للإنسان خمس حواس هي النظر والسمع والشم والتذوق واللمس، وهناك حواس لا حصر لها، تزودنا بمعلومات بشأن وضع أجسادنا من الداخل. أكثر هذه الحواس وضوحًا بالنسبة للإنسان، هي تلك المتعلقة بإحساسه بالجوع والعطش وبالأوجاع التي تصيب أعضاء جسمه الداخلية، وأيضًا تلك الحواس المتصلة بالإحساس بالحاجة إلى إفراغ المثانة أو الأمعاء؛ أو بعبارة أخرى التخلص من الفضلات، أما الحواس الأقل وضوحًا في هذا المضمار، وكذلك التي يصعب على الإنسان إدراكها على نحو واعٍ، فهي المؤشرات الواردة إلى المخ بشأن مستوى ضغط الدم، ومستوى الحموضة في السائل النخاعي، إلى جانب العديد من المؤشرات الأخرى المماثلة.
وبالرغم من أن العلم لا يزال حائرًا أمام تفسير الحاسة السادسة ومترددًا في ضمها إلى دفتر عائلة الحواس الخمس إلا أنني سأقفز على حاجزها إلى الحاسة السابعة لعلي أفوز بقصب السبق في تصنيفها بالحاسة بعد أن أعياها الانتظار في مختبرات البحث باعتبارها ظاهرة مستعصية التفسير.
الحاسة السابعة
الحاسة السابعة هي الإحساس بالزمن أو ما يطلق عليه Time Perception ولتبسيط مفهومها استنادًا إلى الثقافة الشعبية هي إحساسنا على سبيل المثال بأن الأوقات الجميلة تمر سريعًا بينما لحظات الترقب والانتظار تبدو طويلة، وهي كذلك تفاوت تقديرنا لنفس الزمن الذي نعيشه حيث يشعر البعض أن يوم السبت على سبيل المثال هو أطول أيام الأسبوع، والغالبية تشعر أن شهر رمضان هو أقصر شهور العام بينما شوال أطولها، كما يبدو بشكل عام أن هناك إجماعًا بين شعوب العالم على أن السنوات باتت تمر سريعًا ، غير أن نفس هذا الإجماع قد يتفاوت تقديره من شخص لآخر بالرغم من أن عدد أيام العام وساعات اليوم ودقائق الساعة لا يتغير، كذلك كلما تقدم الإنسان في العمر يشعر بأن السنوات تمر سريعًا، وكلما لم يكن راضيًا عن انجازاته يسيطر هذا الإحساس عليه ويشعر أن السنوات تتسرب من بين يديه بشكل سريع ومخيف.
الحاسة السابعة هي وسيلة حسية يمكن الوصول عن طريقها إلى معلومات لا يمكننا الوصول إليها عن طريق الحواس الخمس المعروفة، وهي حاسة تتعدى حدود الزمان والمكان، وهي أرقى من الحاسة السادسة المعروفة بقوة الحس والبديهة، وهي ساعة موجودة دون أن نراها أو ندرك أهميتها، وهي تعمل على تنظيم الدورة اليومية لحياة الإنسان بما فيها النوم وإنتاج الهرمونات ودرجة حرارة الجسم وضغط الدم، وهي بذلك تضبطنا كما يمكننا أن نضبطها.
وكما أن العين تتحكم بالبصر والأنف بالشم والجلد باللمس والأذن بالسمع تتحكم ساعتنا البيولوجية بالحاسة السابعة لدينا، وبإحساسنا بالوقت، وهي معرفة على أنها ضابط إيقاع لحياتك وحياة البشر أجمع، ولكن لا يعرف العلماء بعد موضعها في جسم الانسان.
فعندما يواجه الإنسان أحداثًا مخيفة، أو يتعرض لحادث ما، مثل حادث سيارة على سبيل المثال، تعمل هذه الساعة على تمديد الوقت، فيحصل مايسمى ب Time Dilation
فيتجمد الوقت ويتمكن الإنسان من رؤية كل التفاصيل الدقيقة التي تقع في ثوان قصيرة وبالتالي يتحرك العقل سريعًا لمحاولة تفادي الحادث أو استيعابه، وتعلق عادة في ذاكرة المصاب مشاهد يستحيل رؤيتها على من يتابع الحادث عن قرب دون أن يكون مهددًا بخطره ويصعب أن يستوعب أنها قد وقعت في هذا الوقت القصير مهما كان قريبًا من موقع الحدث… فالساعة البيولوجية تلعب في أحيان كثيرة دورًا دفاعيًّا بمنحها وقتًا إضافيًّا للإنسان عندما يداهمه الخطر حتى يتمكن من التعامل مع حدث طارئ. كما أنها تنظم دورتك اليومية، تنظم نظام النوم وضغط الدم، وكذلك تنظم هرمونات المرأة.
حاسة روحية
الحاسة السابعة هي حاسة روحية، ترى الأشياء على حقيقتها، لا ينالها إلا من صدق وأخلص وحسن خلقه، وكان معتدلاً في معاملاته وأفكاره، وتجمل بالأدب الراقي. من تميز بهذه الحاسة رأى بعين ثالثة هي عين البصيرة التي تدرك ما وراء الحجب، فتختصر له ما يطول على غيره، وقد يكتشف معادن الأشخاص عند أول لقاء، فينتقي الثمين ويتجنب الرديء، ومن فضائل هذه الحاسة أن تجعلك شخصية فريدة بين أقرانك، ذو رأي صائب، ونظر ثاقب، وعقلية رائدة، كذلك فهي تهبك الثقة والعزم والإرادة على تحقيق المستحيل، عندئذ تعبر من محيطك المحدود إلى اللامحدود فتنبغ وتكون من أهل العبقريات الفذة التي تغير في مجتمعاتها لترتقي بها.
