لم تحظ عبادة من العبادات بقدر ما حظيت به الصلاة من الاهتمام سواء في القرآن أو السنة حتى أصبحت عماد الدين، ورأس العبادات، وعلامة اليقين، وأفضل القربات. فللصلاة في الاسلام شأن عظيم وقدر كبير وأهمية بالغة، ومكانة سامية فهي من الإسلام بمنزلة الرأس من الجسد، فكما لا يتصور قيام جسد بلا رأس، كذلك لا يتصور قيام إسلام بغير صلاة، والصلاة عبارة عن رياضة جسدية وروحية وعقلية، وإذا ما داومنا على الصلاة، فإننا نحافظ على أجسامنا سليمة، وعلى نفوسنا مستقرة وهادئة وعلى عقولنا متزنة. ويحتاج جسم الإنسان المكون من عظام ومفاصل وعضلات وشرايين وأوردة وأعصاب، إلى تزييت وتشحيم كل يوم بالحراك، لأن الراحة التامة والنوم يصيبها بالكسل والملل وعدم الكفاءة في ظروف أخرى تتطلب مجهودًا أكبر، ولعل جلطة الساقين الوريدية أو وجع الظهر تأتي الأفراد الذين يؤثرون الراحة التامة. وفي الصلاة تتحرك كل عضلة من عضلات الجسم صغرت أم كبرت، وفي هذا صيانة وتقوية لها، فالصلاة رياضة بدنية ممتازة تتحرك فيها المفاصل والعضلات وتنشط فيها الدورة الدموية، فما بالك بخمسة تمرينات رياضية تتكرر العديد من المرات كل يوم.
مواقيت الصلاة
ترتبط الصلاة بمظاهر كونيّة ثابتة، أثبتت البحوث العلمية والطبية الحديثة أنها تتوافق مع ذروة النشاط العضوي للجسم، ممّا يؤدي إلى ضبط إيقاعه خلال اليوم من خلال توليد الطاقة المتجددة. فعند أذان الصبح والذي يعتبر بداية بزوغ الفجر يبـدأ إفـراز الكورتيزون في الجسم بالازدياد، كما يتلازم مع ارتفاع في ضغط دم الجسم مما يشعر الإنسان بالحيوية والنشاط في هذا الوقت. وفي وقت الفجر تكون نسبة غاز الأكسجين مرتفعة في الجو وكذلك غاز الأوزون أيضًا والذي ينشط الدورة الدموية والجهاز العصبي والعضلي. أما عند صلاة العشاء فيفرز الجسم مادة الميلاتوئين التي تؤدي إلى استرخاء الجسم وتهيئته للنوم، وفي هذا الوقت تأتي صلاة العشاء ليختم بها المؤمن صلواته اليومية ويخلد بعدها للنوم.
حركات الصلاة
القيام في الصلاة خير وسيلة لتنشيط الدورة الدموية التي تنشط كافة الأجهزة، ولذا تعتبر الصلاة منشطة للهضم وفاتحة للشهية، ونرى أن أوقاتها تتناسب وهذه الحكمة تناسبًا تامًّا، ففي الصباح قبل الإفطار، وفي الظهيرة قبل الغذاء، وفي العصر حيث الإنسان بين وجبتي الغداء والعشاء، وفي العشاء حيث يكون الهضم قويًّا.
اتضح أن التمرينات الرياضية هي الأساس في بناء الجسم السليم الذي لا بد منه لوجود العقل السليم، وأن أداء الصلاة خمس مرات كل يوم خير وسيلة لجني فوائد التمرينات الرياضية، فأوقاتها أنسب الأوقات التى يوصى فيها بأداء التمارين، فقبل شروق الشمس حيث الجو النقي وحيث الجسم ما زال متأثرًا بالنوم، وفي الظهيرة حيث قد حل بالجسم تعب العمل، وفي العصر حيث قارب يوم العمل أن يتنهي وأسرع إلى الجسم الكد والتعب، وفي الغروب حيث ينتهي ويبدأ الإنسان يستعد لراحة الليل، وفي العشاء حيث يختم الإنسان يومه.
