كتاب جديد صدر حديثًا عن دار الانبعاث بالقاهرة، وهو النسخة العربية من كتاب البروفيسور الأمريكي “جون باول”؛ القس والمؤرخ الأمريكي والناشط الاجتماعي حول حياة الأستاذ فتح الله كولن الداعية التركي المقيم في ولاية بنسلفانيا بالولايات المتحدة حاليًّا.
جون باول؛ كاتب أكاديمي مهتم بدور الأديان في تأسيس السلام والأمن، ونشر التسامح في كافة المجتمعات. والكتاب الذي كتبه حول الأستاذ كولن، هو نوع من الكتابات التاريخية الأدبية التي تتناول سيرة مفصلة لشخصية الأستاذ كولن وحياته. ويعتبر الكتاب من أوسع السير الحديثة التي كُتبت عن هذه الشخصية حتى الآن، إذ يقع في قطع متوسط يبلغ عدد صفحاته ٥١٠ صفحة.
يتميز الكتاب أيضًا، بأنه يكشف عن تاريخ “حركة الخدمة” التي أسسها الأستاذ فتح الله كولن؛ فهو تأريخ مزدوج لشخصية عامة ذات صيت عالمي، وكذلك لحركة مدنية اجتماعية ذات مرجعية دينية بدأت فعالياتها وأنشطتها منذ الستينات، وانتشرت حتى بلغت معظم أنحاء العالم.
حظي الكتاب بإشادات عدد كبير من الأكاديميين والأكاديميات في الجامعات والمعاهد البحثية العليا في الولايات المتحدة الأمريكية وغيرها، ومن ضمن هذه الإشادات:
– “يقدم “باول” وجهة نظر مثيرة للدور الذي يستطيع أن يلعبه الدين في حثِّنا على خدمة بعضنا البعض بدلاً من عزلنا عن بعضنا، والأهم من ذلك كله، أنه يحكي قصة أحد أعلام هذا العصر”. (د. مايكل زوكر مان، أستاذ التاريخ بجامعة بنسلفانيا).
– “يقدم كتاب “جون بول” الجديد، إسهامًا جوهريًّا ومهمًّا ومميزًا في الأدب الذي يتناول فتح الله كولن وحركة الخدمة التي تستلهم أنشطتها من أفكاره وشخصيته، وهي وإن كانت سيرة ذاتية كتبها كاتب لديه مهارات المؤرخ الديني، فإنها تختلف اختلافًا واضحًا عن سير القديسين، إذ إنها تهدف أيضًا إلى نشر وعي ديني يتناسب مع عالِمٍ إسلامي بارز تحظى حياته باحترام مئات الآلاف من المسلمين وغيرهم ممن أثّرت تعاليمه فيهم”. (د. بول ويلر، أستاذ شرفي بجامعة دربي بالمملكة المتحدة).
– “إن هذا الكتاب الممتع والمُعَدّ جيدًا، هو سيرة ذاتية أعدها كاتب من خارج الحركة التي أنشأها فتح الله كولن، حيث يساعدنا على استيعاب نموذج الحداثة الإسلامية التي يتبناها، ولماذا يعدها بعض القادة السياسيين خطرًا، فإذا كنت تريد أن تتعرف على كولن والخدمة، فهذا هو المكان المناسب لكي تبدأ”. (د. مارك يورجنزمير، جامعة كاليفورنيا سانتا باربرا، مؤلف الثورة العالمية: التحديات الدينية للدولة العلمانية).
نظّم الكاتب هذه السيرة في توطئة ومقدمة وخمسة فصول، تناول كل فصل فيها مرحلة من مراحل حياة الأستاذ كولن، منذ نشأته في “أرضروم” بشرق تركيا، وحتى استقراره في منفاه الاختياري ببنسلفانيا في الولايات المتحدة الأمريكية، وعبّر عن كل مرحلة منها بأبرز سمة تميزها.
