إن ما يحملنا على الإعجاب بشعر محمد إقبال هو الطموح والحب والإيمان. وقد تجلى هذا المزيج الجميل في شعره وفي رسالته. تزداد قيمة شاعر يولد في بلاد بعيدة عن مهد الإسلام في سلالة برهمية قريبة العهد بالهداية الإسلامية في بيئة كان يحكم فيها الإنجليز وتسود فيها الثقافة الغربية، ويكون هو خير مثال للشاعر المؤمن والعالم والداعي والفيلسوف الحصيف. وإن ما يميز إقبال هو أنه شاعر على درجة عالية من الثقافة خلقت عنده سعة في الأفق والإدراك وقوة للتحكم فى عواطفه وتوجيهها الوجهة الصحيحة. فهو كشاعر حباه الله بإحساس مرهف ونفس شفافة وعواطف رقيقة، وهو ملهم موهوب متدفق فى شعره، لقد كان حب إقبال لرسول الله صلى الله عليه وسلم محور حياته ومرتكز شعره، وظل هذا الحب يسيره ويوجهه حتى لاقى ربه. وهو يرى أن حب رسول الله صلى الله عليه وسلم هو فحوى الدين وخلاصته.
فقد رزق محمد إقبال التقدير والاحترام من ملايين المسلمين في الهند والعالم، يعتقدون فيما تعتقده الأمة في المرشد الملهم. لم يرزق مثل هذا الاحترام والتقدير أحد من أعلام مسلمي شبه القارة قبل القرن العشرين، لا في الهند فحسب بل في جميع العالم الاسلامي والعربي. كان الدكتور محمد إقبال عبقريًّا من عباقرة الإسلام ورائدًا من رواد النهضة الإسلامية في العصر الحديث. كانت عبقريته عديدة الجوانب ولم تكن مقتصرة على الشعر والأدب فإنما اشتهر بدقة نظره وأصالة رأيه وعمق تفكيره في الفلسفة والتصوف والتاريخ والعلوم الإسلامية. لم يكن إقبال شاعر مسلمي شبه القارة وحدهم أو شاعر العالم الإسلامي الشرقي وحده وإنما كان من هؤلاء الآحاد الأفذاذ الذين قلما يجود الزمان بهم. فهو شاعر الإسلام وشاعر الشرق وشاعر الإنسانية كلها. ساهم إقبال مساهمةً فعّالة في الكثير من الميادين والمجالات، فقد خدم الإسلام ودعا إليه ودافع عنه. قضى حياته كلها في حب النبي صلى الله عليه وسلم والأشواق إلى مدينته وتغنى بهما في شعره الخالد.
مولده ونشأته
ولد الدكتور محمد أقبال عام 1877م في أسرة هندوكية من البراهمة النبلاء في كاشمير. تنازل جده الأكبر عن كل هذه ودخل في دين الإسلام وهاجر من كشمير إلى البنجاب ليصبح فردًا عاديًا لا يدَّعي الألوهية كما يفعل البراهمة. ونجد إقبال نفسه يصف أصله فيقول: “إن جسدي زهرة في حب كشمير، وقلبي من حرم الحجاز ، وأنشودتي من شيراز”. نشأ إقبال في بيئة علمية وفي أسرة مثقفةمحافظة على تقاليد الإسلام الحنيف. فكانت أمه نموذجًة رائعًة للتقوى والورع والالتزام بتعاليم الإسلام. أما والده محمد نور الدين إقبال فكان له علم واسع في الدين والأدب والثقافة.
