رمضان وتطهير القلوب

ابنُ المُقْرِي:

إسماعيلُ بنُ أبي بكرِ بنِ عبدِالله بنِ إبراهيم الشَّرْجِيُّ (نسبة إلى شرجة من سواحل اليمن)، الحُسينيُّ (نسبة إلى قرية أبياتِ حُسين المَهجورة حاليًا، شمالَ مدينةِ زبيد)، الشَّاوَرِيُّ (نسبة إلى قبيلة بني شَاوَر من بُطونِ حاشِدٍ) اليَمَنيُّ، لقبُه شرفُ الدين، وكُنيتُه أبو محمد، ويقال له: ابنُ المُقرِي الزَّبيدِي، أو إسماعيلُ ابنُ المُقْرِي، فقيهٌ شافعيٌّ مُحَقِّق وعالم مسلم من أهل اليمن، ولد عامَ خمسةٍ وخمسينَ وسبعِمئةٍ للهجرة (755هـ/ 1354م)، اهتم بالفقه دراسةً وتدريسًا بتَعِزَ وزَبيدَ، ووَلِي إمرةَ بعضِ البلادِ في دولةِ الأشرافِ، وكان بارعًا في الأدب واللغة والشعر والتأليف والكتابة نظمًا ونثرًا، وله مؤلفات عديدة في الفقه والأدب والشعر واللغة والتاريخ… وغيرها، ومات في زبيدَ، يومَ الأحدِ، مُنْتَهى شَهْرِ صَفَرٍ سنةَ سبعٍ وثلاثينَ وثمانِمِئةٍ للهجرة (837هـ/ 1433م)، من مؤلفاته: عنوانُ الشرف الوافي، وإرشاد الغاوي إلى مسالك الحاوي (في فروع الشافعية) الذي اختصر به كتاب الحاوي الصغير للقزويني.

له شعرٌ رائقٌ جارٍ على طريقتِه البديعةِ الغريبةِ في التأليفِ، أشهره القصيدة المُخلَّعة التي تُقرَأُ على وُجوهٍ كثيرة، ومن شعرِه الذي يتحدثُ فيه عن وداع شهر الصومِ والمباركِ، يقول من البحر الوافر:

تَولَّى بعدَما غَسَلَ الذُّنوبَا  وَطَهَّرَ مِنْ خَطاياها القُلُوبا
وَزَكَّى بالعِبادَةِ كلَّ نَفْسٍ   وَأَعْطى كُلَّ جَارِحَةٍ نَصِيبا
شَفى شَهْرُ الصيامِ صدورَ قومٍ  بِها الأَسْقامُ قَدْ جَعَلَتْ نُدوبا
وَكانَ لَنا – وَقَدْ وَافَى – طبيبًا  وَصارَ لنا – وَقَدْ وَلَّى – حَبِيبا
فَوَا أَسَفِي عَليها مِنْ لَيالٍ  وَإِنْ أَوْلَيْتِنا العَهْدَ القَريبا
لَيالٍ لا تُشابِهُها اللَّيالِي  وَلا يَحْكِينَها حُسْنًا وطِيبا
إِذا ما الفَخْرُ غَالَبَنَا عليها   ظَلَلْنَا يَوْمَنا نَرْعَى الغُرُوبا
وَأَيَّامٍ، وَحُسْنِكَ فَرْحَتَاها  إِذا ما الشَّمْسُ قَارَبَتِ المَغِيبا
وَعِنْدَ لِقَا الإِلهِ، وَهَلْ كَبُشْرى   بِلُقْيَاها، يَكونُ لَنا مَثِيبا

(2) وقال أيضًا من الكامل:

عاملتَ ربك، وانتدبتَ خِصالا  يَرْضى بها سبحانه وتعالى
فتهنَّ من طاعاتهِ ما نلتَهُ  سهلًا، وعَزَّ على الملوك مَنالا
ما قد رأى رمضانُ يومًا سرَّهُ   في دار مُلْكٍ مِثْلَ دارِكَ حالا
أَرْضَيْتَ ربَّكَ فيه، حينَ شَحَنْتَهُ   لَيْلاً عَلى تَقْوى الإِلهِ رِجالا
وشعائرُ الرحمنِ فيهِ مُقامَةٌ  بالمُلْكِ يحيى، واتَّسَعْنَ مَجالا
فَتَراهُ يَرْفُلُ في مَلابيسِ التُّقى  وَيَظَلُّ يَزْهو بالصِّيامِ جَمالا
والصُّبْحَ يَسْتَمِعُ الحديثَ عنِ النَّبِي   أَكْرِمْ بذاكَ مَقالةً وفِعالا
والليلَ يُصْغِي للصَّلاةِ وللنَّدى  وَلِمَنْ أَطابَ تِلاوَةً وَأَطالا
هذا الوداعُ لَهُ، وَهذي ليلةٌ  عَنْ أَلْفِ شَهْرٍ قَدْرُها قَدْ طالا
تَتَنَزَّلُ الأَمْلاكُ مِنْ رَبِّ السَّما  والروحُ فيها نَحْوَكُمْ أَرْسَالا
فاسْتَبْشِروا بِجَوائِزٍ مِنْ رَبِّكُمْ  فِيها يُضاعِفُ بِالجَزَا أَعْمالا