الطفل والرسوم المتحركة

للرسوم المتحركة أثر كبير في شخصية الطفل، لما تقوم به من بث ونقل المعلومات والمفاهيم والقيم بصورة متسلسلة وقصصية. وكلما كانت أفلام الرسوم المتحركة قصيرة كان تأثيرها أشد وأقوى. وأهم ما يميز أفلام ومسلسلات الرسوم المتحركة عن غيرها، استخدامها لعناصر الصوت والحركة والألوان والمثيرات البصرية الصوتية والبصرية والحركية، لجذب انتباه وحواس الطفل بلغة بسيطة يفهمها، من خلال نقل معلومة أو فكرة أو قيمة أو اتجاه. وقد أكدت الدراسات قوة تأثير أفلام الكارتون على الطفل؛ ومنها دراسة أوضحت أنه من بين كل عشرة آلاف طفل خمس حالات يقومون بتقمص شخصيات الكرتون وما يشاهدونه، ويكون هؤلاء الأطفال من أسر لا تهتم بأبنائها، ولا تحرص على متابعتهم حول ما يشاهدونه كوسيلة جيدة لإكسابهم المعلومة الصحيحة. 

الإقبال على الرسوم المتحركة

إن أفلام الرسوم ‏‏المتحركة تحظى بمكانة عالية من بين البرامج والفقرات التلفزيونية لدى الطفل،‏ ‏وهو ما يؤكد الأثر الواضح للتلفزيون على الأطفال. فاستهلاك الوطن العربي من أفلام الكرتون كما تشير أحد الدراسات تجاوز 90٪، وتجري وراءها شركات الإنتاج لما تدره من أرباح تصل لملايين الدولارات، وتحتل الفضائيات العربية الموجهة للأطفال الصدارة بعرضها أفلام الكرتون.. وتحرص شركات الملابس على استخدام الشخصيات الكرتونية المحببة للطفل لوضعها على الملابس والفساتين، حتى يتعايش الطفل معها طوال الوقت. 

وفي دراسة لمنظمة اليونسكو، أشارت إلى أن الطفل العربي ما أن يبلغ الثانية عشرة من عمره، يكون قد أمضى أمام التلفاز ما يقارب 22 ألف ساعة، بينما يقضي في غرفة الدراسة حوالي 14 ألف ساعة. كما أظهرت الدراسات أن برامج الأطفال تظهر فيها مشاهد العنف حوالي 60-50 مرة أكثر مما في برامج الكبار، بل إن أفلام الكرتون تتضمن أكثر من 80 مشهدًا للعنف في الساعة. وفي إحصائية عن الأفلام التي تعرض على الأطفال عالميًّا، وجد أن 29.6% منها يتناول موضوعات جنسية بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، وأن 27% منها يدور حول العنف والجريمة والمعارك والقتال الضاري، وأن 15% منها يدور حول الحب بمعناه الشهواني.. وتفيد دراسة أخرى أجريت على الطفل العربي أن ذروة فترة المشاهدة يكون في الفترة المسائية، وتعرض خلالها مشاهد عنيفة بمعدل خمسة مشاهد في الساعة الواحدة، وهذا يعني أن الطفل في عمر 11 عامًا يكون قد شاهد نحو 20 ألف مشهد قتل أو موت، وأكثر من 80 ألف مشهد اعتداء. وهذه الدراسات جميعها تدق لنا ناقوس الخطر في العالم العربي، وتدفعنا للتفكير حول كيفية التعامل مع أفلام ومسلسلات الكارتون عامة، كحكومات وأسر ومؤسسات اجتماعية مختلفة لحماية الطفل، وضمان سلامة الأفكار والمعلومات المنقولة إليه.

فوائد الرسوم المتحركة 

تعد ‏أفلام الكرتون مصدر تسلية للأطفال، وتزودهم بالمعلومات وتنمية مواهبهم.. وأهمية الدور التربوي لأفلام الكرتون ومسلسلات الأطفال، تكمن في تعزيز نمو الطفل اللغوي والاجتماعي والوجداني والانفعالي، وإمداده‏ ‏بالخبرات الحياتية. 

