احتلت الجواهر والأحجار الكريمة عبر العصور مكانة متميزة في نفوس الناس، واستحوذت على إعجابهم وتقديرهم منذ القدم، حيث كانت تمثل رموزًا دينية وسحرية أحيانًا، صنعوا منها الطواقم والإحراز، كما اتخذوها أيضاً للزينة، تعبيرًا عن الثراء والرفعة، والتميز في المجتمع، جاء ذكرها في الأساطير، والكتب السماوية وقصص التراث، تغني بجمالها الشعراء، واستخدامها السحرة والأطباء، فتن بها الملوك، فتزينت بها محافلهم، ازدانت بها تيجانهم وملابسهم، وأواني طعامهم، حتى الكهنة ورجال الدين رغم تقشفهم وزهدهم، فوجدت في دور العبادة والمعابد، عرفت في مصر القديمة، وعند الصينيين، والإغريق والهنود والرومان، والعرب الذين اهتموا في مؤلفاتهم بالأحجار الكريمة اهتمامًا كبيرًا وزدوا على ما أورده القدماء في أوجه استخدامها وأصنافها ومزاياها الوظيفية والعلمية وطرق تعدينها وصياغتها، وكان ذلك دليلاً واضحًا على وقوفهم علي أسرار هذا العلم، ولم ينقطع تعلق الناس بها حتى الآن، فمن السهل التعرف عليها في الميادين والمنازل، ولاسيما الهدايا والنياشين، التي تتوارثها الأجيال جيل بعد جيل.
– الأحجار الكريمة وأنواعها
تنتمي الأحجار الكريمة إلى قسم كبير من المركبات الكيمائية الطبيعية المعروفة بالمعادن، وتنقسم تنازليًّا حسب قيمتها الاقتصادية على أساس الثمن، من الألماس إلى الروني “الياقوت” والسافير، والزمرد والالكسندرين، والأفكلانس وغيرها حوالي ستين معدنًا، تنفرد الجواهر بتكوينها من معدن واحد في شكل بلورة أحادية، لها درجة عالية جدًا من الصلابة، وقدرة كبيرة علي انكسار الضوء والبريق، وفي العادة فالأحجار الكريمة كلها شفافة، وعند احتوائها علي شوائب تعطي ألوانا طبيعية مختلفة، وتعطي الإحساس والانطباع بأن الجوهرة مضاءة من الداخل، كما من أهم خصائص الأحجار الكريمة ثبات تركيبها الكيميائي، الذي لا يتأثر بالحرارة والرطوبة والضغط والمقاومة للأحماض والمواد العضوية والتقلبات الجوية، مما يحافظ على شكلها وشفافيتها وبريقها على مر السنين، كما ترجع صلابة الأحجار الكريمة إلى التركيب البنائي لبلوراتها، فكلما اقتربت الذرات من بعضها البعض زادت صلابة البلورة، كما تحدد الأسعار وفقاً لأربعة معايير هي اللون والصفاء والشكل والوزن، ونتعرف الآن على أهم وأشهر هذه الأحجار الكريمة.
