يتمتع الأفراد والذكاء الاصطناعي بمهارات تكميلية، يعني هذا أن أجهزة الذكاء الاصطناعي جيدة جدًّا في القيام ببعض المهام التي لا يجيد الأفراد القيام بها، كما أن الأفراد يجيدون القيام بمهام محددة يعجز الذكاء الاصطناعي عن القيام بها.
تتميز عقول الأفراد بالقدرة على استخراج المعلومات الصحيحة بسرعة ووضعها في سياق، بينما يحتوي الذكاء الاصطناعي على المزيد من المعلومات التي لا يمكن للفرد الواحد الاحتفاظ بها في ذاكرته. وبذلك نخلص إلى قول إنه لا يمكن استبدال الدماغ بالذكاء الاصطناعي، إلا أنه يمكن استخدام الذكاء الاصطناعي على نحو حكيم في حالة معرفة المهام المميزة الخاصة بكل من عقولنا والذكاء الاصطناعي.
تقول إجابة سؤال عنوان المقال: نعم يمكن ولا يمكن، إذ يمكن لإنسان البقاء على قيد الحياة بنصف دماغ، والقيام بوظائفه اليومية مع وجود بعض الإعاقات البدنية. ومع ذلك تبقى عملية استئصال نصف الدماغ آخر البدائل والحلول، فللمخ ثنايا وتضاعيف أشبه بطيات ثمرة الجوز، وقد اكتشف العلماء أن لهذه التضاعيف تأثيرًا كبيرًا في نشاط الدماغ، يشبه إلى حدٍ بعيد تأثير شكل الجرس في الصوت الناتج.
هذا الاكتشاف يعارض الفكرة الشائعة التي تقول إن وظائف المخ إنما تنشأ من شبكة الوصلات العصبية المعقدة بين مجموعات من الخلايا المتخصصة، التي يُطلق عليها الشبكة العصبية.
استعان الباحثون بنماذج رياضية للتنبؤ بمسار حركة الموجات عبر الأسطح، وانتهوا من ذلك إلى أن شكل السطح الخارجي للمخ قدم صورةً لبيانات الموجات الدماغية أقرب إلى الدقة، قياسًا إلى النموذج المعتمد على الشبكة العصبية.
كما استخدم فريق من الباحثين تقنية التحفيز العميق للدماغ لمساعدة أشخاص مصابين باكتئاب شديد مقاوم للعلاج. تستخدم هذه التقنية أقطابا كهربية لتوصيل نبضات كهربية تعمل على تغيير أنماط النشاط العصبي. بعدئذ، عمد الفريق البحثي إلى رصد وقياس أنماط التعافي كما تبدو داخل أدمغة هؤلاء المرضى.
في تجربة إكلينيكية صغيرة على عشرة أشخاص، انتهز الفريق البحثي فرصة هذا العلاج لغرس أجهزة استشعار تقيس النشاط الدماغي أيضًا، ليتبين بعد 24 أسبوعًا من العلاج أن تسعة مشاركين في التجربة أظهروا تحسنًا ملحوظًا، واستخدمت تسجيلات النشاط العصبي لستة منهم لنمذجة العلاج الناجح على صعيد النشاط العصبي. وقد تساعد نتائج الدراسة يومًا ما على رصد الانتكاسات وضبط وتحسين العلاج والتحقق من نجاحه.
إن الذكاء الاصطناعي يتعلق بالقدرة على التفكير الفائق وتحليل البيانات أكثر من تعلقه بشكل معين أو وظيفة معينة. وعلى الرغم من أن الذكاء الاصطناعي يقدم صورًا عن الربوتات عالية الأداء الشبيهة بالإنسان التي تسيطر على العالم، إلا أنه لا يهدف إلى أن يحل محل البشر. إنه يهدف إلى تعزيز القدرات والمساهمات البشرية بشكل كبير. مما يجعله أصلاً ذا قيمة كبيرة من أصول الأعمال.
شبكة عصبية “سلكية”
المبدأ الرئيس للذكاء الاصطناعي هو أن يحاكي ويتخطى الطريقة التي يستوعب ويتفاعل بها البشر مع العالم من حولنا. الأمر الذي أصبح سريعًا بالركيزة الأساسية لتحقيق الابتكار. بعد أن أصبح الذكاء الاصطناعي مزودًا بأشكال عدة من التعلم الآلي التي تتعرف على أنماط البيانات بما يمكن من عمل التنبؤات، ويمكن للذكاء الاصطناعي إضافة قيمة إلى كل الأعمال.
هذا ساعد كثيرًا في جعل الباحثين في جامعة كاليفورنيا سان فرانسيسكو يطورون “تقويم عصبي للكلام”، وهو جهاز جديد مكَّن رجل مصاب بالشلل من التواصل بطريقة جديدة. ووفقًا للبروفيسور إدوارد تشانج، جراح الأعصاب وكبير مؤلفي الدراسة، فإن هذا يعتبر أول جهاز ناجح لفك تشفير مباشر للكلمات الكاملة من نشاط دماغ شخص مشلول ولا يستطيع الكلام.
