مواقع التواصل الاجتماعي بين الإيجابيات والسلبيات

أسهمت مواقع التواصل الاجتماعي بمرور الوقت في تحويل العالم إلى فضاء مفتوح، يسوده واقع اتصالي ومعلوماتي تجري في إطاره المعاملات، وتنجز المبادلات، وتروج الإنتاجات الاقتصادية والثقافية والفنية. وقد نشأ جدل كبير حول مواقع التواصل الاجتماعي فوائدها وأضرارها؛ فالبعض وصفها بـ”مواقع الانفصال الاجتماعي”، وأنها مجرد “مخدرات رقمية”، ووسائل للتجسس وانتهاك الخصوصية، تستفيد منها الشركات والمؤسسات التجارية وأجهزة الاستخبارات لتحطيم هوية الأفراد والمجتمعات.. لكن الباحثين المنصفين دَعَوا للإفادة من تلك المواقع مع مراعاة الضوابط والاعتبارات عند التعامل معها للحفاظ على سلامة الفرد والمجتمع ككل.

مواقع الاتصال الاجتماعي وانتشارها

وسائل ومواقع التواصل الاجتماعي أو شبكات الإعلام الاجتماعي، هي مواقع أو تطبيقات أو وسائل إلكترونية مخصصة، لإتاحة القدرة للمستخدمين للتواصل فيما بينهم عبر شبكة الإنترنت، من خلال وضع معلومات وتعليقات ورسائل وصور.

ولكل وسيلة من وسائل التواصل الاجتماعي خصائصها ومميزاتها وتفردها في نقل المحتوى المطلوب بثه، وجميعها تتفق في خاصية القدرة على تحقيق التواصل بين البشر دون حدود -مكانية أو زمنية- أو قيود على الحرية، وإمكانية نقل أي رسالة سواء كانت مرئية أو صوتية أو مكتوبة، وإمكانية الوصول إليها من أي مكان في العالم.

ومن أشهر مواقع التواصل الاجتماعي؛ “فيسبوك” (Facebook) وهو الأكثر شهرة منذ ظهوره بواسطة “ماركزوكبرج” تحت مسمى “فيس ماتش” في عام 2003م، وانطلق كموقع تواصل اجتماعي عام لكافة الفئات. وموقع “لينكد إن” (LinkedIn) الذي بدأ التشغيل في 2003م كموقع اجتماعي متخصص للمهنيين والباحثين، و”تويتر” (Twitter) في عام 2006م، وموقع “بنترست” (Pinterest) الذي أطلق عام 2010م.

وعالميًّا فإن عدد مستخدمي الإنترنت اعتبارًا من يناير 2024م طبقًا لموقع “ستاتيستا” (Statista) للتحليلات السوقية بلغ:

– 5.04 مليار مستخدم لوسائل التواصل الاجتماعي، ما يشكل 62.3% من سكان العالم، أي حوالي 94% من مستخدمي الإنترنت يمتلك حسابات سوشيال ميديا.

– 5.35 مليار شخص يستخدمون الإنترنت، ما يمثل 66.2٪ من سكان العالم البالغ عددهم ٧,٩٨ مليار نسمة.

– 5.٥٠ مليار شخص يستخدم الهواتف المحمولة، ما يمثل أكثر من 6٧% من سكان العالم. وفي منتصف عام ٢٠٢٣م، قُدِّر أن حوالي ٩٦٪ من السكان الرقميين العالميين استخدموا جهازًا محمولاً للاتصال بالإنترنت.

يبلغ متوسط الوقت العالمي الذي يقضيه مستخدمو الإنترنت على وسائل التواصل الاجتماعي يوميًّا نحو ساعتين و٣١ دقيقة، في حين كان 90 دقيقة عام 2012م.

وجاءت مواقع التواصل الاجتماعي الأكثر استخدامًا في جميع أنحاء دول العالم بالترتيب: تصدرت منصة “فيسبوك” صدارة مواقع التواصل الاجتماعي المستخدمة عالميًّا بواقع 2 مليار و936 مليون زائر، و”يوتيوب” بواقع 2 مليار و476 مليون مستخدم، و”واتس آب” بواقع 2 مليار مستخدم، و”إنستغرام” بمعدل مليار و440 مليون مستخدم، و”وي تشات” بواقع مليار و288 مليون مستخدم، و”تيك توك” بواقع مليار و23 مليون مستخدم.