كما أن بعض أفلام الرسوم المتحركة التي تعد إعدادًا جيدًا، قد يكون لها تأثير إيجابي على الأطفال. فمسلسل “عصام والمصباح” الذي أنتجه التلفزيون المصري -مثلاً- يحكي ضرورة الاعتماد على النفس، وأن الإنسان الوحيد هو القادر على تحقيق نجاحه وليس الفانوس السحري. وأنشأت المخرجة حالة من الاندماج بين الشخصيات الكرتونية والأبطال، وأثبتت أن الكرتون من الممكن أن يتبنى قضية ويساعد في حلها؛ فكان للعمل فضل في اهتمام الأطفال بمستشفى 57357 التي ركز عليها المسلسل، ونادي بالتبرع لأطفالها وأهمية زيارتهم لتخفيف الآلام عنهم.. كما صنعت أعمال الأطفال الدينية نوعًا من الهدوء النفسي للأطفال وإكسابهم معلومات عن الرسل والصحابة والشخصيات الدينية.. فأعدت قناة سمسم مسلسلات وبرامج يجد فيها أطفالنا القصة والمعلومة النافعة والخلق الرفيع؛ فعلى متن قطار سمسم في رمضان يتجول أطفالنا بمتعة ومرح بين محطات السيرة النبوية وسير الصحابة ومحطات لقصص الأنبياء، ومحطات للقصص القرآني وما يتضمنه من فوائد إيمانية وتربوية، والانتصارات والفتوحات والبطولات في تلك الأزمنة المضيئة.

أضرار الرسوم المتحركة 

إن فكرة الرسوم المتحركة تقوم في أساسها على عالم افتراضي خيالي أبعد من أن يكون عن الواقعية، فتكون معظم الأحداث غير منطقية أو بلغة السينما “فانتازيا”، حيث لا وجود للمنطق والأصول وأحيانًا حتى القيم والأخلاق قد تكون غائبة، وهذا يؤدي بدوره لانعكاسات وآثار متنوعة على الطفل. فعندما يجلس الطفل لمشاهدتها، يكون بعيدًا عن التقدير الصحيح لحجم المخاطر، حيث يرى الضئيل ضخمًا والبطئ سريعًا، فضلاً عن بعض الممارسات خلال الأحداث، كالقفز من الأسطح أو القطارات بل والطائرات.. كما أنها تتسبب في حالة عدم الإحساس بالوقت للطفل سواء بسبب سرعة الأحداث في الفيلم، أو من ناحية أخرى بسبب جلوسه لفترات طويلة في المشاهدة حيث لا يشعر بمرور الوقت. 

وتقوم غالبية الأحداث على صراعات عنيفة، فالعداء على سبيل المثال بين “توم” و”جيري” يريد كل منهما الفتك بالآخر والقضاء عليه بشتى الطرق المشروعة وغير المشروعة. ويوضح عبد الوهاب المسيري أن قصص توم وجيري تبدو بريئة ولكنها تحوي دائمًا صراعًا بين الذكاء والغباء، أما الخير والشر فلا مكان لهما، وهذا انعكاس لمنظومة قيمية كامنة وراء المنتج، وكل المنتجات الحضارية تجسد التحيز.

والرسوم المتحركة في أكثر الأحيان تروج للعبثية وغياب الهدف من وراء الحركة والسلوك، والسعي للوصول للنصر والغلبة في حمى السباق والمنافسة بكل طريق. فـ”الغاية تبرر الوسيلة”، كما تعمل على تحريف القدوة، وذلك بإحلال الأبطال الأسطوريين محل القدوة بدلاً من الأئمة المصلحين والقادة الفاتحين؛ فتجد الأطفال يقلدون الرجل الخارق (Super-man)، والرجل الوطواط (Batman)، والرجل العنكبوت (Spider-man)، ونحو ذلك من الشخصيات الوهمية التي لا وجود لها، فتضيع القدوة في خضم القوة الخيالية المجردة من بُعدٍ إيماني.  وكشفت دراسة أمريكية أجرتها جامعة بيرغهام يانغ الأميركية، أن السلوك الاجتماعي والجسدي للأطفال أصبح عنيفًا بشكل واضح، بسبب أبطال المسلسلات الكرتونية الخارقين، على غرار سبايدر-مان، وباتمان، وسوبرمان. ‏وأكبر مثال على تأثيرها هو ما نشاهده كمربين، ترديد الأطفال للألفاظ والعبارات التي يسمعونها،‏ ‏وكذلك تقليد الحركات والأصوات التي تصور شخصيات أو حيوانات، إضافة إلى تقليد ‏بعض اللهجات والشخصيات في سلوكها وفي أزيائها.

وعلى سبيل المثال، أحد أفلام الرسوم المتحركة وهو مسلسل “البوكيمون”، سيطر على بعض حلقاته العنفُ بدرجة كبيرة، مما انعكس على سلوكيات بعض الأطفال، ولعب المسلسل دورًا بارزًا في عملية الترويج الخفي لقيم تنافي القيم الدينية والاجتماعية، كما أنه أثر سلبًا على ميزانية الأسر وأرهقها، لحرص الأطفال على شراء البطاقات واللعب بها، وشراء الملبوسات وأدوات الزينة التي عليها رسوم لشخصيات المسلسل. 

