هل سألنا أنفسنا يومًا لماذا نرى الطفل المتشرد في الشارع بلا مأوى ولا معين؟ وهل ساهمنا يومًا في مسح دموع طفل هو نتاج إهمال مجتمع بأسره؟ ولماذا تضيع براءة الطفولة في خضم هذه الحياة القاسية والعنيدة؟ لكل هذا وغيره، نسلط الضوء على ظاهرة تشرد الأطفال، وأقول: إن تشرد الأطفال هو جرح عميق في جسد مجتمعاتنا، يوضح مدى التقصير المجتمعي في تقديم الرعاية والحماية لهذه الفئات الضعيفة المقهورة.
مفهوم ظاهرة تشرد الأطفال
بدايةً، تُعد ظاهرة أطفال الشوارع من الظواهر المنتشرة بوضوح في معظم المجتمعات حول العالم. فقد صرحت الأمم المتحدة أن أكثر من 150 مليون طفل في مختلف أنحاء العالم يُصنَّفون ضمن أطفال الشوارع، حيث يُجبر العديد منهم على كسب قوتهم بطرق مهينة. إن تشرد الأطفال هو ظاهرة اجتماعية تتمثل في وجود أطفال يعيشون في الشوارع أو خارج نطاق الرعاية الأسرية والمجتمعية، وهؤلاء الأطفال يفتقدون المأوى الآمن والرعاية الصحية والتعليم والتوجيه الأسري.
ويُعتبر هؤلاء الأطفال في حالة تعرض مستمر للمخاطر الجسدية والنفسية والاجتماعية. وتُعد ظاهرة أطفال الشوارع من الظواهر المؤلمة التي تعكس مدى الظلم الذي يُمارَس ضد هذه الفئة، فهم يُمارسون حياتهم اليومية من أكل وشرب ونوم في الشوارع أو الحدائق العامة أو الأبنية المهجورة.
وقد أقرت الأمم المتحدة اتفاقية حقوق الطفل عام 1989م، ووقّعت عليها 193 دولة حول العالم، حيث نصت المادة (1) من الاتفاقية على تعريف الطفل: “لأغراض هذه الاتفاقية، يعني الطفل كل إنسان لم يتجاوز الثامنة عشرة، ما لم يبلغ سن الرشد قبل ذلك بموجب القانون المُنطبق عليه”. وتسعى معظم الدول إلى حماية حقوق الطفل عبر تشريعات وقوانين تهدف إلى منع تشرد الأطفال. تجدر الإشارة إلى أن اتفاقية حقوق الطفل تُلزم الدول الموقعة عليها بتوفير الرعاية والحماية للأطفال وضمان حقوقهم في التعليم والصحة والعيش الكريم.
مخاطر وأسباب انتشار ظاهرة تشرد الأطفال
يتعرض الأطفال المشردون لمخاطر صحية عديدة، مثل سوء التغذية، والأمراض المعدية، والإصابات. كما يُحرمون من التعليم أو يعانون الانقطاع الدراسي، ويصبحون عرضة للتسول القسري والاتجار بالبشر. وغالبًا ما ينخرط الأطفال المشردون في سلوكيات إجرامية، مثل السرقة والعنف، نتيجة للبيئة التي يعيشون فيها والحاجة الماسة للبقاء على قيد الحياة.
وترجع ظاهرة تشرد الأطفال إلى عدة أسباب، منها:
– الفقر المدقع: الذي يدفع بعض الأسر إلى ترك أطفالها في الشوارع لعدم قدرتها على توفير احتياجاتهم الأساسية.
– النزاعات الأسرية: مثل العنف الأسري والتفكك أو وفاة الوالدين، مما يؤدي إلى ترك الأطفال بلا مأوى.
– سوء معاملة الأطفال: من قبل الأهل، وهو من الأسباب الشائعة لتشرد الأطفال.
– النزاعات المسلحة والكوارث الطبيعية والهجرة غير الشرعية: التي تؤدي إلى تهجير الأسر وتشرد الأطفال.
استراتيجيات معالجة ظاهرة تشرد الأطفال
لمعالجة ظاهرة تشرد الأطفال، ينبغي تبني مجموعة من الاستراتيجيات، مثل:
– تعزيز الدعم الاجتماعي: تقديم المساعدات المالية والدعم النفسي للأسر الفقيرة لمنعها من دفع أطفالها إلى التشرد.
– بناء مراكز إيواء: توفير مأوى آمن للأطفال المشردين، وتقديم الرعاية الصحية والنفسية لهم.
– تحسين التعليم والتدريب: توفير فرص تعليمية وتدريبية للأطفال المشردين لتمكينهم من بناء مستقبل أفضل.
– تطبيق القوانين: حماية الأطفال من التشرد وتجريم استغلالهم.
– رفع الوعي المجتمعي: حول مخاطر تشرد الأطفال وأهمية دور المجتمع في حمايتهم.
وقد نجحت دول عديدة في معالجة هذه الظاهرة عبر سياسات شاملة وبرامج فعالة، مثل:
– فنلندا: حيث توفر الحكومة وحدات سكنية للمشردين مع خدمات الدعم الاجتماعي.
– البرازيل: تقدم مساعدات مالية للأسر الفقيرة، بشرط أن يذهب الأطفال إلى المدارس ويتلقوا الرعاية الصحية، مما ساهم في القضاء على التشرد بشكل كبير وزيادة معدلات التعليم.
موقف الإسلام من ظاهرة تشرد الأطفال
يرفض الإسلام ظاهرة تشرد الأطفال، ويعتبرها مخالفة كبيرة تنتهك حقوقهم. يدعو الإسلام إلى رعاية الأطفال وحمايتهم من التشرد والضياع. فقد أمر بحماية اليتيم والضعيف، كما قال الله تعالى: “فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ”(الضحى: 9).
الأسرة في الإسلام هي البيئة الأولى لحماية الطفل وتربيته تربية صالحة، وللطفل الحق في الرعاية والتعليم والحماية. قال الله تعالى: “وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ ۖ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ”(الإسراء: 31). وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “كفى بالمرء إثمًا أن يضيع من يقوت” (رواه أبو داود).
وهذا يؤكد على ضرورة رعاية الأطفال وعدم التخلي عنهم خوفاً من الفقر كما ويُظهر هذا الحديث أهمية رعاية الأطفال وتوفير احتياجاتهم الأساسية والأمر بالإنفاق على من تلزم رعايته.
الخاتمة
إن القضاء على ظاهرة تشرد الأطفال مسؤولية مشتركة بين الدول والمجتمعات، تتطلب جهودًا متكاملة ومستدامة. على الدول وضع سياسات فعالة لحماية حقوق الأطفال، وتوفير التعليم الإلزامي والرعاية الصحية والسكن اللائق لهم، وتعزيز التشريعات التي تُجرّم استغلال الأطفال. كما يجب على المجتمعات والمنظمات الإنسانية والجمعيات الخيرية نشر الوعي بأهمية حماية الأطفال وضمان حقوقهم.
إن تضافر هذه الجهود يضمن مستقبلاً أكثر إشراقًا وأمانًا للأطفال، ويكفل حقهم في حياة كريمة ومستقرة.