ويتوقع أن تتزايد أعداد مستخدمي وسائل الاجتماعي في العالم، مع تطور شبكات الاتصال، واستخدام الألياف الضوئية، والأقمار الصناعية، وتزايد سرعات التحميل، وتطور نظم ولغات البرمجة الحاسوبية.. وقد تزايدت ونمت شبكات ومواقع التواصل الاجتماعي لتشمل الإنستغرام، واليوتيوب، والتيك توك، ووي شات، وسناب شات، وتويتش، وريت، ورمبلر، وغيرها. وكل يوم تظهر العديد من المواقع الجديدة على متجر جوجل التي تستقطب اهتمام كل الفئات عبر العالم.

ومع ظهور ثورة الاتصالات والمعلومات والثورة المعلوماتية الهائلة في بدايات القرن الحالي وتحول الجمهور من متلقٍّ سلبي إلى متلقٍّ إيجابي، واقتحامها مختلف جوانب الحياة في المجتمع، برزت مشكلات أخلاقية كبيرة جدًّا مصاحبة لتلك الثورة الاتصالية؛ وذلك نتيجة التدفق الحر للمعلومات دون قيود أو شروط، ولسهولة وصول الناس إلى هذه الوسائل الحديثة، ولإلغاء حدود الزمان والمكان، وضعف الرقابة عليها، بدا المشهد العالمي وكان الجميع في شغل شاغل عن التدقيق والتمحيص والمراجعة والتعليق والتحليل، حتى صارت إحدى المشكلات الحالية لثورة المعلومات، غزارة المعلومات كمًّا وكيفًا، مما تطلب إعادة النظر إلى الكثير من المفاهيم والقضايا السائدة.

الآثار الإيجابية

هناك العديد من الآثار الإيجابية والفوائد لوسائط التواصل الاجتماعي، منها تحقيق فرص الاستقلال للشباب والمراهقين، وإتاحة فرص التعبير والحوار مع الغير، وتدفق الأفكار والمعاني والأفكار عبر تدوين المقالات ومشاركة المنشورات، ومشاركة الصور، وإبداء الإعجاب أو عدم الإعجاب بها، كما أنها تتيح لهم فرص الاستكشاف والتعارف وتبادل الآراء والخبرات.. لكن في نفس الوقت يجب الوضع في الاعتبار ضرورة تسليح الإنسان بالمهارات اللازمة للتعامل مع شبكة الإنترنت كلية، وكيفية الحفاظ على هويته وخصوصيته، وعدم الإفراط في استخدام تلك المواقع، حتى لا يضيع الوقت أو يتحول استخدامها إلى حالة مرضية، أو ما يطلق عليه “الإدمان الرقمي” وهو الظاهرة التي أدت -بصورة أو بأخرى- إلى العديد من المشكلات والكوارث الاجتماعية والنفسية.

الآثار السلبية

لقد أدت ثورة الإنترنت والانتشار الواسع للتكنولوجيا الرقمية بمصادر لا حصر لها، إلى إلهاء الإنسان والاستحواذ عليه. ويصف البعض هذا العصر بـ”عصر التشتيت” أو “عصر الإلهاء”، إذ نشأت مشكلة وجودية تتمثل في تآكل القدرة البشرية على الانتباه نتيجة الآثار الناتجة عن التدفقات الرقمية الهائلة من المعلومات التي تتسرب إلينا باستمرار. ويصف “نيكولاس كار” في كتابه “الظلال” كيف غيَّر الإنترنت الطريقة التي نقرأ ونفكر ونتذكر بها؟ الصادر عام 2010م: “إن الإنترنت يستحوذ على اهتمامنا لتبعثره”. ووفقًا لعالم الأعصاب الأمريكي “دانييل ليفتيين” فإن الملهيات في العالم الحديث يمكن أن تخرب أدمغتنا فعلاً.

وتوصلت دراسة حديثة قام بها علماء نفس من جامعة بيتسبرج الأمريكية، إلى أن قضاء فترات طويلة في تصفح مواقع التواصل الاجتماعي، يؤدي إلى الشعور أكثر بالوحدة على عكس ما يفترض أن يحدث، حيث إن هدف هذه المواقع هو تقوية العلاقات الإنسانية الاجتماعية، وتكوين صداقات جديدة. وحسب ما نشرته صحيفة “تليجراف” البريطانية، كلما قضى الشخص مزيدًا من الوقت على الشبكات الاجتماعية، زاد احتمال شعوره بالعزلة الاجتماعية.

