الحظر بسبب كورونا ينشط البحث البيئي

(حراء أونلاين) بعد الإغلاق نتيجة تفشي مرض كوفيد-19 (COVID-19) في وقت سابق من هذا العام، مُنع عالم الأحياء إدواردو سيلفا رودريغيز Eduardo Silva-Rodriguez من زيارة مواقعه الميدانية في ريف تشيلي، ونقل بحثه إلى مكان قريب من منزله. وقد أعدّ هو، والباحثون التشيليون الآخرون،  كاميرات آلية لمراقبة الحياة البرية في المناطق الحضرية، بما في ذلك جامعته، جامعة أوسترال Austral University في تشيلي بإيسلا تيجا. وسرعان ما التقطت الكاميرات مفاجآت: حيوانات نادرة، بما في ذلك قندس النهر الجنوبي المهدد بالانقراض وقطة برية تسمى غيونيا Güiña، شوهدت تتجول في المدن الهادئة بسبب الجائحة Pandemic، وهو ما لم يوثق من قبلُ.

    اللقطات هي مجرد مثال واحد على كيفية استجابة الحياة البرية لما يسميه العلماء “الأنثروبوس” Anthropause؛ التوقف البشري- التباطؤ الدراماتيكي في النشاط البشري الناجم عن الجائحة. وبعض الباحثين يتتبعون الكيفية التي تستجيب بها الحيوانات والنُظم الإيكولوجية للانخفاضات الحادة في حركة السياحة. ويجمع آخرون البيانات حول تحركات الحيوانات لاستكشاف الاستجابات واسعة النطاق للطرق والمطارات الخالية. والتجربة الطبيعية الفريدة تسمح للعلماء بمقارنة سلوك الحيوانات قبل الجائحة وأثنائها وبعدها – وربما تقديم رؤى حول الكيفية التي يمكن بها حماية الحياة البرية حماية أفضل بمجرد استئناف النشاط البشري بأقصى سرعة. وتقول أماندا بيتس Amanda Bates، الإيكولوجية من جامعة ميموريال Memorial University: “لقد منحنا الإغلاقُ القدرةَ على إيجاد المكان الذي يمكننا فيه تحسين جهود الحفاظ على الطبيعة Conservation”.

       وفي تعاون مجموعة بحثية بقيادة الجمعية الدولية للتسجيل البيولوجي International Bio-Logging Society، يساهم الباحثون ببيانات التتبع التي جمعتها علامات الأقمار الاصطناعية وأطواق الراديو وأدوات أخرى من نحو 180 نوعًا من الطيور والثدييات والزواحف والأسماك من جميع القارات والمحيطات. ويقول كريستيان روتز Christian Rutz، الإيكولوجي من جامعة سانت أندروز University of St. Andrews: “لدينا منجم من البيانات”. ومن بين أمور أخرى سينظر الباحثون فيما إذا كانت الحيوانات قد غيرت تحركاتها خلال فترة الأنثروبوس – عبور الطرق عبورا متكررا، على سبيل المثال، أو الخروج في أوقات غير اعتيادية من اليوم.

   يستكشف فريق منفصل مكون من 16 باحثًا – نظمته نيكولا كوبر Nicola Koper، عالمة أحياء الحفاظ على الطبيعة من جامعة مانيتوبا University of Manitoba- أسئلة مماثلة لـ 85 نوعًا من الطيور في كندا والولايات المتحدة. وباستخدام بيانات من eBird، وهو مشروع علوم مُواطِن  Citizen Science يديره مختبر كورنيل لعلم الطيور Cornell Lab of Ornithology، يفحص الباحثون مجتمعات الطيور في 95 مقاطعة أمريكية وكندية. وهم يتساءلون، على سبيل المثال، عما إذا كانت الأنواع التي لا تحب الضوضاء، مثل الطيور المغردة الصفراء Yellow-rumped warblers،  صارت أكثر وفرة حول المطارات. وهم يفحصون ما إذا كانت الأنواع التي تحلق على ارتفاع منخفض قد صارت أكثر شيوعًا بالقرب من الطرق، مما يقترح عدد طيور نافقة أقل بسبب اصطدامها بالسيارات.

   في الوجهات الشائعة مثل المتنزهات الوطنية، فقد أدى توقف السياحة إلى خلق فرص بحثية. ففي محمية غالاباغوس البحرية Galapagos Marine Reserve في الإكوادور، كان الانخفاض في عدد الزوار “مختلفًا عن أي شيء قد يحدث على الإطلاق، باستثناء الحرب العالمية”، كما يقول جون ويتمان Jon Witman، الإيكولوجي من جامعة براون Brown University. ويدرس ويتمان مع زملائه، من بين أمور أخرى، ما إذا كانت الأسماك البحرية الخجولة صارت أكثر جرأة الآن، حيث لا يوجد مَن يمارسون هواية الغوص الترفيهي، وهو تغيير سلوكي قد يغير الكيفية التي يعمل بها النظام الإيكولوجي.  ويعتزم ويتمان التوجه إلى جزر غالاباغوس خلال هذا الصيف: “نحن نطارد لحظة عابرة”، كما يقول.