تلقى الدكتور محمد إقبال الدراسة الابتدائية على أبيه ثم درس اللغة الفارسية والعربية على يد أستاذه مير حسن ولفت الأنظار إليه بذكائه الشديد وأخلاقه الكريمة فاحترمه الجميع من زملاؤه وأساتذته. درس إقبال في مدرسة متوسطة ثم ألحق بكلية البعثة الإسْكوتية في سيالكوت، ثم بجامعة “لاهور” حيث نال عام1897م درجة الماجستير. وقد أتيحت له الفرصة ليدرس عند المستشرق الإنجليزي السير “توماس أرنولد” الذي مهد لتلميذه الذكي الطريق للثقافتين الشرقية والغربية على السواء وبعد أن تمكن بروح عالية في صغره من القرآن الكريم والعلوم الإسلامية سافر محمد إقبال في سنة 1905م إلى إنجلترا ودرس الفلسفة والحقوق في كمبريدج Cambridge وفي عام1907م قصد إلى ألمانيا و أقام في مدينة هيدلبرج Heidelberg الرومانطيقية الشهيرة ليتعلم اللغة الألمانية فيها. ثم سافر إلى ميونيخ في نفس العام وقدم أطروحته للجامعة هناك قصد الحصول على شهادة الدكتوراه، وكانت بإشراف الأستاذ الدكتور فْرِيتْزْ هُومِلْ Fritz Hommel أحد المستشرقين المتخصصين في اللغات السامية. وكان موضوعها “تطور الفلسفة الميتافيزيفية في بلاد فارس Development of Metaphysics in Persia ” وبعد أداء الامتحانات والحصول على درجة الدكتوراه في الفلسفة عاد إقبال إلى إنجلترا وأتم دراسة الحقوق فيها. وبعد أن أنهى إقبال دراسته الجامعية، عُيِّن أستاذًا للتاريخ والفلسفة والسياسة المدنية بكلية لاهور الشرقية ثم عين أستاذًا للفلسفة واللغة الإنجليزية في الكلية الحكومية التي تخرج فيها. سافر إلى أوروبا سنة 1905م حيث نال درجة في الفلسفة من جامعة “كمبردج” ودرجة في القانون من كلية لندن للعلوم السياسية. وعمل أستاذًا للغة العربية في جامعة لندن كما حصل على درجة الدكتوراه في الفلسفة من جامعة “ميونيخ” بألمانيا وعاد مرة أخرى إلى لندن. ونال شهادة المحاماة من جامعة لندن. غادر إقبال لندن إلى القارة الأوروبية وزار عددًا من بلدانها.
وكان في كل أسفاره يعمل على نشر الإسلام وأثر بشعره وأسلوبه في كثير من الأوروبيين ومنهم موسوليني حيث وجه له دعوة عقب مشاركته في مؤتمرات المائدة المستديرة في لندن. نظم هذه الزيارة الدكتور سكاربا وهو معجبًا بفكر إقبال وإيمانه بالإنسان وقدراته. وذهب بالفعل إلى إيطاليا والتقى بموسوليني وألقى محاضرة في روما يبين فيها الفرق بين مذهب كل من الحضارة الغربية والشيوعية والحضارة الإسلامية. وضح فيها أسباب تخلف المسلمين وقال إن من أهم أسباب هذا التخلف هو البعد عن الدين. ذكر الناس بماضي المسلمين وحضارتهم العريقة. ثم زار إقبال أسبانيا في عام 1932م بعد أن حضر مؤتمر الدائرة المستديرة الثالث وحرص هناك على مشاهدة المعالم الإسلامية. وكان إقبال يدعو المسلمين إلى التمسك بدينهم ثم بالعلم الذي هو السبب في تقدم الأمم. وبذل جهودًا كبيرة في الدعوة إلى وحدة المسلمين تحت راية الجامعة الإسلامية التي تضم المسلمين جميعًا مع اختلاف أجناسهم وألوانهم ولغاتهم.
ومن آثاره الخالدة
خلف إقبال بحرًا من الأفكار الرائعة والخواطر البديعة التي ضمنها دواوينه الشعرية وكتبه النثرية. فقد ألف تسعة دواوين شعرية ضمت حوالي اثنى عشر ألف بيت من الشعر، ومنها سبعة آلاف بيت بالفارسية وخمسة آلاف بيت بالأردية. ومن دواوينه: “جناح جبريل”، “رسالة المشرق” ضرب كليم” “هدية الحجاز” “الأسرار والرموز” كما ألف بضعة كتب نثرية تبرهن على أنه كان متمرسًا بفلسفة الشرق والغرب. وأهم هذه الكتب “تجديد الفكر الديني في الإسلام” و”تطور الفكر المتافيزيقي في بلاد فارس” Development of Metaphysics in Persia.
