اهتمت الشريعة الإسلامية بتكوين الإنسان من كافة الجوانب الروحية والأخلاقية والاجتماعية والجنسية، لأن الإنسان مخلوق فيه جسد يتطلب مراعاة رغباته وميوله وغرائزه، وروح تتسامى إلى الأعلى، وعقل يقدّر الأشياء حق قدرها؛ لذلك شرع الإسلام الزواج تلبية لدوافع الإنسان الفطرية، وحرم الرهبانية المتمثلة بالعزوف عن الزواج.
مفهوم التربية الجنسية
هي مجموعة القيم والمبادئ والأسس التي تهتم بتعليم الأفراد الطرق والأساليب والوسائل الوقائية للحماية من المشاكل الجنسية، والعمل على فهم التطورات والتغيرات الجسدية التي يمر بها الإنسان خلال مراحل حياته المختلفة بأسلوب علمي مدروس، وتربية دينية واجتماعية صحيحة.
أسس التربية الجنسية في الإسلام
1- مراعاة العمر الزمني في عملية التثقيف الجنسي
المعلومات الجنسية ليست حبة “سيتامول” تعطى مرة أو دفعة واحدة، وإنما هي جملة مفاهيم وتصورات يوجه إليها الأولاد في مناخ حواري هادئ هادف مفعم بالصدق والعلمية، وبما يتناسب مع العمر الزمني للولد، ولعل التقصير والهروب في الإجابة عن أسئلة الأولاد يؤدي مع مرور الزمن إلى شعور الأولاد أن الأسئلة الجنسية شيء مخيف، فيتحول الولد إلى مفتش (Colombo) عن هذه الأمور في شبكة الإنترنت والمجلات الجنسية، والأفلام الإباحية وغير ذلك كثير. ويمكن حصر عملية التثقيف الجنسي للأولاد من خلال الأعمار الزمنية الآتية:
أ- فيما دون سن السابعة
نعلم أولادنا في هذه المرحلة آداب الدخول إلى الخلاء والخروج منه، وآداب الاستئذان وقرع الجرس، وآداب التستر الجسدي، ونجيب عن أسئلتهم بطريقة مهذبة تتناسب مع عمرهم، فعندما يشير الولد إلى ثدي أمه متسائلاً ما هذا؟ يجاب: هذا شيء خلقه الله لإرضاع الأبناء الحليب، فقد أرضعتك منه حتى أصبحت طفلاً جميلاً، وسأرضع منه إخوتك مستقبلاً إن شاء الله تعالى. وعندما يسأل الولد عن جهازه الذكري مستغربًا نجيبه: بأنه قطعة منك خلقها الله؛ لقضاء حاجتك وتخليص جسمك من الفضلات وهكذا.
ولا بد من الإشارة هنا إلى أهمية تربية الأولاد على مبدأ الحرام والخوف من الله لا على مبدأ العيب، لأن مبدأ الحرام تشريع سماوي لا يقبل التغيير أو التبديل. أمّا مبدأ العيب فهو متغير متبدل بحسب العرف والعادة ومرور الزمن، فما هو عيب عندنا لا يعد عيبًا عند غيرنا.
ب- في سن التمييز (7-13)
نبدأ في هذه المرحلة بالتفريق بين الأولاد في المضاجع، وتطبيق مبدأ منع الاحتكاك الجسدي؛ تنفيذًا لقوله صلى الله عليه والسلام: (وفرقوا بينهم في المضاجع)(1).
ونعلم أولادنا آداب غض البصر مع التركيز على آداب الاستئذان والأحكام المتعلقة بالطهارة الحسية والمعنوية، وآداب لمس الجسد وحدود ذلك.
جـ- في سن البلوغ (13-18)
وقد تكون قبل الثالثة عشرة خصوصًا عند البنات وحسب الظروف المناخية كما هو معروف، نبدأ هذه المرحلة بالإشارة إلى الدافع الجنسي لدى الإنسان، ونطرح مفهوم الثقافة الجنسية العلمية المركزة من خلال شرح وظائف الجسم والتغيرات والتقلبات الجسمية المصاحبة لمرحلة البلوغ، مع الانتباه إلى أن المراهق في هذه الفترة يحب أن يكون بارزًا مهمًّا يتمتع بمكانة في مجتمعه، ولا يحب أن يعامل كطفل صغير، وهنا يأتي دور الأب والأم المربيين، فيعلم الأب ولده أنه إذا نزل منه “منيٌّ” أصبح بالغًا مكلفًا شرعًا يجب عليه مسؤوليات وتكاليف شرعية، وتصارح الأم ابنتها إذا بلغت التاسعة بأنها إذا رأت الماء الرقيق الأصفر أصبحت مكلفة شرعًا.