وقد شرح الكاتب في التوطئة، قصة بداية هذا المشروع، وكيف تعرف على أنشطة الخدمة في الولايات المتحدة الأمريكية، من خلال تلقيه دعوة عام ٢٠٠٦م في فندق شيراتون سنتر سيتي في فيلادلفيا، على مأدبة إفطار في شهر رمضان، من مؤسسة تسمى “منتدى الحوار”، وقد عبّر عن هذه الدعوة بأنها “غيرت حياته إلى الأفضل”، حيث أعقب الإفطار ندوة حول “الحوار بين الأديان”، وهناك كانت بداية الطريق العلمي الذي نتج عنه هذه السيرة الذاتية.
أما المقدمة فيصدرها بتساؤل يدل على صعوبة المشروع الذي يعمل عليه، ومدى التناقضات التي تكتنفه، حيث يقول: “كيف يمكن لإنسان أن يحكي قصة شخص رفعه البعض إلى درجة قديس، وذمَّه البعض الآخر ورماه بالإرهاب؟”.
ثم يبين الأهداف التي من أجلها كتب هذه السيرة، وهي ثلاثة أهداف مترابطة، الأول هو أن يروي بدقة حياة إنسان، والثاني هو أن يقدم للقارئ المثقف تاريخ إحدى الحركات ذات المرجعية الدينية التي تؤسس للحوار بين الأديان وتستلهم حركيتها من إنسان واحد، ولكنها الآن متشعبة وتتجاوز حد الفردية بصورة مميزة، والثالث هو عرضٌ تاريخي لحياة فرد وحركة تسعى لترسيخ السلام.
وقد عبر عن هذا الهدف الأخير بأنه أصعب الأهداف التي حاول تحقيقها، إذ هناك سوء فهم لـ”كولن” وللإسلام في الخطابات الشعبية الناطقة بالإنجليزية، وكذلك هناك تحيّز قوي ضد رؤية الأديان كمحفز للسلام، ما لم يكن الدين -مهما كان- هو دين الشخص الذي ينتمي إليه.
لقد استغرقت رحلة الكاتب مع هذا الكتاب ما يقارب ثماني سنوات من عمره، قرأ فيها كل شيء يتعلق بالأستاذ كولن، ودرس اللغة التركية بالقدر الذي يتيح له أن يطلع على المعلومات بلغتها الأصلية، وأجرى لقاءات عديدة مع مقربين منه، ولقاءات أخرى مع منتقديه والمختلفين معه، كما تجول في عدد كبير من البلدان حول العالم واطلع على مؤسسات الخدمة في هذه البلدان وأجرى حوارات مع روادها. وقد أعطته الإجابات التي توصل إليها القدرة على رؤية أن حياة كولن تتميز بخمسة أنماط رئيسية هي: الالتزام بالسِّلمية والبُعد عن العنف، والإيمان بالتعددية التي تتجلى في الالتزام بالحوار، والتعاطف أو الشعور العميق بمعاناة العالم، والرغبة في المشاركة من أجل تخفيف تلك المعاناة، والاهتمام بمحو الأمية الروحية والعلمية، ونموذج تنظيمي للمؤسسات الاجتماعية.
يتميز الكتاب بلغته السردية التي تهتم بالرواية وتسعى إلى تحليلها تحليلاً معقولاً، يستعمل فيه الكاتب عقله الناقد ويقف أمام المبالغات محاولاً وضعها في إطار منطقي، كما يقف أيضًا وقفات متعددة مع أهم الأحداث والادعاءات التي تطال الأستاذ كولن والخدمة خاصة، بعد محاولة الانقلاب الفاشلة عام ٢٠١٦م، لكن وقفته فيها لا تدوم طويلاً. ورغم ذلك فإنه السيرة الوحيدة التي غطت هذه المرحلة من حياة الأستاذ كولن والخدمة، حيث كانت السير السابقة تنتهي في إسطنبول ولا تتجاوزها إلى بنسلفانيا.
الكتاب مثير للقارئ، ويتضمن من المعلومات والحقائق ما لا يمكن أن تجده في مصدر آخر عن حياة الأستاذ كولن ونشاطات حركة الخدمة في مختلف أنحاء العالم.