كيف يؤسس الداعية دعوته على تقوى الله؟

الدعوة إلى الله تعالى من أهم الأعمال الصالحة، فأجرها عظيم وشرفها كبير، وأثرها عميق، فهي سبب لتكثير الخيرات وانتشارها، وسبب لتقليل المنكرات وانحسارها، وسبب لخيرية تلك الأمة يقول الله تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ، مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ} [آل عمران: ١١٠] ، وهي من خير الأقوال التي تخرج من لسان المسلم يقول الله تعالى: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ…}(فصلت: 34)..

والدعوة إلى الله لا تكون ناجحة، ولا تؤتي ثمارها إلا إذا تأسست على تقوى من الله، وكانت على بصيرة، فيجب أن نتعلم من أخطاء الدعاة في الماضي، ونعتبر منها، ولا نكرر تلك الأخطاء ثانية، وهذا لا يكون إلا إذا قمنا بتأسيس الداعية داخليًّا وخارجيًّا على الأسس الإسلامية الصحيحة للدعوة.

فالدعوة إلى الله ليست عملاً ارتجاليًّا ولا عشوائيًّا؛ حتى نمضي في الدعوة من غير بنيان ولا تأسيس ولا تخطيط، فينبغي أن نتخذ الأسباب والوسائل المعينة على الدعوة إلى الله، وفي السطور التالية تذكير بالأسس المطلوبة لتأسيس الداعية لنفسه ودعوته على تقوى من الله.

والدعوة إلى الله لا تكون ناجحة، ولا تؤتي ثمارها إلا إذا تأسست على تقوى من الله، وكانت على بصيرة.

أولاً: عناية الداعية بإعداد نفسه جيدًا:

يجب على الداعية أن يعتني بنفسه جيدًا، فيصلح جميع أموره إذا أراد نجاح دعوته وإظهار صورة مشرقة للإسلام والدعاة؛ ليرغب الناس في الاقتداء به، فيعتني بتأهيل نفسه علميًّا، فينال العلم النافع من الفقه والتفسير والعقيدة وأصول الفقه والرقائق وغير ذلك من العلوم الشرعية، وليحرص على الاعتماد في دعوته على ما صح من الدليل ويجتنب الضعيف منه، كما يعتني بالاطلاع على الثقافة النافعة من العلوم الإنسانية وواقع المدعوين وغير ذلك من الثقافة النافعة في مختلف العلوم التي لا يستغني عنها المسلمون، ليبق على سعة في الأفق، كما يعتني بتزكية نفسه بالقيام بالفرائض وترك المحظورات ويعتني بأعمال القلوب لا سيما الإخلاص والدعاء الدائم المستكمل شروط الإجابة وآدابه الظاهرة والباطنة، ويعتني أيضًا باستكمال صفات الشخصية الإسلامية وتهيئة نفسه لتحمل خطوب الدعوة وأعبائها، كما يعتني بفن الإلقاء وتحضير الدروس والتعامل مع المراجع والمصادر، كما يعتني بحسن الخلق مع الناس، ويعتني أيضًا بنظافة شكله وثيابه ومظهره الخارجي، ليكتمل صلاحه ظاهرًا وباطنًا، وهذا الاستكمال ضروري لنجاح مسيرة الداعية؛ لأن أي ضعف في جانب من تلك الجوانب للداعية سينعكس سلبًا على الدعوة.

على الداعية الاعتناء بنفسه جيدًا، فيصلح جميع أموره إذا أراد نجاح دعوته وإظهار صورة مشرقة للإسلام والدعاة.

ثانيًا: عناية الداعية بصلاح أهله:

فعدم عناية الداعية بأهله وإهمالهم من أخطر العقبات التي تصد الناس عن دعوته، فينبغي للداعية اختيار الزوجة الصالحة التي تعينه على دعوته، فالزوجة من أشد العقبات والتي تمنع من نجاح الداعية في دعوته إن لم تكن صالحة وصابرة على زوجها ودعوته، وينبغي ألا يهمل الداعية حقوق زوجته، فأعباء الدعوة لا تبرر له إهمال زوجته، فالنبي صلى الله عليه وسلم على الرغم من أعبائه وجهوده الكبيرة في الدعوة والقيام على مصالح المسلمين، كان يؤدي حقوق زوجاته ومن ذلك أنه كان يجلس يوميًّا مع زوجاته وينصت لهن، ويمر عليهن في الصباح واحدة واحدة للسلام عليهن، وينبغي للداعية العناية بأولاده وتربيتهم، ليكونوا صورة مشرقة للإسلام، فالناس يراقبون الداعية في بيته وزوجته وأهله، فإن كانوا نموذجًا للإسلام دفعهم ذلك للاقتداء به، وإن لم يكونوا كذلك صدوا عن قبول دعوته.

ينبغي للداعية اختيار الزوجة الصالحة التي تعينه على دعوته، ولا يهمل حقوق زوجته.

