هل تعلم أن محيطك اللوني قد يؤثر على عواطفك وحالتك الذهنية؟ وهل تعلم أن للألوان تأثيرًا كبيرًا على كيفية رؤية العقل للعالم المحيط به؟ أثبت علماء النفس التأثير السلبي والإيجابي للألوان على سلوك الشخص وشخصيته من الناحيتين النفسية والروحية. كما أثبتت العديد من الدراسات في المجال الطبي، أن الضوء المختلف الألوان يساعد على الشفاء والاسترخاء؛ فاللون يؤثر فينا من ميلادنا إلى مماتنا، وهو قادر على تغييرنا فسيولوجيًّا واجتماعيًّا ونفسيًّا كذلك.
تؤثر الألوان على الطبع والمزاج، فتُحدث أحاسيس ينتج عنها اهتزازات، بعضها يحمل سمات الراحة والاطمئنان، والآخر يحمل صفات الإرهاق والاضطراب. فاللون يسمو بالروح ويغذي الأعصاب ويريح الإحساس، وله تأثير واضح على حياتنا اليومية؛ فمنه ما يحفز الهمة ومنه ما يحبطها، ومنه ما يوحي بالدفء ومنه ما يوحي بالبرد.. وقد يحمل اللون الواحد تأثيرًا مختلفًا من شخص إلى آخر -كالأخضر مثلاً- فقد يوهم البعض بالقلق والاضطراب، ويوحي اللآخرين بالخضرة والطبيعة.
أوضحت الدراسات أن للألوان تأثيرًا كبيرًا على حياتنا؛ حيث إنها تؤثر بشكل كبير على نفسيتنا وطريقة تفكيرنا. وقد تم استخدامها في فَهْم الإنسان وطبيعته لتحديد ميوله وشخصيته. وتم استخدامها في علاج الإنسان؛ إذ يُنصح الأشخاص المكتئبون -مثلاً- بارتداء الألوان الفاتحة وتجنّب الألوان الغامقة، لما لها من تأثير كبير على تعديل المزاج. كما قام مهندسو الديكور بالاعتماد عليها في عملية تصميم المنازل، فهناك ألوان يفضّل استخدامها في غرف النوم كالأخضر، لأنه يرمز إلى التكاثر والخصوبة، والأحمر الذي يرمز للحيوية والحب، وهناك ألوان مناسبة للمدارس ومكاتب العمل كالأزرق، لأنها تشجع على التفكير والإبداع. أيضًا تم الاعتماد عليها في الإعلانات التلفزيونية لجذب انتباه المشاهدين؛ فمن الأمثلة على ذلك استخدام اللون البنفسجي من قِبَل المنتجين لترويج بضائعهم الجديدة، لأن اللون البنفسجي يدل على التغيير والغرابة والتميز.
وللتأكيد على أهمية الألوان وارتباطها في نفسية الشخص، ظهر علم جديد -وهو أحد الفروع الحديثة لعلم النفس- سمِّي “علم النفس اللوني”.. ومن أوائل الذين اهتموا بهذه الدلالات، شركات التسويق، حيث ربطت بينها وبين كيفية الترويج لمنتجاتها، ولفت انتباه المستهلكين إليها.
لكل لون دلالات معينة، ويتم استخدامه للدلالة عليه من قبل المستخدمين أنفسهم، سواء كانوا أفرادًا أم شركات ومؤسسات، حتى وإن تشابهت دلالات بعض الألوان، إلا أن هناك تفضيلات للون على آخر؛ فجنس الذكور -مثلاً- يفضلون اللون البرتقالي على اللون الأصفر، كما تفضل النساء اللون الأصفر على البرتقالي. وتختلف دلالات الألوان بين الحضارات والشعوب أيضًا؛ فمثلاً اللون الأحمر يرمز إلى الحياة الطويلة والسعادة عند الصينيين، ويرمز إلى الخطر والغضب والحياة عند اليابانيين، ويرمز إلى الشغف والحب عند المجتمعات الغربية، أما عند المجتمعات الشرقية فيرمز إلى الفرح وحسن الحظ.
لماذا نفضل لونًا بعينه؟
لكلٍّ منا لونه المفضل، يرافقنا من صغرنا إلى شيخوختنا، وفي الكثير من الأوقات نختار ملابسنا وديكور منزلنا من هذا اللون.. وتؤكد النظريات الأساسية في علم النفس، أن لكل لون من ألوان الطيف ذبذباته الخاصة، التي تتفاعل معها خلايا الجسم فتُصدر ترددات تختلف باختلاف الحالة النفسية للشخص، لذلك تساعد بعض الألوان على تغيير ترددات خلايا الجسم من خلال ذبذباتها؛ فعندما يكون الجسم في حالة من عدم التوازن، يلجأ إلى البحث عن اللون ذي التذبذب المساعد له للخروج من هذه الحالة، وبالتالي ينعكس اللون على العين ويؤثر في الجهاز العصبي، كما يمكن أن يساهم في العلاج من مرض معين أو التخفيف من حدة الألم.
