير، بلفظ: “الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر الله أكبر، ولله الحمد”.

وقد رُوي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من أحيا الليالي الأربع وجبت له الجنة: ليلة التروية، وليلة عرفة، وليلة النحر، وليلة الفطر).

الاحتفال المباح في العيد

اللعب المباح، واللهو البريء، والغناء الحسن العفيف، مما رُخِّص فيه في يوم العيد، إذ يعدّ ذلك رياضة للبدن، واستجابة لتطلعات القلوب والنفوس. فقد رُوي عن أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- فيما رواه الإمام أحمد والشيخان، أن الحبشة كانوا يلعبون عند رسول الله صلى الله عليه وسلم في يوم عيد، فاطلعت من فوق عاتقه، فطأطأ لي منكبيه، فجعلت أنظر إليهم حتى شبعت، ثم انصرفت.

وروي عنها أيضًا أن أبا بكر -رضي الله عنه- دخل عليها يوم عيد، وعندها جاريتان تغنيان بيوم بُعاث، فقال أبو بكر: “أمزمور الشيطان في بيت رسول الله؟” فقال صلى الله عليه وسلم: “يا أبا بكر، إن لكل قوم عيدًا، وإن اليوم عيدنا”.

وفي رواية أخرى، قال النبي صلى الله عليه وسلم: “لتعلم يهود المدينة أن في ديننا فسحة، إني بُعثت بحنيفية سمحة”.

وعند أحمد ومسلم، قال النبي صلى الله عليه وسلم: “أيام التشريق أيام أكل وشرب وذكر الله عز وجل”.

الفرح والبهجة في العيد

إن المفهوم الأسمى للعيد في الإسلام يتجلى في سعادة المسلمين وبهجتهم بهذه الأيام المباركة، وهو ما ينعكس على الأطفال أيضًا، فهم شركاء في هذه الفرحة، لأنهم اتبعوا أهلهم في الإيمان، والصيام، والعمل الصالح. وقد قال الله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ﴾\(الطور: 21).

لذا، ينبغي أن يُعمَر البيت المسلم بكل مظاهر البهجة والراحة والطمأنينة، وأن تسود المحبة والألفة بين المسلمين، وتتطهر القلوب من الضغائن والأحقاد. كما أن العيد ليس مجرد فرحة للفرد أو عائلته فحسب، بل يجب أن تمتد البهجة لتشمل المدينة المسلمة كلها، والوطن الإسلامي بأسره.

العطاء والتكافل في العيد

من أبرز مظاهر العيد في الإسلام انبساط الأيدي بالعطاء، حيث يبدأ المسلم بالعطف على أبنائه وأهل بيته وأقاربه، ويمد يد العون للفقراء والمحتاجين. فالعيد هو يوم البذل والإحسان، حيث يشعر الجار بحاجة جاره، ويذوق المسلم لذة السعادة عندما يدخل الفرح على أطفال غيره، كما يفرح بسعادة أبنائه.

وقد كان المجتمع الإسلامي، في أزهى عصوره، مثالاً يُحتذى به في الرحمة والعطاء، حتى أصبح أكثر المجتمعات إنسانية، وأسرعها لنصرة المظلوم، وإغاثة المحتاج.

قصة عن التكافل في العيد

يُروى أن الواقدي، وهو من كبار علماء القرن الثاني الهجري، قال: “كان لي صديقان، أحدهما هاشمي، وكنا كنفس واحدة. فنالتني ضائقة شديدة، وحضر العيد، فقالت لي امرأتي: أما نحن في أنفسنا فنصبر على البأس، وأما صبياننا، فقد قطعوا قلبي رحمةً لهم، لما عليهم من الثياب الرثة، فانظر كيف تعمل لكسوتهم؟

فكتبت إلى صديقي الهاشمي أسأله التوسعة علي، فبعث إليّ بكيس مختوم فيه ألف درهم. فما استقرّ المال في يدي، حتى جاءني صديق آخر يشكو ما شكوت إلى صديقي الهاشمي، فبعثت إليه الكيس كما هو، ولم أفتح ختمه. ثم أخبرت زوجتي بما فعلته، فاستحسنته، ولم تلمني عليه.

وبعد قليل، جاءني صديقي الهاشمي ومعه الكيس، وقال: “إنك حين طلبت مني المال، لم يكن لديّ إلا هذا الكيس، فأرسلت إلى صديقنا الثالث أطلب منه العون، فبعث إليّ بنفس الكيس الذي أرسلته لك”.

ثم تقاسمنا الألف درهم فيما بيننا، لكل واحد ثلاثمائة، وخصصنا للمرأة مائة درهم. وانتشر الخبر حتى بلغ الخليفة المأمون، فاستدعانا، فلما قصصنا عليه القصة، أمر لنا بسبعة آلاف دينار: لكل واحد منا ألفا دينار، وللمرأة ألف دينار”.

هذه القصة مثالٌ لما يجب أن يكون عليه المسلمون من التكافل والتراحم، خصوصًا في أيام العيد، حيث يكون الفرح الحقيقي في مشاركة الخير مع الآخرين.

خاتمة

بهذه المعاني السامية، يستقبل المسلمون العيد، فيعيشون السعادة والبهجة، ويُسعدون غيرهم بالعطاء والبذل، مستلهمين من روح الإسلام قيم الإخاء والمحبة. فلا يقتصر العيد على اللباس الجديد والمظاهر الخارجية، بل هو مناسبة روحية واجتماعية تُرسّخ قيم التضامن، وتغمر النفوس بالسكينة والفرح.

نسأل الله أن يجعل أعيادنا أيام رحمة ومغفرة، وأن يعيدها علينا وعلى الأمة الإسلامية بالخير واليمن والبركات.