الحد من الآثار السلبية للرسوم المتحركة

كيف نحد من الآثار السلبية لأفلام الرسوم المتحركة ونزيد من الآثار الإيجابية لها؟

هناك حاجة للقيام بالعديد من الإجراءات من قبل الدول والأسر والمؤسسات في العالم العربي، للحد من الآثار السلبية لمشاهدة أفلام ومسلسلات الكارتون على الطفل، والإفادة منها بصورة إيجابية وذلك من خلال:

1- دعم وتشجيع صناعة أفلام وبرامج ومسلسلات الرسوم المتحركة المنتجة عربيًّا، التي تعكس قيمنا وتقاليدنا وعاداتنا.

2- قيام الأسرة بدورها في انتقاء الأفلام والمواد التي يشاهدها الطفل عبر التلفزيون، وتحديد أوقات المشاهدة، ومناقشة الطفل بصورة مستمرة حول محتوى البرامج التي يشاهدها، تدريب الطفل على الجلوس بشكل صحي، وتنبيه الأبناء على أن الخيال جزء من الواقع وليس كل الواقع، فلا بد من الاحتكاك بالواقع والتواصل مع الآخرين، ومراجعة سلوكياتهم أولاً بأول لتصحيح أي اعوجاج، أو تقويم أي خطأ يمكن أن يكتسبه الأبناء من أصدقائهم، ومساعدتهم على اختيار الأصدقاء الصالحين بأنفسهم دون خضوع لاختيارات الآخرين.

3- حث المربين والأدباء للتعاون مع مصممي أفلام الرسوم المتحركة، لإنتاج برامج رسوم متحركة مناسبة لطفل الروضة والقيم العربية والمعتقدات.

4- الانتقاء الإيجابي عند اختيار برامج الرسوم المتحركة من بين أفضل ما يعرض عالميًّا بما يناسب ثقافتنا، وإنشاء جهات رسمية لمتابعة نسب المشاهدة ومحتوى ومضامين الأفلام والبرامج المعروضة على الطفل وتوجهاتها الفكرية.

5- التوسع في إنشاء شركات لإعداد برامج وأفلام الرسوم المتحركة على المستوى المحلي ودعمها من الجهات الحكومية، وعقد المسابقات والمهرجانات لتشجيع المنتجين في ذلك الميدان.

6- مراعاة أفلام الرسوم المتحركة المنتجة عربيًّا بالمعايير الآتية:

  • أن تؤكد على القيم الدينية والاجتماعية والخلقية ولا تخالفها.
  • أن تركز على تنمية مهارات الطفل العقلية والإدراكية.
  • أن تبتعد عن المشاهد والحوارات التي تخدش الحياء أو تخرج عن الذوق العام أو تدعو إلى تصديق السحر والخرافات والشعوذة، ومجابهة هذه المظاهر بالمنطق العلمي السليم.

7- حرص الآباء والمربين على الجلوس مع أبنائهم وتبادل الحوار معهم لأكبر وقت ممكن، ومتابعة سلوكياتهم وتقويم الخاطئ منها، بدلاً من ترك الطفل فريسة برامج ومسلسلات قد تغرس فيه قيمًا غريبة عن المجتمع. فلا بد من مصاحبة الأم لأبنائها وجلوسها معهم أثناء المشاهدة لتنبيههم إلى السلوكيات الخاطئة فيما يشاهدون.

المراجع

1- مواد وبرامج الأطفال في القنوات الفضائية العربية، أماني تفاحة ولارا حسين (2009)، المجلس الوطني لشؤون الأسرة في الأردن. 

2- مسلسلات الأطفال تتفوق على أعمال الكبار، أنس الوجود رضوان (2012)، جريدة الوفد، 1/9/2012.

3- تأثير الرسوم المتحركة المستوردة على الطفل القطري، رشادة لؤلؤ (2002)، مجلة الطفولة والتنمية، العدد السابع، المجلد الثامن.

4- أفلام جذابة تفسد وجدان الأطفال، فاطمة النعيمي (2003)، مجلة الأسرة، عدد (354).

5- العلاقة بين الأطفال العرب والتلفاز، ليلى عبد المجيد (2002)، دراسة تحليلية للدراسات والبحوث الميدانية التي أجريت على الطفل العربي، مجلة الطفولة والتنمية.

6- حوار مع عبد الوهاب المسيري،  ممدوح الشيخ (2015)، مجلة الإسلام وفلسطين، عدد (55).