نحن جميعا مجمعون أننا في لحظة أزمة، ولست أهلك الناس بهذا الشكل، فقط أنا أبني موضوعي على هذه الشاكلة كي نعبر من الكائن نحو الممكن، ومن الواقع الضيق المأزوم نحو الأفق المرسوم.
فلننظر سريعًا إلى مآسي و أحزان إنساننا في كل العالم، سنجده مسجون ذاته وفردانيته وأنانياته! فهو فريسة الإستهلاك والفوضى المتواصلة والتيه.
لقد صرنا نقبع في غابة رقمية قتلت المعلومة من حيث توفرت إلى حد جاوزت حدود المسافة بين الخيال والمحال.
لكن، هل إنسان زماننا هذا سعيد؟
هل تحققت له السكينة والطمأنينة؟
إنه لقدر بائس هذا الذي انتهى إليه إنسان هذا الزمان.
فهل إلى خروج من سبيل؟
طبعًا نعم، فكي تتجاوز البشرية الضائعة هذا المنعطف الخطر، وحدها جماعة الإيمان تملك كلمة السر: “الله تعالى”
يجب أن نبني حضارة القرآن ومجتمع القرآن وأن نتداول مفاهيم القرآن.
وليس ذلك إلا لجماعة الإيمان.
لأن شرف القرآن يأبى أن يشرق إلا في الصدور الطاهرة والنفوس الزكية
لماذا جماعة الإيمان؟ وهذا سؤال وجيه.. قد ينتظر البعض محاورات فلسفية وفكرية وثقافية عقيمة على شاكلة: (وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ ۖ وَإِن يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ ۖ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُّسَنَّدَةٌ ۖ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ ۚ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ ۚ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ ۖ أَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ) (المنافقون- 4)
كلا، وما أنا بفاعل! بل سوف أعود كتلميذ راسب أقر واعترف أنه لم يفهم درسه جيدًا، لأنه لم يركز جيدًا ولم يقدر الموقف حق التقدير. لأن الإمتحان هنا متعلق بمصيره دنيا وآخرة.
على من يريد الإنضمام إلى أهل شرف هذا البناء أن يكون متجردًا لله رب العالمين؛ بمعنى أن يقوم بعمل داخلي في نفسه بأن يوقد مواجيد قلبه وروحه كي لا تطلب غير الله، وهنا ميادين الدعاء ودموع الليل ومحاسبة النفس على الأنفاس
إن ذئاب العصر لا قبل لها بجماعة الإيمان.
لأنها وحدة روحية عميقة متينة، ربطت بحبل الله الصادقين والصادقات حتى دون تعارف، لأنهم أينما وجدوا فهم ذوو نبض واحد على قلب واحد، قلب متوجه إلى الله على خطى وهدي سيدنا رسول الله.
لقد كانت جماعة المؤمنين أول الأمر مبنية على الأخوة: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ)(الحجرات -10) الأخوة قوة، لكنها تحقق أبعادها وآثارها في الفرد والمجتمع حين تكون صادقة غير منفعية قصد بها وجه الله في السوابق واللاواحق.
ونجد أيضا مبدأ التراحم والترابط والتواد في الله تعالى، وهنا أطلب من سيادتكم التكرم بتأمل الحديث الشريف التالي قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: “مثل المؤمنين في توادهم و تراحمهم و تعاطفهم مثل الجسد؛ إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسّهر والحمّىّ”رواه مسلم.
فهذا التشبيه ورد عن من أوتي جوامع الكلم صلى الله عليه وسلم. وفيه إشارة إلى حياة الجماعة، جماعة الإيمان.
وهذا الجسد طبعا يعيش في وضع تضامني كامل في الحس والمعنى، روحيا وإيمانيا وأيضا ماديا..
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إن الأشعريين إذا أرملوا في الغزو، أو قل طعام عيالهم بالمدينة جمعوا ما كان عندهم في ثوب واحد، ثم اقتسموه بينهم في إناء واحد بالسوية، فهم مني، وأنا منهم” متفق عليه.
وهنا مربط الفرس في كل ما يتعلق بتسير جماعة الإيمان ماديًّا، يعني أنهم يعيشون في وضع تشاركي يكفل بعضهم بعضًا، كل حسب طاقته..، لكن هدفهم الأسمى هو حفظ اللحمة والوحدة والتآزر.
فجماعة المؤمنين ليست ناديًّا للرياضات الروحية الباطنية أو مهربًا من الدنيا أو فرارا منها. بل هي جزر نجاة لغرقى الإنسانية..
يقتدون فيها بهدي رحمة الله تعالى للعالمين..
هكذا برفق وتدرج وعمق تبنى جماعة الإيمان، على عين الله تبنى وبسيرة رسول الله تسقى وعلى أكتاف الغيورين تبقى..، تبقى أمانة يسلمها الآباء إلى الأبناء حتى يوم اللقاء..
هذا نداء الإيمان، فمتى نبدأ البناء..