إقبال ومسيرته الشعرية
بدأ إقبال في كتابة الشعر مرحلة مبكرة من حياته وشجعه على ذلك أستاذه مير حسن. فكان ينظم الشعر في بداية حياته بالبنجابية ولكن السيد مير حسن وجهه إلى النظم بلغة الأردية. كانت له قدرة فائقة على قرض الشعر باللغة الفارسية والأردية. وكان إقبال يرسل قصائده إلى ميرزا داغ دهلوى الشاعر البارز في الشعر الأردي الذي ينصحه بشأنها وينقحها. ولم تمضِ إلا فترة بسيطة حتى قرر داغ دهلوي أن أشعار إقبال في غنى تام عن التنقيح. رأى إقبال أنَّ الشعر موهبة كبيرة من مواهب الله تعالى وقوَّة عظيمة يستطيع صاحبها أنْ يحدِثَ انقلابًا في المجتمع وثورة فكريَّة. وهو أفضل أسلوب للتعبير عن موقع الإنسان وطبيعته وتكوينه. فاختار الشعر وسيلة للتعبير عن أحاسيسه ومشاعره لإبلاغ رسالته القيمة. فأقام شعره وقلمه وبيانه في سبيل تجلية عظمة الإسلام وفضله.
إن رسالة إقبال الأدبية رسالة عالمية ومدرسة حديثة في توجيه الأدب لخير الإنسانية. وقد أثر إقبال بفكره في الجيل المثقف في شبه القارة الهندية بدور فريد لا يعرف له مثيل لأحد من أقطاب الفكر في هذا العصر الحديث. لقد جمع إقبال بين الفكر والعقل والعاطفة والقلب والعلم. فكان هائمًا بسيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وبسير أصحابه البررة وأبطال الإسلام فألهب الضمائر بالدعوة إلى الاقتداء بهم وبعث روح الاعتزاز بنعمة الإسلام في قلوب المسلمين. وكان لحديثه عن كل ذلك في الشعر لون جديد لا يوجد له النظير في اللغة الأردية وفي بعض اللغات المعاصرة. وكان إقبال معتزًّا بتراث الإسلام وحضارته وتاريخه وما خلده أعلام الإسلام من علوم وروائع الفكر. أمَّا شعر إقبال فإنه يتميَّز بذوبانه وراء شعلة الإسلام التي ملأت العالم نورًا وحرارة. فشِعره يوقظ العقول، ويهزُّ النفوس ويُربي الآمال في الصدور. ولا عجب إذا كان شعره يملأ القلوب حماسة وإيمانًا.
حب الرسول صلى الله عليه وسلم كما يتجلى في شعر إقبال
ابتكر محمد إقبال معاني وأفكار وجاء بتعبيرات لم يسبقه أحد من قبله. ولم يزل الشعر بريد القلب والشوق. إن أساسه الحب والعاطفة. لقد شرب قلب إقبال حب الرسول صلى الله عليه وسلم ولم يزل حبه للنبي يزيد ويقوي مع الأيام. وقد ألهمه هذا الحب العميق معاني شعرية عميقة وهو يقول “لم يستطع بريق العلوم الغربية أن يبهر لبي ويعشي بصري، ذلك لأني اكتحلت بإثمد المدينة”. وصل الدكتور محمد إقبال في العجم من الحساسية ورقة الشعور والتواضع والتأدب لمقام الرسالة العظمى. يظهر حبه تجاه الرسول صلى الله عليه وسلم في شعر إقبال رمزًا بالغ الدلالة في تاريخ الكون والحياة. فيراها سببًا في خلق الموجودات كلها كما يؤمن بأن الروح المحمدية تسري دائمًا في أصل نظام الكائنات مثلها في ذلك جريان الدم في العروق.