الصلاة والحالة النفسية
إن فوائد الصلاة للإنسان من الناحية النفسية أكثر من أن تحصى وأهم من أن تذكر، ففي الصلاة يتذكر الإنسان ربه وأن بيده سبحانه وتعالى الأمر كله وأن الإنسان في هذه الحياة لا يكافح وحده، وأن للعالم خالقًا بصيرًا حاكمًا عادلاً، فإذا ما ظلمه ظالم، أو جار على حقه جائر، فوض أمره إلى من تقوم السماوات والأرض بأمره. وإذا حزبه أمرٌ أو ضاقت به زحمتها، لجأ إلى الله الذي وسعت رحمته كل شئ، فمن يملك الأمر سواه… ومن يقدر على كل شيء غيره.
إن هذا الإحساس يحيط الإنسان في حياته بجو من الهدوء والاطمئنان النفسي الذي يعينه على الاستمرار في حياته بصحة جسيمة وراحة عقلية واطمئنان حسي، أما اختزالها في الذهن واستئثار المرء بها فإنه كفيل بخلق التوتر العصبي.
تقول الدكتورة ” روز هفلردنج ” المستشارة الطبية لمستشفي بوسطن: “إن من الأدوية الشافية للقلق إفضاء الشاكي بمتاعبه إلى شخص يثق به.” وحين يتحدث المرضى عن متاعبهم بإسهاب وتفصيل ينتهي القلق من أذهانهم، فإن مجرد إفضاء الشكوى فيه شفاء.
فوائد السجود الصحية
أكدت دراسة علمية أن حركات أداء الصلوات الخمس بالغة الفائدة على الدورة الدموية الدماغية، وذلك لتزايد سريان الدم إلى المخ أثناء السجود بفعل ميل الرأس إلى أسفل، إضافة إلى أن انطواء الجسم على نفسه أثناء السجود يساعد على توجيه الدم من الأطراف إلى الأعضاء الداخلية والمخ.
وقد أجرى هذه الدراسة اختصاصي الجراحة العامة الدكتور عبدالله محمد نصرت، تحت عنوان “أثر الصلاة على كفاءة الدورة الدموية بالدماغ” ونشرت ضمن بحوث العلوم الإنسانية والحكم التشريعية للهيئة العالمية للإعجاز العلمي في القرآن والسنة.
وأشارت إلى أن تكرار ميل الرأس إلى أسفل أثناء الركوع والسجود ثم ارتفاعه أثناء القيام والجلوس يساعد في المحافظة على نظام التوازن التلقائي للدورة الدموية في المخ، لا سيما وأن وظيفة هذا النظام التلقائي تضعف مع تقدم العمر.
كما أن زيادة توارد الدم إلى منطقة الرأس يساعد على تنشيط الدورة الدموية بالوجه والرقبة ويكسبها نضارة وحيوية خاصة في الطقس البارد.
– يتعرض الإنسان خلال اليوم لمزيد من الشحنات الالكتروستاتيكية “الكهربائية الساكنة “من الغلاف الجوي وهي تتركز على الجهاز العصبي المركزي، ولا بد من التخلص منها حتى لا تؤدي إلى حدوث متاعب غير محتملة كالإحساس بالصداع وتقلصات عضلية وآلام بالرقبة. وقد وجد أن وضع السجود هو أنسب الأوضاع للتخلص من هذه الشحنات لأنه بمثابة توصيل الجسم بالأرض التى تبددها وتمتصها تمامًا وبهذا ينخفض الضغط الالكتروستاتيكى على المخ وينجو الساجد بفضل الله من الإصابة بالاضطرابات النفسية وانفصام الشخصية (الشيزوفيرينيا).
– يساعد السجود على نظافة الجيوب الأنفية بسحب إفرازاتها أولاً بأول، وبالتالي تقل فرصة التهاب هذه الجيوب. وكذلك الأمر بالنسبة للجيوب الإسفينية Sphenoidal) ) والتصفوية (Ethmoidl) والجبهية.(Frontal).
– يساعد وضع السجود على تخفيف الاحتقان بمنطقة الحوض وبالتالي يساعد على الوقاية من الإصابة بالبواسير وحدوث الجلطات بالأوردة. كما أنه يساعد على التخلص من الإمساك. ويعتبر من أنسب الأوضاع لعلاج سقوط الرحم الخلقي لدى الإناث وقد اكتشفت فوائد هذا الوضع حديثًا ولهذا ينصح به أطباء النساء والتوليد في علاج بعض الأعراض وقد أطلقوا عليه وضع” الركبتين والصدر”.
