(الكاتب الموسوعي صاحب المشروع الأدبي والفكري الكبير)
ولد الكاتب والمفكر والشاعر عباس محمود إبراهيم مصطفى العقاد يوم الجمعة 29 شوال 1306هـ / 28 يونيو 1889م.
كان والده أمينًا لدار المحفوظات بمدينة أسوان، وكان جده مصطفى يعمل بعقد الحرير في مدينتي دمياط والمحلة الكبرى، ومن هنا جاء اسم العقاد الشهير، هذا نسبه من ناحية الأب. أما من جهة الأم فله أصول عربية، فالعقاد هو الابن الأكبر للسيدة زنوبة محمد عمر أغا الشريف، وهي حفيدة عمر أغا الكردي الأصل من ديار بكر، وهو أحد رجال الفرقة الكردية التي وجهها محمد على إلى شندي بالسودان.
التحق عباس العقاد بكتاب الشيخ نصير بأسوان عام 1896م وحفظ القرآن وعمره 7 سنوات.
حصل العقاد على الشهادة الابتدائية عام 1903م من مدرسة أسوان الأميرية وعمره أربع عشرة سنة، أغراه صديقه أحمد الجداوي – تلميذ الشيخ جمال الدين الأفغاني – بالقراءة الحرة فلم يفارقها إلى آخر عمره. في صباه طالع كتاب: المستطرف في كل فن مستظرف للإبشيهي، وقصص ألف ليلة وليلة، وديوان البهاء زهير وغيرها. بعد حصول العقاد على الشهادة الابتدائية عمل موظفًا بمدينة قنا سنة 1905م ثم نقل إلى الزقازيق سنة 1907م وفي هذه الأثناء توفي والده فانتقل إلى القاهرة واستقر بها. ضاق العقاد بحياة الوظيفة وقيودها، فلم يكن له أمل في الحياة غير صناعة القلم. اختاره العلامة محمد فريد وجدي ليعمل معه محررًا بجريدة الدستور عام 1907م وفي عام 1908م أحرز نجاحًا باهرًا بحديث أجراه للصحيفة مع وزير المعارف سعد زغلول، تحمل العقاد مع محمد فريد وجدي أعباء التحرير والترجمة والتصحيح من العدد الأول حتى العدد الأخير، فلم يكن معهما أحد يساعدهما في التحرير. وبعد توقف الجريدة عام 1912م عاد إلى الوظيفة بديوان وزارة الأوقاف. لكنه ضاق بها فتركها وعمل بجريدة المؤيد، ثم تركها وعمل مع رفيق عمره الأديب إبراهيم عبد القادر المازني. معلمًا بمدرسة الإعدادية الثانوية بالقاهرة. ثم بمدرسة النيل الخاصة.
بدأت صلة العقاد الحقيقية بالكتابة عام 1917م عندما عمل مع محمد عبد القادر حمزة بجريدة الأهالي التي كان يصدرها في الإسكندرية، وفي عام 1919م عمل العقاد بجريدة الأهرام ثم البلاغ عام 1922م ارتبط العقاد بجريدة البلاغ وملحقها الأدبي الأسبوعي لسنوات طويلة حتى عام 1935م وبعد هذا العام وجه العقاد تدريجيًّا نشاطه إلى التأليف الأدبي والفكري.
مشروع العقاد الأدبي والفكري الكبير.
لم يكتسب العقاد مكانته الأدبية من جاه ولا من وظيفة ولا من لقب علمي، إنما اكتسبها بكفاحه المتصل العنيف الذي يعد به أعجوبة من أعاجيب الزمان النادرة.
وفي هذا المعني يقول شعرًا:
| في أمة الألقاب أسبقتهم | سعيًا بلا نعت ولا لقب |
| في أمة الأنساب أنشئ لي | نسب من العلياء والأدب. |
عُرف العقاد منذ صغره بنهمه الشديد في القراءة، وإنفاقه الساعات الطوال في البحث والدرس، وقدرته الفائقة على الفهم والاستيعاب. وشملت قراءاته الأدب العربي والآداب العالمية (عني العقاد منذ صباه بتعلم اللغة الإنجليزية، ساعدته على تعليمها بيئة أسوان السياحية، واتصاله بعد ذلك بيعقوب صروف صاحب المقتطف، والشيخ رشيد رضا صاحب المنار) فلم ينقطع يومًا عن الاتصال بهما، لا يحوله مانع عن قراءة عيونهما ومتابعة الجديد الذي يصدر منهما، وبلغ من شغفه بالقراءة أنه يطالع كتبًا كثيرة لا ينوي الكتابة في موضوعاتها حتى إن أديبًا زاره يومًا. فوجد على مكتبه بعض المجلدات في الحشرات وسلوكها، فسأله عنها، فأجابه بأنه يقرأ ذلك توسيعًا لنهمه وإدراكه، حتى ينفذ إلى بواطن الطبائع وأصولها الأولى، ويقيس عليها دنيا الناس والسياسية.