ولعل من أهم أسباب ممارسة العادة السرية واللجوء إلى الجنسية المثلية هو غياب الثقافة الجنسية عن الأولاد في هذه المرحلة بالذات، حيث يحتاجون فيها لمعلومات علمية صحيحة وتربية قويمة سليمة.
2- تنمية الشعور بالمراقبة الإلهية
ويتم ذلك من خلال المواظبة على تلاوة القرآن الكريم وحضور مجالس العلماء والصالحين، وتذكر مواقف البعث والحساب في كل لحظة وحين، وعرض نماذج إنسانية آثرت الطاعة على المعصية وابتعدت عن الرذيلة والفاحشة؛ لأنها تخاف الله وتشعر بمراقبته لها، فهذا يوسف الصديق عليه السلام شاب فائق الجمال دعته امرأة العزيز في خلوة إلى الفاحشة ولا أحد يراهما، فما كان جوابه إلا أن قال لها: {مَعَاذَ اللّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ}(يوسف:23).
وهذه المرأة المؤمنة التي غاب عنها زوجها في أيام الخليفة عمر رضي الله عنه، فتأججت نار الغريزة الجنسية في نفسها، وشعرت بالوحدة والشوق لزوجها، فسمعها الخليفة تقول:
ألا طال هذا الليل وأسود جانبه | وأرقني إذ لا خليل ألاعبه |
فوالله لولا الله تخشى عواقبه | لزعزع من هذا السرير جوانبه |
مخافة ربي والحياء يكفني | وأكرم زوجي أن تنال مراكبه |
فلما كان الغد استدعى الخليفة عمر رضي الله عنه تلك المرأة، فقال لها:أين زوجك، فقالت: بعثت به إلى العراق واستدعى نساء وسألهن عن المرأة كم مقدار ما تصبر المرأة عن زوجها؟، فقلن:شهرين ويقل صبرها في ثلاثة ويفقد صبرها في أربعة، فجعل الخليفة عمر رضي الله عنه مدة غزو الرجل أربعة أشهر، فإذا مضت أربعة أشهر استرد الغازين، ووجه بقوم آخرين(2).
3- العمل على تهيئة الأولاد لمرحلة الزواج والاستقرار والإشباع العاطفي بين الزوجين
رفض الإسلام الرهبانية وأمر الناس بالزواج بغية الحفاظ على النوع الإنساني، وإشباع الرغبة الجنسية والحاجة الاجتماعية، وأكد على قدسية الروابط الأسرية، فقال سبحانه: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}(الروم:21).
فينبغي توجيه الأولاد الذكور إلى أهمية اختيار الزوجة الصالحة؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (تنكح المرأة لأربع: لمالها، ولحسبها، ولجمالها، ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك)(3).
ويجب توجيه الفتيات إلى أهمية اختيار الزوج الصالح؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه؛ فأنكحوه إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد)(4).