   وفي جزر البهاما يدرس الباحثون الكيفية التي يؤثر بها الانهيار السياحي في الإغوانا Iguanas. الصخرية المهددة بالانقراض. فالزوار يطعمون الإغوانا الخبز واللحوم والفواكه والخضراوات روتينيا؛ وتقول سوزانا فرينش Susannah French، عالمة الإيكولوجيا الفسيولوجية من جامعة ولاية يوتا Utah State University، إن التغيير في النظام الغذائي ” قد تكون له تأثيرات عميقة حقًا”. والباحثون يأملون بالإبحار إلى جزر البهاما قريبًا لرصد أوزان الحيوانات وأخذ عينات الدم وفحص ميكروبيوتا الأمعاء. ويقول تشاك ناب Chuck Knapp، عالم الأحياء في شيد أكواريوم Shedd Aquarium، إن البيانات قد تساعد المسؤولين المحليين على إدارة السياح إدارة أفضل حال عودتهم.

  في جزر سوساييتي في بولينيزيا الفرنسية Society Islands of French Polynesia، يحقق الباحثون في الاتجاه الذي تنمو فيه الشعاب المرجانية Coral reefs الآن بعد أن أطفأت الفنادق إضاءتها. ومن ناحية أخرى، يبدو أن السكان المحليين يعودون إلى صيد الكفاف لتغطية نفقاتهم. وقد يعني ذلك مشكلة للشعاب المرجانية بسبب اصطياد الأسماك العاشبة آكلة الطحالب Algae التي يمكن أن تغطي وتقتل الشعاب المرجانية، لكن الفنادق الفارغة قد تساعد الشعاب المرجانية إذا كان ذلك يعني مغذيات أقل تلويثا في مياه الصرف الصحي، مما يحفز نمو الطحالب. وتقول سالي هولبروك Sally Holbrook من جامعة كاليفورنيا University of California (اختصارا: الجامعة UC) في سانتا باربرا، والتي تعمل في موقع شعاب موريا المرجانية للأبحاث الإيكولوجية طويلة الأمد Moorea Coral Reef Long Term Ecological Research site، إنها “فرصة تأتي مرة واحدة في العمر لفهم الروابط  بين البشر والشعاب المرجانية فهما أفضل”.

وفي إيطاليا حصلت فرانشيسكا كاغناتشي Francesca Cagnacci، عالمة الإيكولوجيا أيضًا على فرصة نادرة لمعرفة الكيفية التي أثر بها غياب سائقي الدراجات الجبلية والصيادين وحركة المرور في الحياة البرية في الغابات المحيطة بترينتينو، حيث تتعقب الغزلان والحيوانات الأخرى بأطواق لاسلكية. ففي  شهر مارس رأت كاغناشي شيئًا غير معتاد جدا في الغابات الهادئة: الغزلان والطيور تتجول خلال النهار. وتقول كاغناشي التي تعمل في مركز الأبحاث والابتكار Research and Innovation Centre التابع لمؤسسة إدموند ماش Edmund Mach Foundation: “لن أنسى هذا طوال حياتي”.

لقد هدأت المحيطات أيضًا بفعل الأنثروبوس. ففي خليج مونتيري بكاليفورنيا، نزل آري فريدلاندر Ari Friedlaender -عالم الإيكولوجيا البحرية من الجامعة UC بسانتا كروز مع زملائه- إلى البحر في مارس وأوائل أبريل، عندما أدى الإغلاق إلى تقليل حركة مرور القوارب. وقد تجهزوا بقوس ونشاب وسهام خاصة، وجمعوا عينات دهن من 45 حوتًا أحدب Humpback whales. وعندما يتمكنون من العودة إلى المختبر سيقيسون مستويات هرمون الكورتيزول Cortisol، وهو هرمون التوتر. إنهم يخططون لجمع عينات جديدة خلال عام 2021، عندما يُتوقع أن تزداد حركة القوارب، في محاولة لاكتشاف مقدار الضغط الإضافي – إن وجد – الذي تتسبب فيه ضوضاء السفن للحيتان.

    والعلماء يُقرون بأن فرصة دراسة الأنثروبوس تأتي على حساب الكثير من الموت والمعاناة البشرية. يقول ويتمان: “نأمل بألا تتيح الظروف فرصة لدراسة هذا مرة أخرى…لكن أشياء لا تصدق تحدث في النظم الإيكولوجية الطبيعية”.

بقلم:    إريك ستوكستاد

ترجمة: مي بورسلي

المصدر: موقع العلوم