كتب العقاد ما يزيد على مائة كتاب، ومئات المقالات التي تنوعت ما بين الفكر والآداب والشعر والسياسة والكتابات الإسلامية والتراجم والسّير.
في العام 1912م بدأ العقاد نشر أول مؤلفاته والذي أصدرته له دار الهلال بعنوان: الخلاصات اليومية، ثم في العام التالي صدر كتاباه: الشذور والإنسان الثاني. وفي العام 1916م أصدر أول ديوان شعري له ثم أتبعه بأجزاء ثلاثة أخرى عام 1932م. ثم توالت سائر مؤلفات العقاد الأدبية والفكرية من نثرية وشعرية فكان من بينها تسعة دواوين شعرية، وساعات بين الكتب والديوان، وسارة، ومن بين كتبة الأدبية ينفرد كتابه عن ابن الرومي بمنزلة ساحقة في ترجمة ونقد الشعر والشاعر.
وفي عام 1941م بدأ العقاد في كتابة مشروعه الإسلامي الضخم (تجاوزت مؤلفات العقاد الإسلامية أربعين كتابًا شملت جوانب مختلفة من الثقافة الإسلامية) بدأه بكتابَيه: عبقرية محمد وعبقرية عمر. وفي السنوات التالية وما تلاها إلى عام 1941م توالت كتبه الإسلامية الأخرى منها: الصديقة بنت الصديق، الحسين سيد الشهداء، عبقرية خالد، داعي السماء بلال، العربية في الحضارة الأوربية، الله، الفلسفة القرآنية، عبقرية الإمام، عبقرية الصديق، الديمقراطية في الإسلام، عبقرية المسيح، فاطمة الزهراء، إبراهيم أبو الأنبياء، عثمان ذو النورين، الإسلام في القرن العشرين، مطلع النور، إبليس، معاوية في الميزان، حقائق الإسلام وأباطيل خصومه، الإسلام والاستعمار، المرأة في القرآن الكريم، التفكير فريضة إسلامية، أثر العرب في الحضارة الغربية.
وكثير من هذه الكتب يرتبط بقضايا ما زال الجدل يدور حولها إلى عصرنا هذا. ومن أشهر كتبه الإسلامية تلك الكتب التي ذاعت بين طلاب المدارس والشباب، إنها كتب العبقريات الإسلامية، عن شخصيات عاشت كلها في صدر الإسلام، والعقاد في هذه العبقريات لا يهتم بسرد الحوادث، وترتيب الوقائع فقط، وإنما يعني برسم صورة للشخصية تُعرفنا بها، وتجلو لنا خلائقه وبواعث أعماله، مثلما تجلو الصورة ملامح من تراه العين. إضافة إلى أن العبقريات تتحدث في مجملها عن الحكم والإدارة السياسية والمدنية لشؤون المجتمع العربي الإسلامي، وعلاقات هذا المجتمع بالمجتمعات المحيطة به في الشام ومصر ودول الشمال الإفريقي، والعراق العربي كما كان يسمى، أو العراق الفارسي كما يسمى عند المسلمين في ديار فارس وخرسان.
وقد كتب العقاد هذه العبقريات كجزء من مشروع فكري إسلامي، تعددت محاوره وقضاياه ما بين اختيار شخصيات بعينها ارتبطت ببناء الدولة، فمفهوم الدولة في هذه العبقريات يقترب من مفهوم الدولة العصرية، وارتبطت كذلك بمفاهيم اجتماعية حديثه، مثل الشورى والديمقراطية. كما أن هذه العبقريات اختيارات ترتبط بشخصية العقاد، فهي رؤيته لدور المثقف الذي يجب أن يحارب التضليل الفكري، ويخرج على كل ما هو تقليدي وثابت، ويطرح الأسئلة المختلفة لبناء العقل الحديث، وهو ما نجده لدى العقاد في الشعر وفي كل معاركه الأدبية والفكرية. وبعد توالي العبقريات الخمس (عبقرية محمد، عبقرية أبي بكر الصديق، عبقرية عمر بن الخطاب، عبقرية علي بن أبي طالب، عبقرية خالد بن الوليد) أضاف العقاد دراسة عن الحسين سيد الشهداء، ودراسة عن السيدة فاطمة الزهراء، وأخرى عن عثمان بن عفان، والسيدة عائشة أم المؤمنين، ومعاوية بن أبي سفيان، وعمرو بن العاص، لتكتمل الصورة والمسيرة المقصودة من العبقريات.