كما أن اختيار لون محدد، يرجع إلى طبيعة الشخص والبيئة التي يعيش فيها، ناهيك عن أن شخصية الفرد تدفعه لتفضيل لون على آخر، فالأشخاص مرهفو الإحساس يميلون إلى الأزرق، ويختار المتفائلون في الحياة اللون الأصفر، ويفضل أصحاب الشخصيات الاجتماعية اللون البرتقالي، بينما يعبّر البنّي عن شخصية صلبة وقاسية، والأخضر عن شخصية متسامحة ومتفاهمة، ويميز الأسود أصحاب الشخصيات الغامضة والجادة، والأبيض يعبّر عن شخصية متسامحة وطيبة، والأحمر هو لأصحاب الشخصيات العاطفية.
كيف يتعامل دماغنا مع الألوان؟
استخدم علماء الأعصاب في كلية الطب بجامعة “هارفارد”، التصوير بالرنين المغناطيسي لتحديد منطقة استقبال الألوان في دماغ البشر، وخلصوا إلى أن هناك اختلافًا طفيفًا بينهما، حيث تعالج تلك المنطقة عند البشر الصور الملونة والأبيض والأسود، والأكثر من ذلك هو أن جميع المعلومات تذهب فورًا إلى مناطق الدماغ المسؤولة عن الحركة والأشكال والألوان، وتقوم بتحليلها بشكل لحظي. وقد حدد العلماء -منذ عقود- منطقة معالجة اللون في أدمغة القرود، واستنتجوا أن الدماغ البشري يعالج اللون بنفس الطريقة، وبالرغم من أن المصابين بعمى الألوان، لا يستطيعون التعرُّف على الألوان بشكلها الصحيح، إلا أن أدمغتهم لا تزال تملك القدرة على تمييز الألوان ومعالجتها بشكل صحيح، ويدل هذا الاكتشاف على أن للألوان أهمية أكبر بكثير مما كنا نعتقد.
وفقًا للعديد من الدراسات في مجال علم النفس، تأكدت العلاقة بين اللون والمزاج البشري، حيث يتم تحديد سلوك الإنسان من خلال تغير اللون الذي يفضله أو الذي يراه أمامه.
ففي عام 2002م، اكتشف الباحثون أنه عند استخدام الألوان في اختبارات تمييز العينات، فإنها تعطي نتيجة أفضل بنسبة 5% إلى 10% عند استخدام الأبيض والأسود فقط، كما أن هذه النسبة تزيد عند استخدام ألوان واقعية تعبّر بشكل صحيح عن هذه العينة، لأنه يرتبط في ذاكرتهم بلون الكائن، بينما لا يحدث ذلك عند استخدام ألوان عشوائية. ويدل ذلك على أن هناك مقاييس محدَّدة لكلِّ لون بذاكرتنا، فمثلاً عند التفكير في اللون الأخضر سيتكون في ذهننا تلقائيًّا الغابات والأشجار، وعند التفكير في الظل سنتذكر المخاطر.. كما اكتشف مجموعة أخرى من العلماء أنه عند النظر إلى صور الأشياء المعروفة، فإن ذهننا يقوم بملئها باللون المتوقع رغم عدم وجوده، على سبيل المثال: إذا كانت هناك صورة لموزة سوداء أو بيضاء، فإننا سنتذكر تلقائيًّا شكلها وهي صفراء.
خلاصة القول
تلعبُ الألوان دورًا رئيسيًّا في تهيئة الحالة المزاجية والذهنية، كما أن لها تأثيرًا قويًّا على مشاعر الفرد وعواطفه، وهي علاج مكمل للعلاج الطبي، يتم عن طريق تعريض جسم الإنسان لذبذبات لونية -بحسب مرضه- تساعده على الشفاء بحسب صحيفة “تايمز أوف إنديا”.
الألوان عالمٌ من السحر والجمال، فيبدو العالم باهتًا دون ألوان، لأن الألوان تعني الحياة. وقد أثبتت الدراسات النفسية المتعلقة بالألوان، أن للألوان تأثيرًا مباشرًا على نفسية الإنسان ومزاجه العام، فكل لون يترك أثرًا معينًا في المزاج، وهذا الشيء ليس مجرد تخمينات وتوقعات، وإنما كلام مبني على أسس علمية، حيث إن لبعض الألوان أثرًا إيجابيًّا، ولكل شخص لونه المفضَّل، فالبعض -مثلاً- يرتاح لارتداء لون معين دون غيره، ويفضل لون طلاء الجدران بلونٍ معين دون الآخر.. كما أن الألوان تحمل العديد من الدلالات والرموز التي لا يمكن تجاوزها؛ فالأسود لون الحداد والحزن، والأبيض رمز النقاء، والأحمر رمز الحب ..إلخ.
الألوان عالم جميل، وإذا أحسنَّا فهم اختيار الألوان حققنا جزءًا كبيرًا من راحتنا النفسية. كما أنها قد تكون إحدى وسائل العلاج الجديدة التي يمكن استخدامها في تخفيف حدة بعض الأعراض النفسية، مثل القلق والتوتر.. فقط أغمض عينيك، وادخل عالم الألوان، وعش مع كل لون على حدة.
(*) استشاري في طب وجراحة العيون / مصر.
المراجع
(1) أثر الألوان على العقل والجسم، د. توفيق حجازي.
(٢) العلاج بالألوان صيحة جديدة في عالم الطب، د. محمد السقا عيد.
(٣) لوِّن حياتك بالألوان المناسبة، د. طارق الرجيب، موقع البلاغ.