ويجب على الأم توجيه ابنتها قبيل الزواج إلى آداب المعاشرة والطاعة، ولعل في وصية أمامة بنت الحارث لابنتها كل الخير فقد قالت: أي بنية، إنك فارقت الحواء الذي منه خرجت، وخلفت العش الذي فيه درجت إلى وكر لم تعرفيه، وقرين لم تألفيه، فأصبح بملكه إياك رقيبًا ومليكًا، فكوني له أمة يكن لك عبدًا وشيكًا. أي بنية، احفظي له عشر خصال يكن لك ذخرًا وذكرًا. فأما الأولى والثانية: الصحبة له بالقناعة، والمعاشرة بحسن السمع والطاعة. وأما الثالثة والرابعة: التعهد لموقع عينيه، والتفقد لموضع أنفه، فلا تقع عيناه منك على قبيح، ولا يشم منك إلا أطيب الريح. وأما الخامسة والسادسة: فالتفقد لوقت طعامه، والهدوء عند منامه. فإن حرارة الجوع ملهبة، وتنغيص النوم مغضبة. أما السابعة والثامنة: فالاحتفاظ بماله، والإرعاء على حشمه وعياله، لأن الاحتفاظ بالمال من حسن الخلال، ومراعاة الحشم والعيال من الإعظام والإجلال. أما التاسعة والعاشرة: فلا تفشي له سرًّا، ولا تعصي له أمرًا، فإنك إن أفشيت سره لم تأمني غدره، وإن عصيت أمره أوغرت صدره. ثم اتقي- مع ذلك- الفرح بين يديه إذا كان ترحًا، والاكتئاب عنده إن كان فرحًا، فإن الخصلة الأولى من التقصير، والثانية من التذكير. وكوني أشد ما تكونين له إعظامًا يكن أشد ما يكون لك إكرامًا. وكوني أكثر ما تكونين له موافقة، يكن أطول ما يكون لك مرافقة. واعلمي أنك لا تصلين إلى ما تحبين حتى تؤثري رضاه على رضاك، وهواه على هواك فيما أحببت وكرهت(5).
توصيات يجب اتبعاها
1- لا أحد يستطيع إنكار الميول الجنسية في حياتنا، والإسلام يعترف بالشهوات والغرائز، حيث يقول سبحانه: {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاء وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللّهُ عِندَهُ حُسْنُ الْمَآبِ}(آل عمران:14).
لكن الإسلام ينظمها ويهذبها ويوجهها التوجيه الصحيح ويحقق التوازن في سلوك الناس حتى لا يسترسلوا في شهوات الدنيا، فقال سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُحَرِّمُواْ طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللّهُ لَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ}(المائدة:87).
2- العمل على تكوين القيم والمبادئ والاتجاهات لممارسة عملية التثقيف الجنسي في إطار أحكام الشريعة الإسلامية، بغية الابتعاد عن الممارسات الجنسية المنحرفة والمثلية المخربة.
3- أهمية توعية أجيالنا بالآثار المترتبة على استخدام الجنس في الإطار غير الشرعي، وعقد المحاضرات والمؤتمرات الطبية لبيان آثار الانحراف الجنسي، الذي يسبب الإصابة بجملة من الأمراض الجسمية الخطيرة، كالإيدز والزهري والسيلان والأمراض والاضطرابات النفسية الكثيرة.
4- ضرورة ضبط مسألة التثقيف الجنسي بأحكام الطهارة، وعلى رأسها آداب الغسل والاستنزاه والاستئذان.
5- ضرورة إضافة مادة التربية الجنسية كمادة من مواد المراحل الدراسية في مؤسساتنا التعليمية، وألا تقتصر الثقافة الجنسية على مادة العلوم والصحة فقط.
الهوامش:
1- أبو داود، سليمان بن الأشعث، سنن أبي داود، مطابع الفجر الحديثة، حمص، د.ت، كتاب الصلاة، باب متى يؤمر الغلام بالصلاة، رقم الحديث: 495، الجزء: 1، الصفحة: 87.
2- أبو الوليد الباجي، سليمان بن خلف، المنتقى شرح الموطأ، دار الكتاب العربي، بيروت، د.ت،الجزء: 3، الصفحة: 254.
3- أبو الحسين، مسلم بن الحجاج، صحيح مسلم، تحقيق: مسلم بن محمود عثمان، دار الخير، دمشق، 1423هـ/2003م ،كتاب النكاح، باب استحباب نكاح ذات الدين، رقم الحديث: 1466، الجزء: 2، الصفحة: 620.
4- أبو عيسى الترمذي، السنن، عمل: عزت الدعاس، مطابع الفجر الحديثة، حمص، 1387 هـ/1967م، كتاب النكاح، باب ما جاء إذا حاءكم من ترضون ينه وخلقه فزوجوه، رقم الحديث: 1085، الجزء: 4، الصفحة:41.
5- الألوسي، بلوغ الأرب في معرفة أحوال العرب، دار الكتب العلمية، القاهرة، ط1، 1415هـ/1995م، الجزء: 2، الصفحة: 19.