ويناقش البروفيسور الأمريكي دانيال سيغل في كتابه “البصيرة” حاسة سابعة يتميز بها الإنسان للنظر بداخل عقله وفهم ما يجري بداخله، ليستطيع التعامل باتزان مع تفاعلات التحديات الحياتية، فيقول: تساعدنا عادة إحساساتنا الخمسة في إدراك عالمنا الخارجي، بالنظر والسمع والشم واللمس والتذوق. أما حاستنا السابعة فهي البصيرة، وهي قدرتنا على النظر لكي ندرك ما بداخل عقولنا، لنعكس بها خبراتنا، وتساعدنا على بناء قوة عقلية اجتماعية وعاطفية، لتنقل حياتنا من تعاسة الفوضى إلى رفاهية النظام والسعادة، لنتواصل بعلاقات إنسانية رائعة، تجمع بين الأخلاقيات والتعاطف والرحمة. وتساعد معرفة أسرار العقل، نجاح الأم في بيتها، والأستاذ في مدرسته، والطبيب في مهنته، والتاجر في تجارته، والقائد في مسئولياته، والسياسي في مهماته، والإنسان بشكل عام في عملية تواصله مع الآخرين.
ويشبه الكاتب البصيرة بعدسة بيولوجية، تساعدنا على إدراك العقل بدقة كبيرة، لندخل في خفاياه، وننظر لأسراره. ولكل منا القدرة على تطوير هذه العدسة بداخله، وحينها نستطيع أن نبحر في بحور العقل ومحيطاته، لنتعرف على خفايا حياتنا، بل وحياة الآخرين من حولنا، وهي إمكانية الإنسان الفريدة للفحص من قرب، وبدقة، وبعمق، وبالتفصيل، الآلية التي يفكر، ويشعر، ويتصرف بها، كما تساعدنا في توجيه خبراتنا الداخلية، ورزانة التفاعل معها، للعمل لبناء مستقبلنا، فهي تجمع بين مهارات ذكاء التواصل الاجتماعي، وقدرات السيطرة على عواطفنا وانفعالاتنا.
والحاسة السابعة، ليست شيئًا نملكه أو لا نملكه، بل هي نوع من الخبرة، نطورها بالجهد والوقت والممارسة، ولم يُتفق بعد على ماهيتها، ولا تزال موضع جدل كما هو الحال مع شقيقتها السادسة، إلا أنه اتضح أن السابعة وضعها أصعب، فالبعض اعتبرها الإحساس بالزمن أو الساعة البيولوجية، والبعض ربطها بالإدراك الروحي أو القدرة على التواصل مع العوالم الأخرى. وربطت عند البعض بالشعور الفائق، واستشعار الأجواء الاجتماعية وفهم المشاعر والانفعالات للأشخاص الآخرين بشكل غير عادي كملاحظة التوتر والانفعالات حتى قبل أن تحدث، فيكون صاحبها حساسًا للجوانب غير الملموسة من التفاعلات البشرية.
وعن الحاسة السابعة تقول المعالجة بالطاقة نوال فليحان لـ”اندبندنت عربية”: إن مركزها الغدة السابعة أو الغدة الصنوبرية التي تقع في الجزء الخلفي للرأس بين الأذنين وتشبه حبة الصنوبر، وهي تعد الجسر بيننا وبين وعينا، وتكون أقوى وأكثر فاعلية لدى الأشخاص الذين يمارسون التأمل، والأشخاص الواعيين لما يقومون به من أفعال وتصرفات على الصعيد الجسدي والعقلي والعاطفي، والمتواصلين مع طاقتهم، ولديهم الصفاء، والسلام والفرح والعطاء، والذين يحيون اللحظة بوعي وقبول وتسليم. ومع الإكثار من التأمل والصلاة نصبح أكثر انفتاحًا واستنارة، وتفعّل لدينا الحاسة السابعة.
وقد رجح العلماء الأقدمون مثل “أفلاطون” و”ابن سينا” و”ابن رشد” أن تكون الغدة الصنوبرية والتي سميت في أبحاثهم بالجسم الصنوبري هي المسؤولة عن الظواهر السيكولوجية الخارقة، ولها دور في الاستشعار وتوارد الخواطر واستشراف المستقبل.
وختامًا: تعرف الحاسة البشرية بأنها طريقة فريدة يتلقى المخ من خلالها معلومات بشأن جسد صاحبه، وكذلك العالم المحيط به، وإذا كان الحال كذلك، فبوسعنا أن نقول وبثقة أن هناك بالقطع لكل إنسان أكثر من خمس حواس… ولا تزال الحواس ما بعد الحاسة الخامسة تتأرجح بين أكف العلم والفلسفة والروحانيات، ولا ترسو في مرفأ العلوم الصرفة، ويبقى لها سحرها، كونها مثيرة للبحث والاستكشاف. ويبدو ما زال لدينا الكثير لنفهمه حول قدرات الإدراك والتواصل البشري في حيز زماني ومكاني.