كما أنه للمرة الأولى على الإطلاق يتمكن الباحثون من رسم خريطة لشبكة عصبية “لاسلكية” مترامية الأطراف في دودة الربداء الرشيقة. يعتبر الجهاز العصبي بمثابة شبكة من الخلايا العصبية تمرر الرسائل عبر وصلات مباشرة تسمى المشابك العصبية، فالخلايا العصبية يمكنها أيضًا أن تتواصل عبر مسافات متباعدة عن طريق إطلاق جزيئات تسمى البيبتيدات العصبية تلتقطها خلايا عصبية أخرى بعيدة عنها. ودمج كل من الوصلات المشبكية “السلكية” ونظام التأشير “اللاسلكي” معًا، من شأنه التنبؤ على نحو أدق بالكيفية التي يمكن أن تنتقل بها الإشارات العصبية في الدودة، مقارنة بالنموذج الذي يعتمد الوصلات المشبكية وحدها.
عندما تعرض “جيرت-جان أوسكام” لحادث دراجة، أسفر عن دمار الحبل الشوكي برقبته وتركه مشلول القدمين والذراعين، على أن ذراعيه شُلَّتَا جزئيًّا. ولكن ها هو أوسكام يعاود اليوم الوقوف على قدميه والمشي من جديد، وذلك بفضل وصلة لاسلكية بين المخ والحبل الشوكي.
كان أوسكام قد تلقى غرسةً في الحبل الشوكي، من شأنها أن تولّد حركة روبوتية عبر التحفيز الكهربائي مسبق البرمجة. ثم تلقى غرساتٍ دماغية تلتقط نشاط المخ، ثم تنقل الإشارات إلى حاسوب يحمله على ظهره، يتولى بدوره فك تشفير المعلومات وينشط مولد النبضات الشوكية.
هذه الوصلة التي تربط الدماغ بالحبل الشوكي تمنح أوسكام تحكمًا كاملاً في التحفيز، وهكذا يتسنى له المشي وصعود السلالم. يقول أوسكام: “من قبل، كان هذا التحفيز يحكمني. والآن، أنا الذي أحكمه بأفكاري”.
أيضًا غرس باحثون جهازًا في أدمغة أربعة أشخاص للمرة الأولى، لرصد علامات ملموسة على حدوث الآلام المزمنة. سجلت الغرسة الدماغية النشاط الدماغي للمشاركين مرات عديدة على مدار اليوم الواحد ولمدة بلغت ستة أشهر، ثم قارن الباحثون هذه الأرصاد بالأعراض التي ذكر المشاركون أنهم يعانون منها.
كان أحد المشاركين يعاني من الألم الشبحي، إثر بتر إحدى قدميه، أما الباقون فكانوا يعانون من أحاسيس غير مبررة أو غير مفهومة إثر تعرضهم لسكتات دماغية. وكانت الغرسة ترصد حدوث نشاط دماغي في منطقة القشرة الجبهية الحجاجية لدى شعور المشاركين بآلام مزمنة، أما في حالة لمسهم لشيء ساخن، فقد كان يرصد نشاط دماغي في منطقة مختلفة من الدماغ. يقول الطبيب والباحث براساد شيرفالكار الذي شارك في الدراسة: “الألم المزمن إنما هو في حقيقة الأمر مرض قائم بذاته وليس مجرد امتداد للألم على عمومه”.
بعد سنوات من الجدل حول إمكانية تحسين الوظائف الذهنية عن طريق تحفيز الدماغ بالتيار الكهربائي، يشير تحليل ضخم لدراسات سابقة إلى أن الإجابة هي: “ربما” ينطوي التحفيز الكهربائي عبر الجمجمة على إرسال تيار كهربائي ضعيف غير مؤلم إلى الدماغ عبر أقطاب كهربائية مثبتة على فروة الرأس.
وجد تحليل تجميعي لأكثر من مئة دراسة، تدرس نوعًا واحدًا من التحفيز الكهربائي عبر الجمجمة، أن التقنية ينتج عنها تحسن معتدل في الانتباه، والذاكرة، وحل المشكلات. لكن هذه النتائج لم تقنع الجميع. يقول اختصاصي علم الأعصاب، ألفارو باسكوال ليون: “مشكلتي مع هذه الورقة البحثية أنها تجمع في سلةٍ واحدة دراساتٍ تمثل فعليًّا تدخلات طبية مختلفة”.
يمكن العيش بدون دماغ
ذكرت دراسة باسكوال “أنه عندما يكتشف الإنسان وجهًا مألوفًا أو مركبة قادمة يستغرق الدماغ مجرد (حوالي عُشر الثانية) لتحديده، والأهم من ذلك، وضعه في السياق الصحيح حتى يمكن فهمه، ويمكن للفرد أن يتفاعل وفقًا لذلك. وأضافت الدراسة، أنه ليس من المستغرب أن تكون أجهزة الكمبيوتر قادرة على القيام بذلك بشكل أسرع، لكن هل هي دقيقة مثل البشر في العالم الحقيقي؟ ليس دائمًا، وهذه مشكلة، وفقًا لدراسة أجرتها خبيرة تقنيات التصوير العصبي، ماريكي مور.