محمد إقبال هو أفضل مثال نستطيع تقديمه نموذجًا للشاعر الذي أبرز في أشعاره شخصية الرسول صلى الله عليه وسلم بكل صفاتها وفضائلها. ولم يكن هذا إلا لأن قلب إقبال يعشق رسول الله صلى الله عليه وسلم ويتمنى لو استطاع المسلمون استلهام الروح المحمدية بداخلهم فصبغت حياتهم بصبغة الإسلام. صور إقبال شخصية الرسول صلى الله عليه وسلم بإبراز عظمة الرجل المؤمن وصفاته وأخلاقه في أشعاره وقرر أن العشق مكون من مكونات شخصية الرجل المؤمن. فالشخصية الرجل المؤمن ما هي إلا انعكاس لشخصية الرسول صلى الله عليه وسلم المستقرة. فرسول الله صلى الله عليه وسلم جامع لمكارم الأخلاق. والرجل المؤمن عليه أن يتحلى بمحاسن الأخلاق مستمدًّا من حب الرسول صلى الله عليه وسلم.
لقد كان حب إقبال لرسول الله صلى الله عليه وسلم محور حياته ومرتكز شعره. وظل هذا الحب يسيره حتى لاقى ربه. وهو يرى أن حب الرسول صلى الله عليه وسلم هو أساس الدين وخلاصته، وأن ما عدا ذلك هو عكس ذلك.
وإن كنت وفيًّا مع محمد فنحن لك واللوح والقلم لك وليس العالم فقط.
صل نفسك بالمصطفى، فالدين هو ذلك، وإن لم تفعل فأنت أبو لهب.
فهو يريد أن يرى المسلمين في مكانتهم كأمة لخير البشر ويذكرهم بأمجادهم العظيمة ودورهم القيادي في هذا الوجود لخير الإنسانية. ويؤمن أن الرسول صلى الله عليه وسلم هو المثال الكامل لكل مسلم. وأن اتباعه يجب أن يتم على أكمل وجه. يعتقد محمد إقبال أن المسلم حي خالد لأنه يحمل رسالة خالدة ويحتضن أمانة خالدة ويعيش لغاية خالدة، لأنه صاحب الرسالة وصاحب العلم واليقين وهو يرى المسلم كالصورة الكاملة للإنسانية.
تظهر شخصية الرسول صلى الله عليه وسلم فى أشعار إقبال الأردية بطريقين:
الأولى: من خلال الأشعار التي كتبها اقبال في مدح النبى صلى الله عليه وسلم فأشعاره هذه تمثل قمة فن المديح النبوي في الشعر الأردي حيث لم تكن نمطية خالية من الروح والحركة، وإنما كانت تمتلئ إخلاصًا وحبًّا يشعر به القارئ ويحسه في أعماق قلبه، استطاع إقبال أن يهيئ لفن المديح النبوي في اللغة الأردية سعة فكرية وفنية على السواء فوفق بين مديح النبي صلى الله عليه وسلم وبين الحياة السياسية والحضارية للأمة الإسلامية، وفي نفس الوقت نظم أشعار المديح في هيئات وقوالب شعرية جديدة تختلف عن القوالب التي اعتاد من سبقه من الشعراء. وخير مثال ذلك قصيدته “جواب شكوه” التي تدل على تصور إقبال لشخصية رسول الله صلى الله عليه وسلم حين يمدحه. يقول:
ارفع بقوة العشق كل وضيع وأنر العالم باسم محمد.
فلولا هذه الزهرة أي “محمد” لما كان ترنم البلبل، ولما كان في الدنيا مجلس للتوحيد، ولما كان لك وجود.
اسمه في الصحراء وفي أحضان الجبال والوديان، في البحار وفي أحضان الموج وفي الطوفان.