– يساعد السجود على مرونة مفاصل الجسم خاصة العمود الفقري ويحميها من الخشونة والتيبس وهو بمثابة تدليك خفيف لجميع عضلات الجسم، كما أنه يساعد على عودة الدم الوريدي إلى القلب فينشط الدورة الدموية.
– وتحصي حركات الرأس المفاجئة في كل ركعة من ركعات الصلاة بست مرات، أي أنها تتكرر [102] مرة في الصلوات المفروضة يوميًّا، ناهيك عن صلوات السنن والنوافل، وبالتالي تكون حركات الأوعية الدماغية من انقباض وانبساط كثيرة، فيؤدي هذا إلى مرونتها وتقوية جدرانها، وبالتالي ينجو المصلي من احتمالات تمزق أو نزف هذه الأوعية الدموية.
– يؤدي السجود إلى نوع من الزفير (إخراج الهواء الاضطراري) وهذا الزفير يؤدي بدوره إلى خروج الهواء الراكد المليء بثاني أكسيد الكربون) من الرئتين ليستقبل هواء جديد يبعث الحيوية والنشاط كما أنه يؤدي إلى طرد الإفرازات من الشجرة الشعبية.
وقد عرف أصحاب رياضة (اليوجا) أهمية وضع الرأس إلى أسفل فجعلوا من بين أوضاعها وضع الوقوف على الكتفين.
الصلاة وعلاج دوالي الساقين
قرر أطباء الجراحة أن أهم عنصرين ضالعين في تدمير الأوردة السطحية وإبراز دوالي الساقين هما: أولاً: الضغط على جداران الأوردة السطحية للطرفين السفليين عن طريق الوقوف بلا رحمة ولفترات طويلة. ثانيًا: وقوع الوريد السطحي المؤهل للإصابة بالدوالي، من البداية تحت تأثير مرض عام فى الأنسجة الرابطة، يؤدي إلى إضعاف جدرانه إلى مستوى أقل من نظيره الطبيعي.
وتعد الصلاة عاملاً مؤثرًا في الوقاية من دوالي الساقين عن طريق ثلاثة أسباب: الأول: أوضاعها المتميزة المؤدية إلى أقل ضغط واقع على الجدران الضعيفة لأوردة الساقين السطحية.
والثاني: تنشيطها لعمل المضخة الوريدية الجانبية، ومن ثم زيادة خفض الضغط على الأوردة المذكورة.
الثالث: تقوية الجدران الضعيفة عن طريق رفع كفاءة البناء الغذائي بها، ضمن دفعها لكفاءة التمثيل الغذائي بالجسم عمومًا.
وقد نشرت مجلة “الإعجاز” السعودية فى عددها الثاني إصدار جمادى الأولى 1417 أول بحث طبي يربط بين الصلاة كتشريع إسلامي وبين الوقاية من مرض دوالي الساقين، وقد حصل صاحبه – د. توفيق علوان – على درجة الماجستير بتقدير امتياز من كلية الطب جامعة الإسكندرية، وقد أثبت الباحث فيه بالدليل العلمي المدعم بالصور والجداول والوثائق أن الصلاة تقي من الإصابة بمرض دوالي الساقين، وأن إهمال الصلاة يلعب دورًا حيويًّا في الإصابة بهذا المرض الشائع حدوثه بين الناس حيث تتراوح نسبة إصابته للناس بين 10 – 20%.
