الذهب الأحمر: الزعفران

عندما نسمع بحقول الزعفران، يأخذنا الشوق لرؤيتها والسير بينها، لنستمتع بلون أزاهيرها البنفسجية الرقيقة ونستنشق عبيرها المميز، مما يجعلنا -ولو بجولة من الخيال- نكتسب طاقة إيجابية نبدد من خلالها ما علق بنا من سواد إثر ظروف عامة طالت الجميع.

لزهرة الزعفران رقة نادرة بلونها البنفسجي الأخاذ، وهي تتمايل بين وريقاتها الخضراء الطرية متفردة بجمالها، حيث تكون ضمن حقول منتظمة محافظة على قربها من التربة. وإذا أزهرت النبتة فلا ترى إلا شالاً بنفسجيًّا ملقىً على الأرض، مطرَّزًا بإبداع الخالق معطرًا بمسكه الفريد.

إطلالة عابرة

قامة نبتة زهرة الزعفران لا تعلو عن الأرض إلا ما يقارب عشرة أو خمسة عشرة سنتمترًا، وهذا ما يسهِّل عملية قطافها الممتعة. تشبه في تواضعها رسائل المحبين على الورق القديم المعطر، على قطع المناديل المطرزة بالأشكال المختلفة الألوان، تمنح الناظرين بهجة قلَّ نظيرها، فيحق أن يطلق عليها اسم زهرة “العبير”.

لقد أطلقت إيران لقب “الذهب الأحمر” على تجارة الزعفران، لاعتباره من أغلى أنواع التوابل على الإطلاق. كذلك يُعرف الزعفران بأسماء شتى؛ منها الريهقان أو الرهقان وكروكو والزعفران السوسني.. حتى بعد أن تُقطف الزهرات تبقى محافظة على جمالها، وبعد التجفيف أيضًا، تكون على شكل أعواد حمراء ناعمة ذهبية نارية رائعة

الزعفران والتاريخ

هناك من يقول إن الزعفران كان حكرًا على الطبقة الحاكمة والأثرياء، كما استخدمه الأطباء قديمًا في علاج بعض الأمراض. وقد نسب إلى ملكة مصر “كليوبترا”، وكذلك ملوك مصر، حيث كانوا يستخدمون ماء الزعفران بمثابة المواد المطهرة للمعابد. كما كان الناس في “روما” ينثرون أزاهير الزعفران في الشوارع عند مرور الملك “نيرون”. 

تقول الأساطير إن “كروكوس” كان راعيًا شابًّا يتمتع بروح نبيلة، وقد وقع في حب حورية اسمها “سميكلاكس”. تأثرت الآلهة بعمق حبه وهيامه، فحوّلته إلى زهرة أبدية لا تموت هي زهرة الزعفران، حيث تعلقت بها “سميكلاكس” حتى الموت.

أما الزعفران في الحلم، فثناء حسن ومال وذكر طيب، وهو كذلك إذا لم يمسَّ الجسد. ومن رأى أنه طحن الزعفران فإنه سيرى عملاً جيدًا جميلاً يدهش منه ويثير إعجاب الناس من حوله..

الزعفران من الناحية الطبية

الزعفران ليس أزاهير للعرض، بل هو مادة جد نافعة، وقلَّ نظيره لما يحمل من حساسية في كل مراحل الحصول عليه. فهو يعطي انسجامًا نفسيًّا ويمنع اعتلال المزاج والكآبة، ويبعد المرء عن الوساوس ويمنحه الراحة.

يقول ابن سينا في كتابه “القانون في الطب” عن الزعفران: “إن زهره يشبه زهرة الياسمين، منه أصفر ومنه ما يميل إلى البياض، جيده الطري الحسن اللون الزكي الرائحة”. وقد أوصى به لتقوية الكبد والمعدة، وأكد على تناوله لرفع العطش.

يتحصل من زهرة الزعفران على صباغ أصفر زاهي اللون يضيف نكهة طيبة للطعام، يُنتَج عن طريق تجفيف المياسم وجزء من الأقلام في زهرة نبات زعفران الخريف البنفسجي، الذي يعرف علميًّا باسم الزعفران السوسني.

تعتبر أعضاء التلقيح، الجزء الفعال من النبات، والمقصود بها المياسم والأسدية، تنزع من الأزاهير المتفتحة. وهذه ميزة لا يوجد شبيه لها في قطاف محاصيل الأزهار الأخرى.. تجفف “الأسدية” في الظل بعد أن توضع على شبكة مناسبة.

يتمتع مركَّب “الكروسين” الذي تحتويه الزهرة، بإمكانيات علاجية عالية؛ فهو يحمي الخلايا العصبية من التلف، كما أنه مضاد للاكتئاب ولأكسدة الخلايا. يحتوي على بعض المسكنات، وله دور هام في تلوين الطعام، وهذا ما يدعو إلى القيام بحصاده يدويًّا وبشكل دقيق. كذلك يستوجب استخدام التكنولوجيا الحديثة لإنتاج تلك المادة، ويتم ذلك بالموجات فوق الصوتية، وهي طريقة فعالة لاستخراج المواد الموجودة داخل الخلايا، والمكونات الوظيفية النشطة بيولوجيًّا. يعمل الزعفران على معالجة الأرق وصعوبة النوم خلال الليل، كما يمنع تساقط الشعر ويُعزّز نموَّه بسرعة.

