الألعاب الإلكترونية مصادر للتعليم والدراسة  

في السنوات العشرين الماضية شهدت منصات الألعاب الالكترونية تطورًا ملحوظًا على صعيد الفكرة والمحتوى، حيث يلجأ المصممون حول العالم الى ابتكار ألعاب ذات طابع تاريخي حضاري عسكري، مبنية على قصص واقعية وأحداث وقعت بالفعل في حقبة زمنية معينة من حضارة هذا البلد أو ذاك، وورد ذكرها في الأحافير والمخطوطات.

دائما ما تركز شركات تصميم وصناعة الألعاب على هدف الربح المادي وجذب أكبر عدد من الجمهور وبالتالي البقاء في الصدارة مع تنامي وتسارع الشركات منافسة، وهناك هدف آخر لا يقل أهمية عن الأول وهو الابتعاد قدر المستطاع عن التكرار، لأن تكرار الفكرة أو الاقتباس من فكرة أخرى مطروقة يضفي صبغة الملل على المتلقي وبالتالي زيادة في الخسائر.

فكرة تصميم وصناعة ألعاب تاريخية ليست بالجديدة إنما الجديد في الموضوع أن تتحول إلى مواد ثقافية تعليمية تدفع اللاعب نحو تنمية قدراته الذهنية والمعرفية وذلك عن طريق طرح محتوى حقيقي وواقعي بعيداً قدر المستطاع عن الخيال الجامح.

سنأتي في هذا الموضوع على ذكر لعبتين كمثال حي على تطويع الألعاب الإلكترونية كمواد للدراسة والتعليم.

لعبة (Ghost of Tsushima) شبح تسوشيما

لعبة تم طرحها للأسواق عام 2020 من تطوير شركةSucker Punch Productions الأمريكية وشركة Sony Interactive Entertainment اليابانية، متاحة على منصات الألعاب الشهيرة، تدور أحداث اللعبة في أحدى جزر اليابان حول محارب ساموراي يعيش على جزيرة تسوشيما خلال فترة غزو المغول لليابان حيث يعمل على تحرير الرهائن والأسرى وخوض قتال فردي ضد قوات المغول المتواجدة في الجزيرة بمساعدة عدد من المحاربين الذين فقدوا أهلهم وذويهم أثناء المقاومة. قصة اللعبة حقيقية وتستند على معلومات تاريخية هامة من تاريخ اليابان حيث أن جزيرة تسوشيما، وهي إحدى جزر الأرخبيل الياباني، تعرضت للغزو المغولي خلال بدء فترة الحملات المغولية على اليابان بقيادة القائد المغولي قوبلاي خان بين أعوام 1274 و1281، وتخبرنا المخطوطات والمصادر اليابانية بأن المغول بسطوا سيطرتهم على الجزيرة بعد معارك قادها حاكم الجزيرة برفقة 80 مقاتل من الساموراي أدت إلى هزيمة قوات الحاكم ونشوء حركة مقاومة ثورية يقودها محارب ساموراي شاب.

تتيح اللعبة بالإضافة للمتعة، التجوال بحرية في الجزيرة حتى دون المشاركة في عمليات القتال والانقاذ، تمنح اللاعب التأمل بجمال الطبيعة اليابانية الساحرة من جبال وسواحل وشلالات وينابيع ساخنة ومزارع وغابات، وبالأخص إذا ما علمنا أن جميع مناطق الجزيرة وتضاريسها الطبيعية في اللعبة حقيقية كما هي في الواقع، كما وتتيح التعرف على مختلف العادات والتقاليد اليابانية المتوارثة ومشاهدة حية للأساطير اليابانية التي تعد أهم أركان الثقافة الشعبية في اليابان ولمحبي تعلم اللغة اليابانية بالإمكان سماع وتعلم طريقة اللفظ باليابانية خصوصاً وأنها مدعومة بترجمة للإنجليزية والعربية.

