تمكن فريق بحثي تابع للأكاديمية الصينية للعلوم عام 2021م من استخدام نظام كيميائي أنزيمي هجين لتحويل غاز ثاني أكسيد الكربون إلى نشا مصنع ذي كفاءة وفاعلية عالية، تجاوزت كمية النشا المنتجة من الذرة طبيعيًّا بثمانية أضعاف ونصف في فترة زمنية تقدر بحوالي أربع ساعات فقط مقارنة بالنشا المتكون في الذرة في عملية البناء الضوئي عبر دورة “كالفن”، التي تستمر لفترة تصل مائة وعشرين يومًا.
قبل التطرق للحديث حول هذه التقنية يجب أن نقف أولاً حول:
الأهمية الاقتصادية للنشا
يستخدم النشا في تطبيقات متنوعة، منها الصناعات الغذائية والشراب للإنسان، مرورًا بتغذية الحيوان، وتطبيقات الطب والدواء مثل تخفيض نسبة الجلوكوز وتحسين الحساسية للأنسولين، ثم التطبيقات الصيدلانية ومستحضرات التجميل، وتقنيات تخفيض الوزن، وتطبيقات امتصاص العناصر الثقيلة وصناعة الأوراق والتغليف، وتطبيقات الوقود الحيوي والبوليمرات.
ما أنواع النشا وما الفرق بينها؟
قسَّم العلماء النشا إلى نوعين أساسيين وهما الأميلوز والأميلوبكتين، حيث يتكون الأميلوز من روابط ألفا جليكوسيدية فئة 1,4، بينما يتكون الأميلوبكتين من روابط جليكوسيدية فئة 1,6. والفرق أن الأميلوز يحمل روابط خطية، بينما يحمل الأميلوبكتين روابط متفرعة. والملاحظ في أغلب المحاصيل والنباتات المنتجة للنشا، أن كمية الأميلوبكتين في الغالب أكبر من كمية الأميلوز.
ولكي يتمكن القارئ الكريم من معرفة التقنية التي تناولتها الدراسة العالمية لإنتاج النشا المصنع، لا بد أن نتعرف أولاً على:
كيفية إنتاج النشا داخل النباتات
ينتج النبات النشا عبر عملية البناء الضوئي، حيث يحوّل ثاني أكسيد الكربون والماء الموجود بالتربة في وجود الشمس إلى غاز الأوكسوجين وسكر الجلوكوز.
ويقوم النبات بإنتاج ATP, NADPH في فترة النهار عبر البلاستيدات الخضراء، ثم يحوِّل النبات 1,5 Rb loseBiphosphate إلى Glceraldeh de-3-Phosphate، الذي بدوره يتحول إلى سكر الجلوكوز، والذي ينتج من خلاله النشا، ثم جزء آخر منها يكمل دورة “كالفن” مرة أخرى.
حيث يتحلل الماء الموجود بالتربة إلى ثلاثة عناصر رئيسية، هي الأكسجين الذي يخرج للهواء الجوي، ثم الإلكترون الذي ينتقل في ضوء الشمس من النظام الضوئي الثنائي إلى النظام الضوئي الأولي، ويتحد مع الفيروكسين مكونًا NADPH، ثم ينتقل عنصر الهيدروجين من الوسط الأكثر تركيزًا إلى لوسط الأقل تركيزًا في العلمية الأسموزية، ليتحد عنصر الهيدروجين بـADP، لينتج ATP كما هو موضح بالشكل.
مقارنة بين إنتاج النشا طبيعيًّا وصناعيًّا
تعدُّ عملية إنتاج النشا طبيعيًّا عبر الخلايا عملية في غاية التعقيد، حيث تستغرق العديد من التفاعلات الكيميائية التي تصل لأربعة وستين تفاعلاً في فترة زمنية كبيرة قد تصل في الذرة إلى مائة وعشرين يومًا، مع قلة كفاءة النشا المصنع وتعقيده، بينما تنتج الأنظمة الهجينة (الكيموأنزيمية) النشا في فترة زمنية قدرت بحوالي أربع ساعات فقط، وبعدد من التفاعلات لا يتجاوز أحد عشر تفاعلاً، وذلك باستخدام 22 نانو مول من co2/دقيقة في وجود مليجرام من المادة الحفازة. ونجحت التجارب في إنتاج ثمانية أضعاف ونصف من النشا المصنع مقارنة بالنشا الطبيعي في الذرة.