– الماس وقدراته السحرية
يرجع جمال الماس، واعتباره أشهر الأحجار الكريمة، لأنه يحمل كل صفات الحجر الكريم من بريق شديد، وصلابة لا يقطعها شيء، ولكنه يقطع كل شيء، ويتكون الألماس من مادة الكربون النقي بفعل حرارة البراكين وضغطها، وهو أصلب مواد الطبيعة، وجميع الألماسات تتكون داخل أنابيب عمودية في الصخر تدعي “كمبرليت أو لامبرويت” تدفع إلى أعلى مع مر العصور، وتتراوح أنواع الماس بين بياض ثلجي وناصع، وصفار شاحب، ويعتمد صانعوا الجواهر طريقة الحروف الأبجدية في التعرف علي ألوان الألماس، مبتدئين بالحرف Dالذي يرمز إلى البياض الناصع ومنتهين بالحرف Z، وقد عرف الألماس من قديم الزمان لدى الهنود وعند القدماء المصريين، ففي بعض المومياوات المصرية، وجدت جواهر الزينة من اللآلئ والأحجار الكريمة التي يرجع تاريخها لأكثر من أربعة ألاف سنة قيل الميلاد، كما وصفت المخطوطات الهندية القديمة، خصائص الماس وأنواعه وتصنيفاته، حسب درجة ألوانه وشفافيتها وصفائه من العيوب، والمدهش في وقتنا الحالي، أن الكتب الصادرة في أمريكا وفي مدينة “أنتو برب” البلجيكية في كيفية تقويم الماس وتصنيفه، لا يختلف كثيرًا عن المخطوطات التاريخية القديمة، وعلى هذا فأن الماسة المثالية عند الهنود، يجب أن تكون ثمانية الأسطح، شفافة نقية وكاملة البياض عديمة اللون، وقد قدر الهنود الماسة البيضاء الكاملة النقاء، من خلال قدرتها الساحرة على تشتيت الضوء إلى ألوان الطيف، أما اهتمام الرومان بنظريتهم العسكرية إلى الأمور، فتركز على صلابة الماس وقساوته بدلاً من قدرته على تشتيت الضوء، في حين كانت نظرة الصينيين عملية أكثر فانحصرت أهمية الماس لديهم، باستعماله في أعمال الحفر والنقش. أما العالم العربي الشهير البيروني فيقول في وصف الماس ومن خواص الماس ترجع إلى أنه ذو زوايًّا قائمة، ست زوايًّا أو ثماني زوايًّا، وأكثر من ذلك، وإذا كسر فلا ينكسر إلا مثلثًا على أقل الأجزاء، وتعني هذه العبارة بلغة علم المعادن الحديث أن الماس ينكسر حسب أسطح الانفصال الطبيعية منه.
– الياقوت
الياقوت من الأحجار الكريمة النادرة جدًا، نظرًا إلى ضرورة وجود آثار الكروم فيه، والمعروف أن وجود الكروم في الطبيعية محصورًا في أماكن قليلة، أما التركيب العلمي للياقوت، فهو عبارة عن بلورات وأكسيد الألمونيوم ويماثل الصفير في تركيبه، ولكن وجود الآثار القليلة من وأكسيد الكروم، يجعل أكسيد الألمونيوم، أحمر اللون، وتسمي البلورات الناتجة عن هذا التحلل “الياقوت” بينما تسمي بلورات وأكسيد الألمونيوم ذات الألوان الأخرى كالأزرق والأصفر والبرتقالي بـ”الصفير” ومع أن اللون المميز للياقوت هو اللون الأحمر، نجد أن درجة الحمرة فيه تختلف باختلاف تركيبه ومصادره، ولكن أفضل ألوانه هو ذلك الذي يدعي “دم الحمامة” ويتميز بنقائه وصفائه، ولا يوجد إلا في ياقوتة واحدة بين كل عشرين ألف ياقوته، وينتشر هذا النوع بين الياقوت المستخرج في الهند وبورما، ويذكر ابن الأكفاني في كتابه “الذخائر في أحوال الجواهر” أن الياقوت هو أول الجواهر وأنفسها وأغلاها، كما يقول البيروني في وصفه الياقوت بصلابته يغلب ما دونه من الأحجار، ثم يغلبه الألماس، ومن خواصه الشعاع والصقالة، ولذلك يشبه بجمر الغضا، لأنه أصدق ضوءً وأشد حمرة، وقد عرف الإنسان الياقوت منذ قرابة ألفي سنة قبل الميلاد، وقد سعر الياقوت لجماله وندرته، وكانت هذه الجواهر دائمًا رمزًا للغني المترف، ولمكانة الطبقة الاجتماعية، حيث تزخر تيجان السلالات الأوروبية والأسيوية على حد سواء بالياقوت البديع، حتى أن نقشًا لملكة بريطانيا إليزابيث الأولى محفورًا علي ياقوتة كبيرة، وبلغت الرهبة التي يوحيها لون الياقوت الأحمر، درجة جعلت الشرقيين في العصور القديمة، يعتقدون أنه ينبض بالحياة، وأنه ينضج داخل الأرض كأي ثمرة أخرى، حتى أن صحف القرون الوسطي، وصفت الياقوت كعلاج لعدد من الأمراض المزمنة، عن طريق تناوله في شكل مسحوق أو بمجرد بقائه ملامسًا للجلد، كما كان الياقوت يعرف في الهند باسم “السنكريتي” أي الراتناراج وهي كلمة تعني ملكة الأحجار النفيسة، كما اعتقد سكان بورما أن الياقوت يجعل الإنسان لا يقهر في المعارك، فكان المحاربون يخبئون حجارة كريمة داخل ثيابهم.