كما يمكن تعليم أجهزة الكمبيوتر معالجة البيانات الواردة، مثل مراقبة الوجوه والسيارات، باستخدام الذكاء الاصطناعي المعروف باسم الشبكات العصبية العميقة أو “التعلم العميق” وهو عبارة عن (خوارزميات تتم صياغتها بشكل غير مقصود على طريقة عمل الدماغ البشرية) حيث يستخدم هذا النوع من عمليات التعلم الآلي، خلايا عصبية مترابطة في بنية طبقية تشبه الدماغ البشري.
ذكرت الدراسة أنه على الرغم من قوة التعلم العميق، إلا أن الذكاء الاصطناعي لم يتقن بعض الحسابات البشرية، والأهم من ذلك، التواصل والاتصال الموجود بين الجسم والدماغ، خاصة عندما يتعلق الأمر بالتعرف البصري.
قالت مور التي تجري دراسات تجمع ما بين علم النفس وعلوم الكمبيوتر “إنه في حين إن الشبكات العصبية العميقة واعدة، فهي بعيدة كل البعد عن أن تكون نماذج حسابية مثالية للرؤية البشرية“. وأظهرت الدراسات السابقة أن “التعلم العميق” لا يمكن أن يعيد إنتاج التعرف البصري البشري تمامًا، لكن القليل منهما حاول تحديد جوانب الرؤية البشرية التي يفشل التعلم العميق في محاكاتها.
استخدم فريق البحث اختبارًا طبيًّا غير جراحي يسمى تخطيط الدماغ المغناطيسي يقيس المجالات المغناطيسية التي تنتجها التيارات الكهربائية للدماغ. وباستخدام بيانات التخطيط التي تم الحصول عليها من المراقبين البشريين أثناء عرض الكائن، واكتشفت “مور” ومعاونوها الدوليون نقطة فشل رئيسة واحدة، حيث وجدوا أن أجزاء الأشياء التي يمكن تسميتها بسهولة، مثل “العين” أو”العجلة” أو”الوجه“، يمكن أن تفسر التباين في الديناميات العصبية البشرية بالإضافة إلى ما يمكن أن يقدمه التعلم العميق.
تُظهر الدراسة أن الشبكات العصبية العميقة لا يمكنها تفسير الاستجابات العصبية التي تم قياسها في المراقبين البشريين بشكل كامل بينما يشاهد الأفراد صورًا للأشياء، بما في ذلك الوجوه والحيوانات، ولها آثار كبيرة على استخدام نماذج “التعلم العميق” في بيئات العالم الحقيقي، مثل القيادة الذاتية للمركبات.
وقالت مور: “يوفر هذا الاكتشاف أدلة حول ما فشلت الشبكات العصبية في فهمه في الصور، أي السمات المرئية التي تشير إلى فئات الكائنات ذات الصلة بيئيًّا مثل الوجوه والحيوانات”، مضيفة “أقترح أنه يمكن تحسين الشبكات العصبية كنماذج للدماغ من خلال منحهم تجربة تعليمية أكثر شبيهة بالإنسان، مثل نظام التدريب الذي يؤكد بقوة أكبر على الضغوط السلوكية التي يتعرض لها البشر أثناء التطور“.
على سبيل المثال، من المهم للبشر أن يحددوا بسرعة ما إذا كان الكائن هو حيوان يقترب أم لا، للتنبؤ بحركته التالية. قد يفيد دمج هذه الضغوط أثناء التدريب في قدرة مناهج التعلم العميق على نمذجة الرؤية البشرية.
أثبتت بعض الأبحاث أنه يمكن العيش بدون دماغ ولا يشترط أن تمتلك جهازًا عصبيًّا مركزيًّا كي تتقن مهارة التعلم بالربط؛ فها هو قنديل بحر صغير من قناديل البحر المكعبة، التي تعيش في بحر الكاريبي، يتلقى تدريبًا للربط بين إحساس التعثر في حاجز أو عائق ما وبين نمط بصري معين، ولاستخدام هذه المعلومات لتحاشي الاصطدامات المستقبلية.
يحدث التعلم في الأعضاء الحسية الخاصة بقنديل البحر، وهي عبارة عن بنى تحتوي على عيون بدائية بالإضافة إلى مراكز عصبية للتحكم في حركتها النبضية (حيث تطلق هذه المراكز نبضات تؤدي إلى انقباض بطنها مما يسمح لها بالسباحة). ويتطلع جان بيليكي، الباحث في مجال علم وظائف الأعضاء الكهربية والمشارك في الدراسة، إلى الاستفادة من هذه النتائج في تعليم الربوتات التعرف على الأنماط، فيقول: “هذا ما نصبو إليه، أن نعيد إنتاج دماغ قنديل البحر في شريحة”.