الثانية: من أشعار إقبال الأردية والتي تظهر فيها شخصية النبي صلى الله عليه وسلم فهو القسم الأعظم والذي يضم عددًا من المنظومات على مدار دواوينه الأردية كلها وفيها يجعل إقبال حياة الرسول صلى الله عليه وسلم وتعليماته ومعجزاته وخصاله رمزًا تدور حوله فلسفته ويطوف حولها فكره حيث قدم إقبال ضمن ما قدم من نظريات (نظرية الرجل المؤمن) نموذجًا للمؤمن الحق الذى يشكل شخصيته حب الرسول صلى الله عليه وسلم والاقتداء به، ومن هنا كانت شخصية الرسول صلى عليه وسلم دائمًا ماثلة أمام ناظري إقبال حين يتحدث عن الرجل المؤمن ويبرزه فىي شعره. أبرز شخصية الرسول صلى الله عليه وسلم من خلال النظريات والأفكار التي عالجها على مدار أشعاره كلها سواء أكانت فارسية أم أردية.
لعشق نفس جبريل، والعشق قلب المصطفى، والعشق رسول الله، والعشق كلام الله.
هو القوي الذي يثلج قلوب الشقائق، وهو الفيضان الذي يرتعد منه قلب النهر.
ومن بين الموضوعات التي تناولها كثير من الشعراء من خلال مدائحهم النبوية “المدينة المنورة” وقد وصفوها فأحسنوا وأجادوا ولكنهم لم يصلوا إلى ما وصل شاعرنا هذا حين وصف المدينة بأنها مكان التجلي لرسول الله صلى الله عليه وسلم مثل جبل الطور الذي تجلى عليه سبحانه وتعالى لموسى عليه الصلاة والتسليم. ففي قصيدة له بعنوان “بلال” رضي الله عنه يتحدث عن المدينة المنورة وقال: فهي كالطور لبلال رضي الله عنه حيث أتيح له رؤية رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة المنورة. فهذه المدينة التي أخرجت الإنسان من ضيق الدنيا إلى سعتها. وهي التي مثلت أروع رواية وأعظمها تأثيرًا على تاريخ الإنسانية. أحب إقبال الحجاز لأنه وجد فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولأنه رأى فيها نورًا انبعث وفيها رسالة خالدة وفيها جماجم الأبطال وفيها مخرجًا من مخارج التوحيد والتاريخ. وله قصيدة اسمها “ناقتي في الحجاز” وصف نفسه وهو يبكي، ويقول: يا ليتني أعتمر مرَّة ثانية. ولم تكن متيسِّرة له.
قالوا عن إقبال:
العلامة أبو الحسن الندوي رحمه الله هو أول من قدم إقبال للعالم الإسلامي في كتابه “روائع إقبال” وقد طبع عدة مرات في دمشق وبيروت والكويت. ثم عني بدراسة شعره وفلسفته أعلام الأدب في العالم العربي مثل: طه حسين وعباس محمود العقاد ومحمد حسين هيكل وأحمد حسن الزيات وفتحي رضوان وأحمد زكي وغيرهم كثيرون. وترجم آثاره إلى العربية عبد الوهاب عزام وحسين مجيب ومحمد سعيد جمال الدين وأميرة نور الدين وطه عبد الباقي ونجيب كيلاني وصاوي شعلان وغيرهم. قال عنه السيد أبو الحسن الندوي: “إن إقبال أنبغ عقل أنتجته الثقافة الجديدة التي ظلت تشتعل وتنتج في العالم الإسلامي من قرن كامل وأعمق مفكر أوجده الشرق في عصرنا الحاضر”.