ثالثًا: عناية الداعية بصلاح دنياه:

ينبغي للداعية أن يدبر شؤون عيشه، من وظيفة أو مهنة أو حرفة أو تجارة ليوفر لنفسه ما يكفيه ويكفي أهله من مطالب الدنيا، فالداعية بحاجة لمسكن واسع يسعه ويسع أهله ومكتبته، وبحاجة لمال يكفي حاجته ليتفرغ لدعوته وليفرغ باله للدعوة والتخطيط لها، والنبي صلى الله عليه وسلم قدوة الدعاة في ذلك فقد كان يدخر لأهله قوت سنة، مع أنه سيد المتوكلين، ولكنه الأخذ بأسباب صلاح الدنيا، وليحرص على الاستغناء عن الناس، فيحمل همومهم ولا يثقلهم بهمومه، وينبغي أن ينظم شؤون دنياه على القدر الذي يكفيه، ولا يتوسع فوق حاجته حتى لا تشغله الدنيا عن دعوته، حتى لا يركن للدنيا ويتغافل عن دعوته ويكون من المتساقطين اللاهين، الذين يؤثرون الدنيا على الآخرة.

ينبغي للداعية أن يدبر شؤون عيشه، ولا يركن للدنيا ويتغافل عن دعوته ويكون من المتساقطين اللاهين.

رابعًا: تنظيم الداعية لوقته وحرصه على الاستفادة منه:

ينبغي للداعية الاهتمام بتنظيم وقته، فالواجبات كثيرة، والأوقات محدودة، فإذا لم ينظم الداعية وقته، ضيع العديد من واجباته المنوطة به، فواجبات الداعية كثيرة، والدعوة تحتاج للكثير من الجهد، مما يدعو للحرص على الاستفادة من كل لحظة من لحظات الوقت، وينبغي ألا تختلط الواجبات ببعضها لدى الداعية، فيهتم مثلاً بدوره الدعوي وينسى دوره الأسري، بل يعطي لكل ذي حق حقه، ولقد دلت التجارب أن العناية بتنظيم الأوقات وتقديم الأولويات من أهم أسباب النجاح والفلاح للكثير من الدعاة.

ينبغي للداعية الاهتمام بتنظيم وقته، وإعطاء كل ذي حق حقه.

خامسًا: عناية الداعية بالاستفادة من التجارب الدعوية السابقة:

على الداعية الاستفادة من التجارب الدعوية السابقة، فينظر لأسباب النجاح ويأخذ بها، وليحذر من أسباب الإخفاق، وليكثر من القراءة في السير الذاتية لرجال الدعوة ولأصحاب الحركات الإسلامية وتجاربهم الدعوية، وينتقي منها ما يوافق الإسلام ومنهجه الصافي، وليتقي ما خالف الإسلام وشرعه الحكيم، وليكثر من القراءة في كتب فقه السيرة النبوية، ويطالع الفوائد والدرر التي استنبطها العلماء من الحكم الدعوية ومن أهم الكتب التي لا يستغني عنها الداعية كتاب منهج النبي صلى الله عليه وسلم في الدعوة من خلال السيرة الصحيحة للدكتور محمد أمحزون، وهناك العديد من الكتب النافعة في الدعوة وفقهها وأساليبها مشكلاتها ومشكلات الدعاة وغير ذلك، فلا يحرم الداعية نفسه من مطالعتها والاستفادة منها، مع مراعاة ما يتوافق مع دعوته وواقع المخاطبين، فليس كل ما يقرأه الداعية من تجارب ينفع لدعوته، فليأخذ ما يتفق مع بيئته الدعوية وحاله، ويترك سوى ذلك.

على الداعية الاستفادة من التجارب الدعوية السابقة، وينتقي منها ما يوافق الإسلام ومنهجه الصافي.

سادسًا: مراعاة الداعية للحكمة في دعوته:

فليختر الوقت المناسب لدعوته، وليختر الموضوع المناسب لخطبته ودروسه التي تتوافق مع عقلية ونفسية وبيئة المخاطبين فخطاب القرية غير خطاب المدينة، وليحرص على مراعاة الأولويات والتدرج في دعوته، وليكون رفيقًا بالناس، فلا يفرط في الترغيب أو الترهيب وليكن وسطًا في خطابه وسلوكه وفكره، فلا إفراط ولا تفريط.

ينبغي للداعية اختيار الوقت المناسب لدعوته، وليكن وسطًا في خطابه وسلوكه وفكره.

سابعًا: العناية بمعرفة واقع المخاطبين:

وهذه من أهم النقاط الدعوية في نجاح الدعوة، فالخطاب الدعوي يشبه الثياب، فلا بد أن يناسب مقاس الشخص الذي سيلبسه، والمرء إن لم يعرف واقع المدعوين، فقد يخطأ في خطابه الدعوي الغير مناسب لمن يخاطبه، فعلى الداعية معرفة هموم المدعوين وآمالهم واهتماماتهم وطموحاتهم ومشكلاتهم وتطلعاتهم، وهناك عدة وسائل لمعرفة واقعهم، فلا يستخدم وسيلة واحدة، بل يجمع بين العديد من الوسائل، ومن تلك الوسائل الزيارات واللقاءات وسماع حديثهم اليومي ومطالعة الفيس بوك ومنصات التواصل وغير ذلك من الوسائل المختلفة، حتى يعرف واقع أهل دعوته حتى يختر لهم الأسلوب والطريق المناسب في دعوته.

على الداعية معرفة هموم المدعوين وآمالهم واهتماماتهم وطموحاتهم ومشكلاتهم وتطلعاتهم.

إذا أراد الداعية تأسيس دعوته على تقوى من الله فعليه العناية بصلاح نفسه علميًّا وتربويًّا ونفسيًّا والعناية بصلاح أهله والعناية بصلاح دنياه وتنظيم وقته والاستفادة من التجارب الدعوية السابقة والاهتمام بالحكمة في دعوته ومعرفة واقع المخاطبين؛ حتى يؤدي واجب الدعوة أمام الله.