الفوائد التربوية في مواعظ لقمان لابنه

في قَصص القرآن الكريم عظات وعبر، في إخباره لنا وقصه علينا من أخبار الماضين، مفردا ومكرَّرا جاء أداة تربية، ومصدر تَوجيه ووعظٍ يربي المجتمع، وفي مواعظ القرآن عِبرة وتذكِرة لِمن أراد أن يَعتبر ويتَّعظ، وأحب أن يتخلق بالأخلاقَ الفاضلة، والسلوكَ الحسَن من سيرة الأنبياء والمرسلين. والصالحين من عباد الله، ومن جميل المواعظ، وروائع الوصايا ما كان بين لقمان وابنه، وهو ما ينبغي أن يكون عليه كل والد وولده.

نلمح من مواعظ لقمان لابنه عدة أبعاد تربوية، نجملها فيما يأتي:

– استخدام أسلوب الوعظ القائم على التخويف من عواقب الأمور، مما يثير دافعية الابن نحو ترك المنهيِّ وفعل المأمور.

– استخدامه أسلوب التودُّد والتحبب في توجيه المواعظ لابنه؛ حيث ابتدأ خطابه له بقوله: (يَا بُنَيَّ) (لقمان: 13)؛ لاستمالته وإشعاره بالاهتمام به، والشفقة عليه.

– استخدامه أسلوب (التحذير والربط)؛ فقد حذَّره من الشرك والتكبر، وربطه بالصلاة والصحبة الطيِّبة

– استخدامه أسلوب (التعليل وبيان الحكمة للأوامر والنواهي)؛ ليكون أدعى للاستجابة عند ابنه، وشحذًا للتفكير المنطقي عنده.

– إثارة الجانب العاطفي ومخاطبة الوجدان؛ ليحملَه على تقدير أمِّه والإحسان إليها؛ حيث ذكَّره الأسلوب القرآني بما تقاسيه الأم طيلة مدة الحمل إلى الولادة.

– الاهتمام بتربية الوازع الديني -الشعور برقابة الله تعالى- ليبقى رقيبًا على أعماله ويُقوِّم اعوجاجها، وهو ما ينمي عند الأبناء حسَّ الرقابة الذاتية ومحاسبة النفس.

– تقريب المعاني عن طريق التمثيل بالمحسوس، وذلك من خلال الصورة المحسوسة التي عرضها لقمان لابنه، والتي تدل على سَعَة علم الله وقدرته، بغرض حمل ابنه على مراقبة الله تعالى.

– تربية الإرادة وتوطين النفس على تحمُّل المكاره؛ حيث أوصاه بالصبر.

– تكوين اتجاهات إيجابية عند ابنه من خلال دعوته للقيام بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تجاه أبناء مجتمعه.

السمات البارزة في هذه الوصايا

– توجيهات تراعي الأولويات، وَفْق ميزان الشرع، فتُقدِّم ما هو أولى بالتقديم، وتُؤخر ما حقه التأخير

فحق الله في التوحيد الخالص وإفراده بالعبادة أولى بالتقديم من حق الوالدين في الطاعة: (يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ) (لقمان: 13)، ثم ثنَّى بحق الوالدين، فقال: (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ)(لقمان: 14)، ثم أكَّد هذا المعنى، فقال: (وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا) (لقمان: 15)، واللهُ الذي أنعم أولًا بتهيئة أسباب الرعاية، والوالدان هما سبب الرعاية، فكان السياق: (أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ) (لقمان: 14)، وإصلاح النفس مُقدَّم على إصلاح المجتمع؛ ولذلك أوصى ولدَه بإقامة الصلاة، التي هي وسيلة لإصلاح النفس، قبلَ أن يوصيه بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، الذي هو وسيلة إصلاح المجتمع: (يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ).

– لا تحذِّر مِن المساوئ إلا بقدر ما تعرِّف بالمحاسن، ولا تنهَ عن المنكر إلا بقدر ما تأمر بالمعروف، ولا ترهب من الرذيلة إلا بقدر ما ترغب في الفضيلة:

التربية السلبية هي التي تحذِّر من الشر ثم تترك الدلالة على الخير، ومعنى التربيةِ: التنميةُ، ومَن يكتفي بالتحذير مِن المساوئ، والنهي عن المنكر، والترهيب من الرذيلة، والتخويف من الشر، ثم لا نرى منه تعريفًا بالمحاسن، ولا أمرًا بالمعروف، ولا ترغيبًا في الفضيلة، ولا دلالةً على الخير – هو في الحقيقة يقتصر على الهدم دون البناء، والتربيةُ الناجحة تقوم على الهدم والبناء، على التخلية والتحلية، على التطهير والتنمية.

