موازين في جسم الإنسان والحيوان والطير

قطوف كونية

يوجد نحو 100 تريليون خلية في جسم الإنسان، هل شعرت بوظائفها الأساسية التي تتآزر مع بعضها البعض؟ كما تشكِّل كلُّ مجموعة متجانسة ومتوازنة من الخلايا نسيجًا يكوِّن أعضاءً متناسقة، ثم أجهزة كاملة متميزة تعمل بموازين دقيقة لتحافظ على عافية الأبدان. وإذا اشتكى منها عضو تداعى له سائر الأعضاء بالحمى والسهر. ومن مظاهر هذا التوازن إفراز الجسم (للسيتوكينات والانترلوكينات والانترفيرونات) لتقاوم الجراثيم أو سمومها التي تغزو الجسم. ويتأكد هذا التوازن حين تتأمل أداء أجهزتك وعلاقتها بدماغك، فسيعتريك شعور مدهش من جمال التناسق والتكامل فيما بينها. فإذا واجهت موقفًا عصيبًا يرتفع هرمون الأدرينالين (الهرمونات رسائل كيميائية توازنية دقيقة) ليزيد من معدل ضربات القلب وضغط الدم، وإنتاج الجليكوجين في الكبد، وإمدادات الطاقة، مما يساعدك على الهجوم أو الهروب من ذلك الموقف الخطير. ويتم إنتاجه في الغدة الكظرية بعد أن ترسل أدمغتنا رسالة مفادها أننا نواجه وضعًا متوترًا. وعندما يتراجع الخطر، ترسل إشارات مهدئة لا تستجيب للإجهاد.

وجينيًّا ووراثيًّا.. يشرف الحمض ريبي منقوص الأكسجين (دنا DNA) على تكوين الحمض ريبي النووي (رنا RNA)، ثم بعث رسائل لتكوين البروتينات النوعية، والإنزيمات الخلوية. يوجد نحو مائة وأربعون ألف جين (140000 جين) توسع سعة ميزان تكوين عدد كبير من البروتينات والإنزيمات الخلوية المتناسقة التي تهيمن على التفاعلات الكيميائية الخلوية وتحفز استقلاب السكريات والدهون والبروتينات. وعندما يزداد تركيز غاز ثاني أكسيد الكربون في السائل خارج الخلوي يتم معادلة ذلك بزيادة التهوئة الرئوية مما يؤدي لخفض تركيزه وإعادة ميزانه لنسبته الطبيعية. وبالمقابل يؤدي انخفاضه لحدوث “إشارات راجعة” تزيد من تركيزه ليبقى ميزانه معتدلاً. وهل وقفت على معدل زيادة خلايا الدم الحمراء وخضاب الدم عند سكان الجبال المرتفعة توافقًا مع العيش في بيئة منخفضة الضغط الجزئي، قليلة الأكسجين؟ بينما يؤدي العيش في بيئة باردة إلى فرط نشاط الغدة الدرقية بهدف زيادة معدل الاستقلاب وزيادة توليد الحرارة لتدفئة البدن. ويعمل هرمون الثيروكسين من الغدة الدرقية على سرعة التفاعلات الاستقلابية الخلوية، بينما يؤثر تركيز الكالسيوم (في مصل الدم) في ظهور هرمون الغدّة المجاورة للدرقيّة. كما هل استوقفك اختلاف لون الجلد في البيئة الباردة وفي البيئة الحارة، وكذلك تغيُّرات طول الإنسان كملامح من التوازن الجسدي؟

وعندما يرتفع ضغط الـدم الشرياني يحدث تحـريض مستقبلات الضغط التي تحفز خفضه، بينما يسبب هبوطه حث سلسلة استجابات تؤدي لارتفاعه عبر زيادة نتاج القلب والمقاومة الوعائية المحيطية وتحريض مركـز العطش وإفـراز الهرمون المضاد للإبالة (للإدرار). ويتوافق ضغط الدم الشرياني ومستويات سكر الدم مع مواقف اليوم المجهدة، وذلك بقيادة هرمون الكورتيزول الذي يزداد صباحًا (بين 6-8 صباحًا)، وينخفض مساءً. ويؤثر تركيز الجلوكوز في مصل الدم في إنتاج الأنسولين لتوفير الطاقة اللازمة، فيسهِّل دخول الجلوكوز واستقلابه في الخلايا. وتزامنًا مع نواتج المعدة وإفرازات البنكرياس الخارجيَّة؛ تُفرِز الأمعاء الدقيقة هرمونات لتحفيز أو تثبيط المعدة والبنكرياس توازنًا مع مدى نشاطها.

وإجمالاً.. إن مَن خلق كل ما نراه ونسمعه ونتذوقه ونلمسه ونتخيله، هو نفسه مَن وهبنا (ميزانها): حاسة البصر والسمع والتذوق والإحساس والوجدان. وإن الرحمن الرحيم الذي خلق الكائنات المحتاجة إلى “الرحمة”، هو نفسه من وهب الإنسان مشاعر الرحمة والشفقة.

كل هذه الأمثلة السابقة من توازنات في جسم الإنسان لها نظائرها المتعددة والمتنوعة في باقي المخلوقات. فمثلاً هل كان للطير أن تكتسي ثوبًا أكثر توازنًا مع طيرانها من الريش؟ ولو تتبعت شكل أجنحتها ومساحتها، وعظامها الخفيفة الجوفاء بالغة القوة والمرونة معًا، وتناسب ثقل أجسامها، وشدة عضلاتها الصدرية، وتكوين رئتيها الإسفنجية، وشعبها وأكياسها الهوائية المتصلة بها لكفاءة تبادل الغازات وتخفيف وزن الطائر، لوجدت (ميزانًا من ذهب) يزن بدقة كل تكوينات وخصائص الطير (العجيبة).