لعبة  (Assassins Creed Origins)

اللعبة الثانية هي من إنتاج استوديوهات شركةUbisoft Montreal الكندية، وهي ضمن سلسلة ألعاب Assassins Creed وهي تتبع أسلوب اللعب المفتوح، تدور أحداث اللعبة في مصر القديمة بطل القصة محارب من المجداي يدعى بايك يقاتل من أجل إنقاذ شعبه وكشف المؤامرات التي يحيكها العدو الدخيل على مصر، و (المجداي) تسمية قديمة اطلقت على منطقة شمال السودان سكانها من أهل النوبة، وكان المجداي جزء أساسي من المنظومة العسكرية حيث تم الاعتماد عليهم في مهمات الاستطلاع والكشف ضمن التشكيلات العسكرية المصرية القديمة.

ما يميز اللعبة عن بقية ألعاب السلسلة أن الأحداث تدور في مصر القديمة وتحديدًا في فترة المملكة البطلمية التي حكمت مصر مدة ثلاثة قرون وأسلوب اللعب مفتوح غير محدود، يسمح عالم اللعبة، فضلا عن مهمة محارب المجداي الرسمية في اللعبة، بالتنقل بحرية، حتى دون المشاركة في القتال، في بلدات مصر القديمة سواء عن طريق السير على الأقدام أو التنقل عبر ظهور الجمال والخيول والانتقال من ضفة الى اخرى عبر القوارب، كما وتسمح اللعبة بالاطلاع عن كثب على حياة المصريين قبل الآلاف السنين والتجول في الأسواق ورؤية مختلف الحرف وحركة الناس وأسلوب حياة الأسرة المصرية القديمة.

بالإضافة إلى ذلك فإن ما وفرته اللعبة من مساحات تجوال غير محدودة أو محصورة بمكان معين جعلت اللاعب يتأمل المباني المصرية والصروح العظيمة المشيدة آنذاك كالأهرامات والقلاع العسكرية وقصور ملوك البطالمة وما تحويه من جداريات وتماثيل، ويمكن التجول بحرية في عمق الصحراء المصرية واكتشاف الكهوف بل والعثور على بعض مقابر الفراعنة القدماء. واللعبة بقدر ما تمنح متعة وترفيه بقدر ما يمكن الاستفادة منها كمادة لدراسة حقبة ما من تاريخ مصر القديمة وهذا ما صرح به عالم المصريات الدكتور الدكتور كريس نونتون حوال لعبة Assassins Creed Origins بأنها (أفضل تصور لمصر القديمة)، حيث اتفق نونتون ومع معه من علماء المصريات على أن “إعادة تمثيل مصر القديمة من شركة Ubisoft عن طريق لعبة كانت “مذهلة” وأن العلماء أعجبوا بشكل خاص عندما اكتشفوا جولة الاستكشاف بعد الإطلاق”.

وبحسب ما نقله موقع عرب هاردوير الإلكتروني فإن “الدكتور كريس نوتون قارن صور حقيقية كان قد التقطها لمدينة طيبة خلال رحلاته الاستكشافية بما ظهر في اللعبة وذلك ما دفعه للانضمام إلى جانب عدد من أساتذة التاريخ في جامعة ميسوري للعلوم والتكنولوجيا في حلقات مسلسلة بعنوان Playing in the Past أو اللعب في الماضي، الحلقات مكونة من ستة أجزاء حول تشريح تاريخ مصر من خلال لعبة Assassins Creed Origins ا لغاية منها دراسة ومناقشة جزء مهم من تاريخ مصر القديمة”.

عالم الألعاب، عالم كبير واسع يعيش قفزات تطوريّة متسارعة لم يشهد لها مثيل في تاريخ هذه الصناعة ويبدو ان مستقبل الالعاب لا توقف على الترفيه والمتعة إنما يتعداها لمساحات أوسع”.