(قطوف كونية)
يرتبط الطيران ـ في الأذهان ـ بالطيور والحشرات المجنحة، لكن توجد ثدييات وهبت المقدرة على الطيران. والثَّدْيِيَّات (جمع “ثَدْيِيّ”) / ذَوَاتُ الأَثْداء/ “لبونات” (Mammalia). وتتميز عن غيرها من الفقاريات (Vertebrata) بخصائص: تتكاثر بالولادة، وذات أثداء لرضاعة صغارها، وجلدها (مع بعض الاستثناءات) مغطى بشعر/ فراء/ وبر، وذوات دم حار، وثلاث عظيمات للسمع بالأُذن الوُسطى، ومنطقة قشرة مُخيَّة في الدماغ. ويوجد نحو 5500 نوعًا من الحيوانات الثديية في العالم. وكان يعتقد أن الخفافيش من فصائل الطيور، لأنه يطير، رغم أن جسمه مغطى بوبر أقرب إلى الشعر منه إلى الريش، وله أسنان بدلاً من المنقار، ولا يضع بيضًا كالطيور، بل تلد الأنثى صغارها وترضعها من ثدييها لذلك صنفت ضمن الحيوانات الثديية. وتصل أنواعها إلي ألف نوع أي نحو خمس أنواع الثدييات كلها. فهي تحل المرتبة الثانية بعد القوارض من حيث أعداد أنواعها. والخفافيش مجموعة شديدة التنوع وتتكيف ـ بكفاءة ـ مع بيئاتها المتنوعة (من حارة ومعتدلة المناخ). ربما يعود السبب في الانتشار الكثيف الخفافيش إلي مقدرتها على الطيران التي تتيح لها الاستفادة من الموارد التي لا تستطيع غيرها من الثدييات الوصول إليها. فلم يحدث أن قام أي من الثدييات الأخرى بغزو عنان السماء.
وتقسم “الثدييات الطائرة” لقسمين: مجنحات الأيدي “ضخمة الحجم”، أو “الوطاويط”، أو “الثعالب الطائرة”. فوجهها يشبه وجه الثعلب، وفروها طويل ناعم كثيف، ولا وجود للذيل، وآذانها صغيرة، وعيونها كبيرة وحاستا البصر والشم قويتان جدًّا. وهي تعيش في المناطق الحارة، وتشمل الأنواع آكلة الفاكهة والثمار (كالمانجو واللوز). وتساعدها أنيابها وضروسها على تحطيم الثمرة وبذرتها وامتصاص كل شيء فيها ورمي اللب غير المستحب. أما القسم الثاني: مجنّحات الأيدي “صغيرة الحجم”، وتضم باقي أنواع الخفافيش وإن كان بها بعض الأنواع الكبيرة الحجم نسبيًّا كخفاش “حدوة الحصان”، والخفاش لاعق الدماء. وهي تعيش في كل أنحاء العالم، وعادة ما تنشط ليلاً، وتتغذى على الحشرات. وتتميز بأنها ذات عيون صغيرة، آذان كبيرة لأنها تعتمد أساسًا على رصد الصدى. ووفق نوع الغذاء.. تبرز أنواع “الخفافيش اللواحم”/ آكلة اللحوم كالخفاش لاعق الدماء. أما الخفافيش “مصاصة الرحيق” فلها ألسنة طويلة تلعق بها رحيق الزهور، مما يفيد في عملية تلقيح الكثير من النباتات. حيث تنتج تلك النباتات زهورًا بيضاء كبيرة براقة، ولها حبوب لقاح، ورحيق قوي جذاب. ولا تتعاظم هذه “المغريات” إلا في فترة نشاط الخفافيش. لذا تلعب الخفافيش دورًا هامًّا في التوازن البيئي، حيث تضبط الأعداد الهائلة للحشرات الليلية كالبعوض كما تساهم في تلقيح النباتات، لذلك يلزم توفير الحماية لها.
معظم أنواع الخفافيش تطير ليلاً وتختفي نهارًا (حيوانات ليلية). وقد وهبت خاصية إدراك الأهداف وشق طريقها وسط الظلام الدامس بدقة تفوق كثيرًا دقة الرؤية. وذلك عن طريق “الصدى” أي الانعكاسات الصوتية التي تصدر عن الأشياء (تولد الخفافيش موجات فوق صوتية قد تصل إلى 100 كيلوهرتز)، ولا يمكن للأذن البشرية تحسسها نطاق السمع الواضح للأذن البشرية يتراوح تردداته ما بين 20 هرتز- 20 كيلوهرتز (20.000 ذبذبة/ ثانية). وتتمتع الخفافيش بحاسة سمع حادة تستفيد منها في تحديد “خارطة” البيئة والمكان الذي ارتد منه الصوت، وتحليل حجمه، ونوعه، ومسافته، وإذا كانت صدًى لفريسة أم لا. وهي لا تسمع سوى صوتها، فتقوم بتسجيل نبضات الأصوات الصادرة ومقارنة الأصوات الأصلية مع رجع الصدى. كما يقوم بتعديل الموجات الصوتية التي يرسلها إلى هدف متحرك وكأنه يعرف تأثير “دوبلر”.
ففي دماغ الخفاش نوعان من الخلايا العصبية التي تتحكم بأنظمة السونار، الأولى: تتحسس الصدى المنعكس، والثانية: تصدر الأوامر إلى العضلات لتولد نداءات مركز الصدى. وتعمل هذه الخلايا بتزامن متقن حتى إن انحرافًا بسيطًا في الإشارات المنعكسة يعطي إنذارًا للأخرى، ويولد ترددًا في النداء الذي يتناغم مع تردد الصدى. وهكذا تتغير درجة الصدى عند الخفاش بالتوافق مع المحيط للحصول على أفضل أداء. وقد ثبت ذلك تجريبيًّا عبر دراسات معملية عدة من المختصين. وتم محاكاة هذه الظاهرة الفيزوبيولجية عبر اختراع أجهزة “الرادار”. وهناك أنواع من الخفافيش كالثعالب الطائرة لا تمتلك هذا الجهاز، ولا تعتمد على حاسة السمع. لكنها تتميز بحاستي البصر القوية والشم الفائق لإيجاد الثمار والأزهار التي تتغذّى بها.