أما بالنسبة لفوائده للعين فهي كثيرة جدًّا؛ فهو يقوِّي البصر ويزيل غشاوة العينين، ويحمي الشبكية من حساسية الضوء، وخاصة عند الأشخاص الذين يعانون من الضمور البقعي في العين، ويقلل من خطر الإجهاد التأكسدي للعين.

يتمتع بشكل خاص بمقاومة الأمراض الخبيثة، كما يحسن من عملية الهضم، وينظم ضغط الدم، ويخفف غثيان الصباح، وكذلك يحسن من ساعات النوم.

طرق استخدام الزعفران

يمكن أن يستخدم الزعفران مع الحليب أو الشاي أو الماء، وذلك بوضع بعض عيدانه الجافة في كوب ماء ساخن أو غيره، ثم يُشرب. يمكن استخدام العسل مع الزعفران بمزج 20 غرام من الزعفران المسحوق، يضاف إليه ملعقة كبيرة من العسل، ويمكن تناول هذا المزيج يوميًّا لتقوية العين بشكل خاص.

الآثار الجانبية للزعفران

قد يسبب تناوله بعض الآثار الجانبية، نتيجة استخدامه لفترة طويلة أكثر من ستة أشهر؛ فقد يقلل من الشهية، ويسبب جفاف الفم.. وإذا أكثرتْ منه المرأة الحامل فربما يؤدي ذلك إلى الإجهاض. وقد يؤثر على قوة ضربات القلب، فلا ينصح به مرضى القلب. كذلك قد يسبب التعرق، والصداع والدوخة وسوء المزاج والنعاس. ما يدهش في الزعفران ليس شكله فحسب، بل كونه عشبة تشبه في مذاقها طعم العسل، ولكنها تحمل قليلاً من الطعم المر، وذات رائحة جميلة جدًّا.

أماكن زراعة الزعفران في العالم

يتم زراعته في الكثير من بلدان العالم، وتشتهر بذلك إيران، وإسبانيا، واليونان، والمغرب، والهند، وأفغانستان، والصين، وحاليًّا تقوم العديد من الدول بإنتاجه، منها سورية، ومصر.

تعتبر تجارة الزعفران من أهم الأنواع التجارية المربحة، فهو من أغلى أنواع التوابل وأكثرها قيمة في العالم، وخاصة استخدامه في صناعة الأدوية وغيرها.

تعتبر إيران البلد المصدر الأول للزعفران في العالم، ثم تليها إسبانيا وأفغانستان، وفي المرتبة الرابعة الهند تليها اليونان، وفي المرتبة السادسة إيطاليا، والمركز السابع تتصدره المغرب ثم الصين.

لكن للزعفران في “كشمير” حكاية أخرى، فهو من أجود وأنقى وأندر الزعفران في العالم، يتميز بأسديته الداكنة اللامعة، وله رائحة طيبة مميزة جدًّا ونكهة فريدة، وهو مرتبط بثقافة وتاريخ كشمير.

استخداماته المتنوعة

من ألوانه، البنفسجي، والأصفر المضيء الذي يميل إلى اللون البرتقالي. يستخدم لتلوين المأكولات، وأغلب استخداماته في المخبوزات، والجبنة، وصنع الأدوية العشبية المصنعة عن طريق اليد.

أما المغاربة فيستخدمونه في أطباقهم الكثيرة والمشهورة، التي تندرج تحت اسم “الطاجين”. وفي المطبخ الهندي يستخدم الزعفران في أطباق الحلويات التي تعتمد على الحليب، كما يستخدم الزعفران أيضًا في صناعة المشروبات الكحولية. وأجمل استخداماته، في كتابة الآيات القرآنية بمداد من الزعفران وماء الورد.

على الرغم من تكلفته العالية، يستخدم الزعفران في صبغ النسيج، ولا سيما في الصين والهند، ولكنه ذو لون غير مستقر وحيوية البرتقالي والأصفر تتلاشى بسرعة إلى اللون الأصفر الشاحب.

منذ القدم كانت الملابس من أردية وعباءات المصبوغة بالزعفران حكرًا على الطبقات النبيلة فقط، وقد كان يرتديها الرهبان الهندوس والبوذيون في القرون الوسطى في كل من إيرلندا وإسكلندا. وهناك محاولات عديدة لاستبدال الزعفران المكلف والغالي، مع أرخص مادة معتادة ومعروفة في الغذاء، ألا وهي الكركم.

وقد نظم أول مهرجان لموسم الزعفران الحر في مدينة “تاليوين” في المغرب في نوفبر 2007م، هذا مما يدل على الانتباه إلى أهمية هذه النبتة الفريدة من نوعها.

والجميل أن لون الزعفران قد دخل في استخدام اللوحات الفنية التشكيلية ممتزجًا مع لون القهوة، مما يضفي على اللوحات جمالاً مميَّزًا. 

(*) كاتبة وصحفية سورية.