قال عنه الدكتور عبد الوهاب عزام: “محمد إقبال شاعر نابغة وفيلسوف مبدع. شاع ذكره وانتشر شعره وفلسفته في الهند ولا سيما بين المسلمين فيها ثم اتسع صيته وشاعت آراؤه في العالم. ولا سيما بعد أن قامت دوله باكستان العظيمة، وهي حقيقة تخيلها والناس منه يضحكون، ويقظة حلم بها والبائسون منه يسخرون. ولا يزال أنصاره وتلاميذه يكثرون على مر الأيام إعجابًا بفلسفته -فلسفة الحياة والأمل والعمل- وإكبارًا للمفكر المؤمن والفليسوف الذي لا يأسره الزمان ولا يخضعه تقلب الحدثان والشاعر الذي ينفخ الحياة في الموات، وينضر في القفر ألوان النبات، ويشعل الجمر الخامد في الرماد الهامد”. وقال عنه الدكتور أحمد مظهر: “ولو كان إقبال شاعرًا نابغًا لكفاه، ولو كان فليسوفًا مبدعًا لكفاه، ولو كان مصلحًا اجتماعيًّا أو زعيمًا سياسيًّا لكفاه، ولكن الله سبحانه وتعالى قد وهبه شخصية جامعة لهذه الأوصاف النبيلة”. واعتبره الدكتور نجيب الكيلاني أحد أولئك القلائل الذين بعثوا النور في سماء الشرق من أمثال الأفغاني. وقال: “إن إقبال شاعر الإسلام وفليسوف كبير. وهو أول أديب مسلم في العصر الحالي. استطاع أن يستلهم الإسلام في وضع فلسفته المشهورة فلسفة الذات أو خودي. وكان شعره وعاء لهذه الفلسفة التي آمن بها ودعا إليها في صدق وحرارة. ولم يحظ شاعر أو فيلسوف مسلم بشهرة تضارع شهرة شاعرنا الكبير في هذا العصر”.
كان الدكتور إقبال من عباقرة القرن العشرين ومربي جيل جديد. وكانت شخصيته فذة وذات مؤهلات عديدة. فهو داعيةٌ إسلاميّ نشيط ومصلح دينيّ غيور، وفيلسوف بعيدُ الغور، ومفكِّر فضائيّ التأمّل والبرهان، ومتصوّف إشراقيّ التحليق، وسياسيّ قدير ومحنَّك، وفوق كلِّ هذا وذاك فهو شاعرٌ مُرهف الشاعريّة. يتميز إقبال عن غبره من الشعراء في شبه القارة الهندية بأسلوبه في الشعر. يتسم أسلوبه بالطلاوة والعذوبة حيث توجد فيه حلاوة الإيمان وسلامة البيان. فكان شعره في النبي الكريم صلوات الله عليه من أبلغ أشعاره وأقواها. وكان حشاشة نفسه وعصارة عمله وتجاربه. وكان تصويرًا لعصره وتقريرًا عن أمته، وتعبيرًا عن عواطفه. فكان إقبال صاحب فكرة واضحة وعقيدة راسخة عن خلود الرسالة المحمدية. اشتد إيمانه بالرسالة المحمدية وحبه وغرامه بشخصية محمد صلى الله عليه وسلم. اختار الشعر وسيلة لإبلاغ الرسالة المحمدية واستخدم عبقريته الشعرية ومواهبه الأدبية في نشر عقيدته وشعوره ودعوته. حاول أن يغرس حب الرسول في قلوب المسلمين من خلال أشعاره الرائعة. فهذا هو شاعر الإسلام محمَّد إقبال مدرسة إصلاحيَّة إسلاميَّة جأرت بقوَّة في سبيل استنهاض المسلمين، قضى كلَّ عمره في خدمة هذا الدِّين فحقَّ له أن يُخلّد في سجل الخالدين. وسيذكره التاريخ دومًا كمفكر عظيم وكبطل من أبطال الإسلام.
المراجع والمصادر:
- رسالة المشرق لمحمد اقبال، ص 44-45
- دكتور رياض مجيد : اردو مين نعت كوئ، ص 428
- روائع إقبال: للسيد ابي الحسن علي الندوي، ص 68
- فلسفة إقبال وأساسها: للدكتور عبد الوهاب عزام ص 13 من كتابه ” إقبال العرب على دراسات إقبال”
- مقدمه كتاب “إقبال العرب على دراسات إقبال” جمع الدكتور أحمد مظهر : نقلا عن كتاب “إقبال وفكره الديني والفلسفي: لمحمد العربي بوعزيزي” دار الفكر المعاصر- لبنان – دار الفكر سورية.
- “إقبال الشاعر الثائر” : لنجيب الكيلاني ص 6 مؤسسة الرسالة.
- ” الطريق إلى المدينة: للسيد أبي الحسن على الندوي: ص 22.