أعاجيب عملية الهضم (2)

قطوف كونية

بعد هضم نوعي للطعام في المعدة يغادرها للأمعاء الدقيقة بتقدير مُنظم، ومتتابع: الكربوهيدرات، ثم البروتينات، ثم الدهون. حيث تحتاج الأولى لتفتيت إضافي بعد هضمها الجزئي في الفم والمعدة. فتغادر أولاً ليستكمل هضمها في الأمعاء. كما يتم هضم كبير وكثيف للبروتينات في المعدة؛ فترحل بعض الكربوهيدرات، ليستكمل هضم بقاياها.

ويوجد توافق مُدهش بين الإنزيمات، والبروتينات، فثمة إنزيم للعدس، وآخر للفول، وثالث للحوم، ورابع للبن، حسب الأحماض الأمينية في كل بروتين نباتي أو حيواني. أما الدهون فيلزمها كثير من عمليات الهضم؛ وتستغرق وقتًا أطول، خصوصًا في الأمعاء الدقيقة، لذا يتراخي انتقالها ريثما يتم هضم أقرانها، ثم يأتي دورها.

وأيّ خلل في مرحلة هضمية يعرقل غيره من المراحل. فهو نظام مترابط ترابطًا وثيقًا، لذا فالأكل بين الوجبات الرئيسية يزيد المدة اللازمة لإفراغ المعدة، فيربك القولون؛ لتغيّر توقيت طرح الفضلات؛ مما يسبب الإمساك، وغيره من المشاكل وفق الإخلال (الاختياري) الحادث.

غرباء عما يحدث بالأمعاء

مع تقدم الهضم بالمعدة.. تنفتح فتحة البواب فيها، فينتقل “الكيموس” إلى أول أجزاء الأمعاء الدقيقة، وهو “الأثني عشر” (لكون طوله نحو 12 بوصة). وعند دخوله المعي (بدهونه) يتم إفراز هرمون انتيروجسترون فيوقف إفراز عصارتها. وتخضع المواد القادمة من المعدة لثلاث عصارات هضمية: العصارة البنكرياسية، والصفراء والأنزيمات المعوية.

ويتم استكمال التحلل الكيميائي (للبروتينات، والدهنيات، وباقي السكريات). فالبنكرياس (من ملحقات أعضاء الهضم) معمل صغير للعصارة البنكرياسية المحتوية خميرة “التريبسين” لتكسير بروتينات الطعام. ويتم صب العصارة في الإثني عشر، بناء على تنبيه خلاياه بإفرازها هرمون “السكريتين”.

وتعمل العصارة البنكرياسية القلوية بها مادة البيكربونات لتعادل حموضة ما يخرج من المعدة، فلا يصلح الهضم في الأمعاء إلا في مناخ ووسط قلوي. كما أن البنكرياس غدة صماء (باطنية الإفراز)، وإفرازية معًا؛ ويفرز الجزء الأصم منه “الأنسولين” إلى أن يعمل على خفض مستوي سكر الدم المرتفع. فيقوم بنقل الجلوكوز من الدم للعضلات أو أنسجة أخرى لاستخدامه كطاقة. وعند انخفاضه.. يُطلق “الجلوكاجون” لإعادة توازن مستوى سكر الدم. 

وتستقبل الحويصلة المرارية سائل الصفراء Bill من الكبد، وتضخه في الإثني عشر، استجابة لهرمون “كولسيتوكينين”. وتعمل الصفراء بقلويتها، أيضًا، على معادلة الحموضة، وإذابة الدهون بالأمعاء.

أما الكبد فمن أهم أعضاء الجسم، ومن ملحقات الهضم ذو الدور الهام في عملية الأيض (التمثيل الغذائي)؛ فيقوم بتنظيم والحفاظ على مستوى الكوليسترول “منخفض الكثافة، وعاليها”، ونسبة الجلوكوز بالدم، وما يزيد عن الحاجة من الأخير يخزنه كنشا حيواني Glycogen ليحوله لسكر عند الحاجة، كما يمكنه تخزين البروتينات والدهون وتحويلها إلى سكر. وله أهميته في تخزين الفيتامينات التي تذوب في الدهون (Vitamins A, D, E and K) والفولات، وفيتامين ب12 والأملاح المعدنية والنحاس والحديد.

كما يستخلص مادة البيليروبين من الدم، ويوصلها إلى الحويصلة المرارية. والكبد “مصفاة” هامة، ومرشح قدير للتخلص من نفايات وسموم عمليات الأيض المختلفة مثل الأمونيا “النشادر”، فيحولها لبولينا Urea ومن ثم تفرز بالكلى مع البول، وفي حالة اعتلال الكبد تتراكم الأمونيا بالدم. 

ولا إراديًّا.. يستمر المزج، والهضم، وضخ الخمائر من غدد جدار المعي الدقيقة. ثم عملية الامتصاص (الماء، والأملاح، والفيتامينات) عبر خمائلها  Intestinal Villi، وإرسالها لمجرى الدم. وكذلك امتصاص وحدات البناء (مواد القيت)، وتكوين المعي، كأنبوبٍ عضلي طويل به ثنيات داخلية، يُسهم في زيادة سطح الإمتصاص.

وتصل محتويات القناة الهضمية إلى الأمعاء الغليظة بعد نحو 5- 6 ساعات من مغادرتها المعدة، فتمتص الأمعاء الغليظة ما تبقى من ماء وأملاح معدنية في صورتها الأيونية. ويتم تحلل قسم من المواد الغذائية بالبكتيريا النافعة التي تستوطن هذه الأمعاء.

بينما يبدأ تجميع الفضلات، وتكديسها في المستقيم، ومن ثم إخراجها (بتنبيهات عصبية) عبر فتحة الشرج. وتعمل شبكة الأوعية الدموية الكثيفة والمنتشرة في نتوءات الأمعاء على سرعة وكفاءة نقل الغذاء إلى خلايا الجسم، بينما يتكفل الوريد البابي بنقل منتجات الهضم من المعي إلى الكبد. في حين يحمل الوريد الكبدي الدم والمواد الغذائية إلى الدورة الدموية العامة. ومن نواتج الهضم (السكريات البسيطة كالجلوكوز، والأحماض الأمينية، والدهنية والفيتامينا، والأملاح، والماء… إلخ)، وتنمو العضلات والأجسام، وبناء وإصلاح الخلايا، وتدب فيها الحيوية والنشاط، وتتوافر الصحة وعافية الأبدان، وتمارس المهام، وجليل الأعمال.