ماذا يمكن أن تُقدم هذه الوصية للفرد والمجتمع المسلم في زمان العَوْلَمة؟

ارتكزت الوصية على أربعة محاور:

1- سلامة العقيدة والتصور: وبذلك تحمي المجتمعَ من الاختراق ومحاولة إفراغ هُوِيَّته من قِبل الغرب المتربص.

2- التطبيق العملي: وهو ربط الفكر بالسلوك، فالعَوْلَمة تحاول إيجاد أفراد ذوي شخصيات مبتورة عن واقعها وتاريخها، وإغراق البشر بالماديات.

3- الإيجابية: التفاعل مع المحيط الخارجي للإنسان، فبعدَ أن يستكمل لنفسه مُقوِّمات الحياة السليمة، يلتفت لغيره موجِّهًا ومرشدًا.

4- تهذيب النفس والارتقاء بها وضبطها: من آثار العَوْلَمة تفكُّك الأُسر والمجتمعات، ومعلوم أن من أهم أسباب تحقيق أهداف التربية تهيئةَ البيئة المناسبة للتربية، وإشباع الحاجات العاطفية للمتلقي باستخدام أعذب الألفاظ، كما في (يَا بُنَيَّ).

علاقة وصية لقمان بسورة العصر

هذه السورة الصغيرة (سورة العصر) ذات الآيات الثلاث تُمثِّل منهجًا كاملًا للحياة البشرية كما يريدها الإسلام، إنها تضع الدستور الإسلامي كلَّه في كلماتٍ قصار، وتصف الأمة المسلمة – حقيقتها ووظيفتها – في آية واحدة: (إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ) (العصر: 3)، فسورة العصر تُمثِّل نموذجًا للإعجاز التشريعي للقرآن؛ لأنها تحمل المنهج الذي أراد الله سبحانه وتعالى أن تستقيم عليه حياة البشر، فكذلك وصايا لقمان تمثل نموذجًا آخر للإعجاز التشريعي؛ لكونها ترسم الإطار العامَّ للمنهج الذي ارتضاه الله للبشرية؛ لأن تلك الرسالة التي حملتها سورة العصر هي تلك التي تضمَّنتها وصايا لقمان، فسورة العصر تشكل الخطوط العريضة لوصايا لقمان، وسورة لقمان تمثل التفصيل بعد الإجمال.

وقد أقسم الله عز وجل في هذه السورة بالعصرِ الذي هو الدهر، وهو محل الحوادث من خير وشر، فأقسم الله عز وجل به على أن كل الإنسان في خُسْرٍ، إلا مَن اتصف بهذه الصفات الأربع: الإيمان، والعمل الصالح، والتواصي بالحق، والتواصي بالصبر.

وبعد هذه الرحلة الماتعة، نوصي أنفسنا والمربِّين من الآباء والأمهات والمعلمين:

  • حاوروا أبناءكم بالرفق واللِّين قبل الشدة والعنف.
  • كن معلمًا بالقدوة والعمل قبل القول.
  • استخدموا وسائل التربية القرآنية والنبوية
  • علِّموهم بالقصة والحوار، والوعظ، والترغيب والترهيب، وضرب الأمثال.
  • ليكُنْ هدفكم: إصلاح أنفسهم، وإصلاح أولادهم، وتعبيدهم لله، وتهذيب أخلاقهم، وتعليمهم ما يُنجِّيهم في الدنيا والآخرة.
  • جنِّبوهم كل ما يُفسدهم، جنِّبوهم الترف والميوعة.
  • لا تهملوا أوقات فراغهم؛ فالوقت هو الحياة.
  • جنبوهم الخلافات العائلية، والمفسدات والخصومات.
  • لا تُسرفوا في إنفاق الأموال عليهم، ولا تَمنعوهم ما يحتاجون إليه فتفسدوهم.
  • علِّموهم آداب المجالس، وآداب الطريق، والحرص على عدم إيذاء المسلمين.

المراجع:

– الملامح التربوية في مواعظ لقمان؛ زهير عبد الرحمن الأتاسي، موقع المختار الإسلامي.

– المضامين التربوية لوصايا لقمان؛ د/ نوف بنت ناصر التميمي، ص 92، دار طيبة، الطبعة الأولى (1429هـ، 2008م).

– المضامين التربوية لوصايا لقمان؛ د/ نوف بنت ناصر التميمي، ص 93، دار طيبة، ط/ الأولى (1429هـ، 2008م).

– مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين، جمع وترتيب: فهد بن ناصر بن إبراهيم السليمان، الناشر: دار الوطن – دار الثريا، الطبعة: الأخيرة – 1413 هـ.