كما ألف العقاد في مجال الدفاع عن الإسلام عدة كتب، يأتي في مقدمتها: حقائق الإسلام وأباطيل خصومه، والفلسفة القرآنية، ومطلع النور، والديمقراطية في الإسلام، والإنسان في القرآن الكريم، والمرأة في القرآن، والإسلام في القرن العشرين، وما يقال عن الإسلام.
والعقاد في هذه الكتب يدافع عن الإسلام أمام الشبهات التي يرميه بها خصومه وأعداؤه، مستخدمًا علمه الواسع وقدرته على المحاجاة والجدل وإفحام الخصوم بالمنطق السديد.
هكذا قيض الله لعبقرية العقاد أن تجتمع في آفاقها شتى الكفايات، وأعظم المواهب، وتلتقي في رحابها أرقى الملكات، فإذا هي تشرق على العالم العربي في عظمة وجلال. متعددة الألوان والأشكال، مكتنزة الذخائر، عارمة القوى، عميقة الوعي، فياضة الإنتاج. فلا جرم يكون لها السبق والرجحان في مجالات النقد، والتراجم، والشعر، والنثر، والتاريخ، والفلسفة.
فكان لا بد لكاتب مثله أن يلقي التقدير والحفاوة لذا انتخب عضوًا بمجلس النواب عام1934م، ونال عضوية مجمع اللغة العربية بالقاهرة عام1940م، كما اختير عضوًا مراسِلاً ﻟمجمع اللغة العربية بدمشق ومثيله ببغداد، ثم انتخب عضوًا بمجلس الشيوخ عام 1940م ومُنح جائزة الدولة التقديرية في الآداب1960م غير أنه رفض تسلُّمها، كما رفض الدكتوراه الفخرية من جامعة القاهرة.
ترجمت الكثير من كُتب العقاد إلى اللغات الأخرى، واشتهر بصالونه الأدبي الذي كان يعقد في صباح كل جمعة، وكان أدبه ميدانًا لأطروحات جامعية كثيرة تناولته شاعرًا وناقدًا ومؤرخًا وكاتبًا. انتقل العقاد إلى رحاب ربه ولقاءه في 26 شوال 1383هـ 12 مارس 1964م بعد أن وقف حياته كلها على خدمة الفكر الأدبي والإسلامي رحمه الله.
وختامًا:
هذه القصيدة الشعرية من نظم العقاد، كان يشدو بها على مئذنة مسجد منصور بأسوان قبل أذان الجمعة وهو صبي:
| عباس من هو في الأشعار مدرار | عباس من هو في الميدان مغوار |
| عباس من هو في الحق الذي ظهرت | آياته: منطق للحق جبار |
| عباس من ليس يثنيه أخو رغب | له بجدواه أحلاه وأمرار |
| القائل القول يعي كل ذي لسن | له القول معيار ومسبار |
| والفاعل الفعل لا ينبغي لمطمعة | إذا كل ما فيه إعطاء وإيثار |
| والعاشق الحسن لا يبغيه منفعة | كما ابتغى الحسن مستام وسمسار |
| الآخذ الدين أخذ العقل يدرسه | فلا هراء ولا حجب وأستار |
| والآخذ العقل أخذ الدين يخدمه | وكعبة العقل فيها الضيف والجار |
| قضى سدانته في قدس مكتبة | أملاكها كتب تهدى وأسفار |
| يرى الحقيقة بالعين التي علمت | وبالفؤاد الذي هيهات يحتار |
| ويبصر الحق عن بعد وإن غشيت | عنه عيون كليلات وأبصار |
| ويشحذ السيف سيف الحق يعمله | في أرؤس الإفك ما ماروا وما جاروا |
| لا يستكين لأمر ليس يقبله | وليس يقبل أمرًا فيه إهدار. |