الصلاة والانزلاق الغضروفي
أظهرت الدراسات التي قامت بها دائرة الصحة والتغذية الوطنية في الولايات المتحدة الأمريكية أن 60-80% من الأمريكيين مصابون بآلام أسفل الظهر في فترة من حياتهم، وفي أي وقت يوجد 30% من الأمريكيين ممن يشتكون من ألم أسفل الظهر، وهذا يعني أن هناك ثلاثة من كل عشرة أشخاص لديهم حاليًّا ألم في أسفل الظهر. والصلاة نظام ناجح كعلاج طبيعي لمن تجري لهم عمليات جراحية في العمود الفقري، ولمرضى العمود الفقري عمومًا، فلقد قام د. شفيق جودت الزيات أستاذ جراحة الأعصاب بكلية الطب (جامعة البصرة) بأبحاث أوصلته إلى ابتكار طريقة لجراحة الفقرات والانزلاق الغضروفي سنة ١٩٨٥م، وتم تسجيل هذا الابتكار في الأكاديمية الأمريكية بالولايات المتحدة تحت اسم (طريقة الزيات). والطريف في الأمر أن الصلاة كانت العلاج الطبيعي لهؤلاء الذين أجرى لهم الدكتور الزيات جراحات العمود الفقري بنسبة ١٠٠٪، وفي أسرع وقت شفي المرضى ومارسوا حياتهم بطريقة طبيعية وقد سجل العالم الأمريكي د. بتسن، في المراجع الطبية الأمريكية في عام 1973م أنه ينصح مريض الانزلاق الغضروفي بعد العملية الجراحية، بأن ينحني ممدًا ظهره ثم يعتدل خمس مرات، ولم يكن العالم الأمريكي يعرف أن هذه بالضبط هي حركات الركوع في الصلاة. كذلك يؤكد د. جيسون في أبحاثه الطبية المسجلة، أن أفضل طريقة علاج طبيعي للظهر بعد العملية الجراحية، هي أن ينحني المريض في اليوم خمس مرات، بحيث تكون الركبتان إلى الصدر، ولم يكن هذا العالم الأمريكي هو الآخر أيضًا يعرف أن هذا هو بالضبط وضع السجود في الصلاة.
صفوة القول
يقول الدكتور ” ألكسيس كاريل “الحاصل على جائزة نوبل في كتابه الإنسان ذلك المجهول: “لعل الصلاة هي أعظم طاقة مولدة للنشاط عرفت إلى يومنا هذا وقد رأيت بوصفي طبيبًا كثيرًا من المرضى فشلت العقاقير في علاجهم فلما رفع الطب يديه عجزًا وتسليمًا دخلت الصلاة فبرأتهم من عللهم.”
“إن الصلاة كمعدن الراديوم مصدر للإشعاعات ومولد للنشاط، وبالصلاة يسعى الناس إلى زيادة نشاطهم المحدود حين يخاطبون القوة التي يغنى نشاطها “.
“إننا نربط أنفسنا حين نصلى بالقوة العظمى التي تهيمن على الكون ونسألها ضارعين أن تمنحنا قبسًا منها نستعين به على معاناة الحياة، بل إن القراءة وحدها كفيلة بأن تزيد قوتنا ونشاطنا ولن نجد أحدًا يضرع إلى الله إلا عادت عليه الضراعة بأحسن النتائج “.
وعلى الجملة فإن للصلاة فوائد عظيمة كثيرة، فهي تبعث في النفس الهدوء والطمأنينة، وتخلص الإنسان من الشعور بالذنب، وتقضي على الخوف والقلق، وتمد الإنسان بطاقة روحية هائلة، تساعد على شفائه من أمراضه البدنية، والنفسية، وتزوده بالحيوية والنشاط، وبقدرة كبيرة تمكنه من القيام بجليل الأعمال، وتنور القلب وتهيؤه لتلقي النفحات الإلهية.
إن الصلاة تخلق ظاهرة غريبة، حيث إنها تأتى بمعجزة فقد شاهدنا تأثير الصلاة في الحالات الباثولوجية، إذ برئ كثير من المرضى من أمراض مختلفة متعددة، وكما قرأنا فقد تبين لنا بالدليل العملي أن الصلاة تعتبر مصحة نفسية وجسدية.
مصادر يمكن الرجوع إليها:
– المجلة العربية” السعودية” – العدد (224) السنة العشرون إصدار رمضان 1406 هـ – فبراير 1996.
– مجلة “الإعجاز” السعودية – العدد الثانى- إصدار جمادى الأولى 1417. بحث الصلاة وعلاج دوالي الساقين– د. توفيق علوان.
– مجلة ” المجاهد ” القاهرية – عدد رمضان1406 ه – أبريل 1986 م مقال للدكتور عثمان الخواص .
– حلقتين تليفزيونيتين على قناة الصحة والجمال تم استضافتي فيها مع د محمد العجرودي تحت عنوان الإعجاز العلمي في الصلاة.