يأتيكم هذا العدد من مجلة حراء في ظروف استثنائية تمر بها البشرية عامة في ظل فيروس كورونا الذي غزا بلدان العالم، واضطر الناس إلى الاختباء في منازلهم فرارًا من فتكه. الأسرة الإنسانية تعيش حالة عجيبة من العزلة لم تجربها من قبل، فقد انقلبت الحياة رأسًا على عقب، بالتأكيد لم يكن هذا المشهد الغريب في حسبان أي أحد. لكنها قد تكون أيضًا فرصة ذهبية لإعادة النظر في كثير من القضايا التي تخص الإنسان. ولعل أولوية الأولويات التي ينبغي أن يعاد النظر فيها هو الإنسان ذاته، ولعل فترة المكوث في المنازل تهيئ المناخ للتفكير بحقيقة الإنسان، واكتشاف مكنوناته وطاقاته الخفية. إلى ذلك يشير مقال الأستاذ فتح الله كولن “أعماق الذات الإنسانية” في افتتاحية هذا العدد، داعيًا إلى اكتشاف “فطرة الإنسان الفريدة التي أودع فيها من المواهب والقدرات ما يؤهلها أن تكون كل شيء”.
وبما أن فيروس كورونا هو موضوع الساعة في كل أنحاء العالم، فقد سلطت الدكتورة “صهباء بندق” الضوء عليه بالتفصيل مع دليل واف لكيفية مواجهته في مقالها “كورونا.. حلفاء وأعداء”. وفي السياق ذاته يعالج الدكتور “محمد باباعمي” هذا الوباء انطلاقًا من مفهوم “المصيبة” وكيفية مواجهة هذه المصيبة بالمنطق الإيماني. أما الدكتور “ناصر أحمد سنه” فيتحدث عن المناعة بما أنها إحدى الكلمات المفتاحية إبان جائحة كورونا في مقاله “علاج أمراض المناعة ومشكلة الأحماض الدهنية”. وفي سياق متصل لا بد من الإشارة إلى مقال “النوم المنظم وضبط إيقاع الجسم” للدكتور “عمر سرانور”.
لقد أهلّ علينا رمضان بوجهه المشرق، ليضفي على الحجر العام الذي نعيشه نكهة روحية فيحول حياتنا كلها اعتكافًا وعبادة. فما هي فوائد الصيام وهل يضرنا وسط محنة كورونا؟ مقال الدكتور “عمر باموك” “الصيام المتقطع وأثره في الوقاية من الأمراض” يجيب على هذا السؤال بطريقة غير مباشرة. وبما أن شهر رمضان شهر الرحمة والتسامح والتعايش، فقد وضعت هذه المعاني صبغتها على هذا العدد من خلال مقالات غاية في الروعة، بدءًا من مقال العلامة الدكتور “علي جمعة” “الأفق الإنساني في الرحمة الإسلامية”، ومرورًا بمقال “إرساء قواعد التعايش في ظل وثيقة المدينة” للدكتور “محيي الدين عفيفي”، وانتقالاً إلى مقال “عبد السلام كمال” “التسامح دستور حياة في الإسلام”، وانتهاء بمقال “موضوعية الوسطية في صناعة السلام” للدكتورة “جميلة مرابط”.
أما الدكتور “إيهاب عبد السلام” فيعالج قضية في غاية الدقة في مقاله “شعر الأطفال بين جدلية الأدب والتربية”، بينما “ماث آلاي” يسلط الضوء على عالم الطفل المعرفي وكيف يمكن تشكيله بصورة صحيحة في مقال “الطفل وعالمه المعرفي”. أما الدكتور “بركات محمد مراد” فيكتب عن “عمر الخيام بين الشعر والرياضيات”، فيما يتناول الدكتور “رشيد عمور”، “أثر العقيدة في بناء الشخصية السوية”، أما الدكتور “محمد السقا عيد” فيتحفنا بمقال عن “عمى الألوان هل يصيب الرجال أم النساء؟” ونسبة الإصابة به بين النساء والرجال.
أما “صابر عبد الفتاح المشرفي” فيسبر أغوار كتاب “الغرباء” للأستاذ كولن ليستخرج دررًا نادرة من المعاني الفريدة في مقاله “استدعاء الموروث في أدبيات كولن”. كما ننبهكم في باب الأدب إلى رائعة شاعرنا الكبير الدكتور “حسن الأمراني” “للشوق أجحنة”، إلى جانب مقطوعات “ألوان وظلال” التي تنبض روحًا وتخفق حكمة.
وأخيرًا نسأل المولى تعالى أن يكشف عن الأسرة الإنسانية هذه الغمة التي أقضت مضجعها وهزت كيانها، ابقوا بأمان.