وجاء في الدراسة التي نشرت في المجلة الأمريكية للطب الوقائي، وشملت الدراسة 1787 بالغًا تتراوح أعمارهم بين 19-32 عامًا، أن قضاء كثير من الوقت على مواقع، مثل تويتر وسناب شات ورديت وتامبلر، يمكن أن يؤدي أيضًا إلى ظهور مشاعر الحسد والحقد، والاعتقاد الزائف أن الآخرين يعيشون حياة أكثر سعادة ونجاحًا. ووجد الباحثون أن المشاركين في الدراسة الذين استخدموا مواقع التواصل الاجتماعي أكثر من ساعتين يوميًّا، أكثر ضعفين للإصابة بالعزلة الاجتماعية قياسًا بأقرانهم الذين قضوا أقل من نصف ساعة يوميًّا.

ويؤكد كثير من الباحثين على الآثار السلبية لمواقع التواصل الاجتماعي في تفكيك الروابط الاجتماعية، بل إن بعضهم يتهمون وسائط التواصل الاجتماعي بأنها هادمة للهويات المحلية والوطنية، وأنها تؤدي إلى ترسيخ نزعات عقلانية استعمارية، وأنها ترسخ التماثل والتشابه وتعمل على تفقير الأنساق الثقافية وجعلها خاوية جوفاء، وأنها تؤدي إلى الغربة والاغتراب.

ومن الآثار السلبية لمواقع التواصل الاجتماعي، زيادة احتمال تعرض الفرد من خلالها، للجرائم الإلكترونية على اختلاف أنواعها من قرصنة إلكترونية، وتنمر إلكتروني، وسرقات، وتجسس نظرًا لعدم كفاية التشريعات القانونية بما يكفل التعامل مع التداعيات القانونية لاستخدام وسائل التواصل الاجتماعي. ومن أكثر هذه القضايا شيوعًا، انتهاكات حقوق الطبع والنشر، وانتهاكات العلامات التجارية المسجلة، والقذف وتشويه السمعة والقرصنة.

كما تسهم طبيعة مواقع الاتصال الاجتماعي في سهولة نشر الأفكار الهدامة والمتطرفة والشائعات، فنجد انتشارًا كثيفًا لتلك الصفحات التي تدعو إلى نشر الإباحية والإلحاد، وعقيدة الحرية الشخصية بلا ضابط أو رادع، وتضييع للأوقات بشكل كبير جدًّا؛ فقد يجلس الإنسان ساعات طوال أمام تلك المواقع وهو لا يدري ما تقدمه تلك المواقع من وسائل متعددة، سواء كانت ترفيهية أو تواصلية. فتضيع الأوقات النفيسة في التافه من المحادثات والتعارف المجرد، فضلاً عن الإفراط في استخدام تلك المواقع إلى العزلة الاجتماعية والانطواء والاغتراب.. فهناك كثير من رواد تلك المواقع اكتفوا بهذا التواصل الافتراضي، واستغنوا به عن التواصل الحقيقي مع الناس العاديين، وفي هذا خطر شديد على الصحة النفسية والقدرات العقلية -مع مرور الوقت- مما قد يجعل الشخص مصابًا بمرض التوحد أو إدمان الإنترنت والانعزال الاجتماعي، بالإضافة إلى زيادة بعض المشكلات الاجتماعية كالتفكك الأسري، وضعف تأثير الأسرة، وزيادة معدلات الانفصال الأسري، ونشوء “ظاهرة أرامل الإنترنت” نتيجة لتزايد معدلات انشغال أحد الزوجين -أو كليهما- باستخدام مواقع التواصل عن الحد الطبيعي.

الخاتمة

لقد صارت مواقع التواصل الاجتماعي واقعًا ومطلبًا من متطلبات الحياة اليومية نظرًا لما تقوم به من أدوار، وما توفره من مزايا وفوائد، بل يصل البعض بالنظر إليها على أنها أتاحت الفرصة لتشكيل هويات جديدة فردية وجماعية، وأتاحت نوعًا مختلفًا من الحرية ومن الحق في المعرفة والتعبير، بحيث صارت تشكل ملاذات بديلة أو موازية للمجتمعات والملاذات التقليدية. لكن في المقابل صاحَب استخدام تلك الوسائل الكثير من المخاطر أبرزها استخدامها كأداة لترويج الشائعات والأفكار الهدامة والمتطرفة، واستخدامها كأداة في الجرائم الإلكترونية، وإسهامها بصورة أو بأخرى نتيجة الإفراط في استخدامها في انتشار التفكك الأسري والانعزال الاجتماعي.. لذلك يجب أن يكون استخدام وسائل التواصل الاجتماعي وفقًا لضوابط ومعايير محددة يحافظ بها الفرد على خصوصيته وهويته، حتى لا يتحول إلى أداة في أيدي الآخرين، وفي نفس الوقت يستفيد مما تتيحه من مزايا وإمكانات. ويبقى السؤال مطروحًا بقوة: كيف نهيئ الشباب للتعامل مع تلك الوسائط؟ وكيف نحصنهم من آثارها السلبية؟