كيف يتم بناء هذه الأنظمة الهجينة؟
يتم بناء هذا النظام الهجين باستخدام برامج الحاسوب، مثل البايثون، الذي يرشح للعلماء مسارات التفاعلات، وذلك في وجود عناصر وسيطة مثل Formic Acid, Methanol.
وذلك في عدة مسارات منها C1, C3, C6 مع قيام العلماء بعمل توليفات من الأنزيمات المختلفة، ودراسة نتائج الخلط على كميات النشا المنتجة كما بالرسم.
تمكن العلماء من تحويل ثاني أكسيد الكربون إلى عنصر الفورمالدهيد عبر المسار C1 Modعز وجلle في وجود الميثانول وأنزيم Aox، ثم تحويل الفورمالدهيد إلى GAP عبر مسار C3 Modle في وجود tpi, dak, fls كأنزيمات، مما سهل زيادة إنتاج DHA وتقليل نسبة السمية في عنصر الفورمالدهيد. كما تمكن العلماء من تحويل GAP إلى G-6-p في وجود fbp, pgi عبر المسار C6 modle، ثم ختامًا تحويل G-6-p إلى النشا عبر المسار Cn Mod le في وجود pgm, agp كأنزيمات. وبذلك نجحت تجارب العلماء في تحويل co2 إلى نشا مصنع في عدد من التفاعلات بلغ 11 تفاعلاً فقط كما بالشكل التالي:
نتائج هذه الدراسة
لاحظ العلماء أن هناك تنافسًا بين DHA, dak، مما تسبب في حدوث تنافس بينهما أدى لتقليل إنتاج النشا على الرغم من إدخال أنزيمات في التفاعلات مثل pgi, tpi, fba, fbp، عندما استبدل العلماء الـ dak بأنزيم agp لاحظ العلماء زيادة إنتاجية النشا بشكل ملحوظ.
وتمر عملية تصنيع النشا بمرحلتين هما:
أولاً: المرحلة الكيميائية
تحدث هذه المرحلة داخل وحدة التفاعلات الكيميائية، وفيها يتم هدرجة غاز ثاني أكسيد الكربون في وجود 25 جرام/ساعة من المخفز Zno-Zro2، وهنا يحدث تكثيف للميثانول بعد ساعة واحدة ليدخل وحدة التفاعلات الأنزيمية بمعدل 100 ملي مول.
ثانيًا: المرحلة الأنزيمية
وفيها يدخل الميثانول إلى وحدة التفاعلات الأنزيمية بالمعدل سالف الذكر، ليتم تحويله إلى DHA بواسطة أنزيمي aox, fls، وذلك بعد مدة زمنية تقدر بساعتين. وهكذا نجح النظام في وجود أنزيمات النظام الهجين في إنتاج الأميلوز بعد 4 ساعات بمعدل 1.6 جرام/ لتر وإنتاج الأميلوبكتين بمعدل 1.3 جرام/لتر.
جودة النشا المصنع
لعل القارئ الكريم يتساءل: وماذا عن كفاءة النشا المصنع بواسطة هذه الأنظمة الهجينة؟
والجواب: إن العلماء قاموا باختبار النشا المصنع وعمل اختبارات الامتصاص الخاصة به باستخدام مادة الأجودين Iodine، ووجدوا تماثل النتائج مع النشا الطبيعي على حد سواء، وأن الفرق الجوهري هو اختلاف اللون، فالنشا الطبيعي يحمل اللون الأبيض، بينما النشا المصنع له لون بني محمر.
كما قام العلماء باختبار استجابة وحساسية النشا المصنع والنشا الطبيعي لجهاز N clear Magnetic Response، وأثبتت النتائج تماثل النشا المصنع بصورتيه الأميلوز والأميلوبكتين مع النشا الطبيعي بصورتيه الأميلوز والأميلوبكتين، مما يعكس فاعلية وكفاءة الإنتاج للنشا المصنع.
ما زالت بحوث العلماء مستمرة للحصول على نشا يصلح بأن يكون بديلاً للنشا الطبيعي، خاصة في عمليات الغذاء للإنسان والحيوان. وهذه الدراسة بلا شك فتحت الباب على مصراعيه، لاستخدام النشا المصنع في تطبيقات التصنيع الحيوي المختلفة. وما زال المستقبل يحمل الكثير والكثير حول الأبحاث المتعلقة بإنتاج النشا الصناعي عبر الأنظمة الكيميائية الهجينة.
(*) كاتب وباحث مصري، دكتوراة بجامعة وسط الصين الزراعية في ووهان / الصين.