لا بد لنا من التفكير في أوضاع أبنائنا من الأطفال والمراهقين والشباب، واستخدامهم للتكنولوجيا الرقمية في ضوء معطيات ونتائج تلك التقارير والتقارير المماثلة، والتصدي لما قد يحمله استخدام الطفل للتكنولوجيا من مخاطر، والاستفادة من إيجابيات التكنولوجيا الرقمية.. ويمكن أن يكون ذلك من خلال تبني الدول العربية للسياسات والتشريعات والقوانين التي تحمي الطفل على شبكة الإنترنت. فقد آن الأوان لصياغة قانون يحمي إنساننا، وخصوصيته، ويعاقب كل من يحاول استغلال الفرد أو يؤذيه.. ويمكن الإفادة في ذلك من القوانين المماثلة في دول العالم، كما أنه على الحكومات العربية إلزام مزودي الإنترنت بإتاحة برمجيات، لحماية الطفل والمراهق من المواقع الضارة والمؤذية، وهي العملية التي يمكن أن نطلق عليها مجازًا “فلترة المواقع“.

ومن هنا تأتي أهمية عملية التنشئة الاجتماعية التي تقوم بها كافة مؤسسات المجتمع، من أسرة ومدرسة ومسجد ووسائل إعلام.. وغيرها من المؤسسات الاجتماعية ككل. إذن، لا بد من توعية الأطفال وغرس القيم الأخلاقية والانتماء والولاء للمجتمع من المراحل الأولى للحياة، وتدريب الأطفال والمراهقين على مهارات وضوابط التعامل مع تلك الوسائط والإفادة منها، وفي نفس الوقت الحفاظ على خصوصياتهم وهوياتهم؛ حتى لا تتحول تلك الوسائط إلى ملاذات لتفكيك المجتمع وهدم أواصره الاجتماعية، أو تتحول إلى ملاذات للاغتراب والانعزال عن المجتمع. كما يجب توعية الآباء والأمهات بمخاطر شبكة الإنترنت المتنوعة، وكيفية تعويد أطفالهم على التعامل مع شبكة الإنترنت بصورة آمنة، وألا يتعامل الأطفال مع الغرباء على الإنترنت.. ويمكن أيضًا أن يكون تعامل الأطفال -خاصة في المراحل الصغرى- بإشراف ومتابعة الوالدين، وتعويد الطفل على النقاش حول ما يجده من موضوعات في شبكة الإنترنت وكيفية التعامل معها.

أما بالنسبة للكبار فعليهم أن يتابعوا تفاعلاتهم ودائرة علاقاتهم، وألا ينجرفوا أمام مواقع التواصل الاجتماعي بحيث تؤثر كلية على نشاطهم الكلي وعلاقاتهم الاجتماعية، وأدائهم لأعمالهم والتزامات الحياة اليومية، وألا يتحول الأمر إلى حالة إدمان لمواقع التواصل، بل لا بد من تنظيم الوقت وتعظيم الفائدة من استخدام مواقع التواصل بدلاً من إضاعة الوقت والصحة، والأمر يحتاج إلى عزم وإيجابية من الفرد، وألا تتحول تلك المواقع إلى ملاذات يختبئ فيها الفرد أو يتقوقع في ثنايا ذلك العالم الافتراضي.

 

(*) كلية التربية، جامعة الإسكندرية / مصر.

المراجع

(١) Oxford University Press, “social network” definition, (http://oxforddictionaries.com/definition/english/social_network), (accessed February 4, 2013).

(٢) جمال سند السويدي، وسائل التواصل الاجتماعي ودورها في التحولات المستقبلية، (الإمارات العربية المتحدة: مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية، 2013).

(٣) سارة حسين (2017): مواقع التواصل الاجتماعي تؤدي إلى العزلة، موقع العين الإخبارية.