– الزمرد
هو تركيب معقد من سيليكات البربليوم والألمونيوم، ويكون عديم اللون عادة، لكن اختلاطه بآثار قليلة من الكروم في الطبيعة يمنحه اخضرار اللون، ويوجد الزمرد في أماكن تكوينه، على خلاف أحجار الياقوت “الصفير” التي تحملها الأنهار في مجاريها من مواقع تكوينها، وقد عرف الزمرد على الأقل منذ (3500) سنه قبل الميلاد، والمصادر الأولى له هي مناجم كليوباترا الأسطورية، بالقرب من البحر الأحمر في مصر، وقد استغل المصريون هذه المناجم لألاف السنين، ثم أستغلها الإسكندر الأكبر ثم الرومان ثم الأتراك، أما أروع أنواع الزمرد المستخرج من مناجم الموزو في كولومبيا، ويكون ذا خضرة داكنة، يتبعها في الجودة الزمرد المستخرج من مناجم شبقور في كولومبيًّا أيضًا، ويصف البيروني الزمرد قائلاً: “الخضرة تعم أصنافه كلها وأفضله ما كان شبع بالخضرة، ذا رونق وشعاع لا يشوبه سواد ولا صفره”. كما قيل عن الزمرد بأنه يجلو البصر، وحامله لا تقربه الحيوانات ذات السموم، وقد أنتشر ذلك على الألسنة، وقد بدأت التجارة في الزمرد منذ ألاف السنين ولم تتوقف، وهي تجارة تحفها مخاطر التهريب والاختطاف، وحتى القتل، تنتج كولومبيا الآن منه نصف الإنتاج العالمي، وتأتي نسبة 20% من زامبيا، وتنتج البرازيل 15% ثم زمبابوي وباكستان حديثاً، وتأتي كميات صغيرة من أفغانستان وأستراليا ومدغشقر والاتحاد السوفيتي.
– اللؤلؤ
اللؤلؤ خلافًا للماس والأحجار الكريمة الأخرى، يكتشف في حال كاملة ومثالية، فهو لا يحتاج إلى قطع أو صقل، ويرجع تاريخ استخراجه من أعماق البحار إلى أكثر من ألفي عام، وتتكون اللؤلؤة بفعل وجود جسم غريب داخل الصدفة، وقد يكون هذا الجسم ذرة رمل أو حشرة، أو غير ذلك تنحبس بين ثنايا النسيج اللين، الذي يفرز مادة تحيط بالجسم الغريب وتغلفه فتصبح نواة لؤلؤة تتراكم حولها طبقات صدفية متتالية، يقول أرسطو في كتابه الأحجار عن اللؤلؤ حجر شريف، وجوهر ثمين معدني وحيواني، وهو من أجمل الأحجار قيمة وقدرًا ونفعاً، وحلية تلبس، وتكوينه مباين لسائر ما عداه من الجواهر الشفافة، لأنها ترابية وهو حيواني، كما أن اللؤلؤ جنس يشتمل علي نوعين الدر الكبار، والمرجان الصغار، كما عرف اللؤلؤ في اللغة العربية بالعديد من الأسماء المشهورة، نذكر منها اللؤلؤة، الدرة، المرجانة، النطفة، التومة، الجمانة، الحوصة، السفاتة، وغيرها من الأسماء.
– الكهرمان
يرجع تكوين الكهرمان إلى ملايين السنين، وهو ينتج عن تصلب وتحجر الصمغ الداتنجي، ليعطي أنواع الأشجار الصنوبرية، وينتشر في شواطئ بحر البلطيق ليتوانيا وروسيا وبولندا، كما وجد في رومانيا وبورما وجمهورية الدومينيك.
– الفيروز
يتكون الفيروز من فوسفات الألومنيوم “النحاس المائي” وعند وجود بعض الحديد في الفيروز، تكون زرقته ضاربة للخضرة، وقد اكتشف الفيروز في بلاد فارس، حيث يستخرج من منجمين غربي مشهد شمال إيران، ولكن المناجم الفارسية، ليست الأقدام في العالم إذ سبقتها المناجم المصرية بقرون في جبال سيناء، كما اشتهرت بالفيروز مناطق جنوب غرب أمريكا، ومناطق قبائل الهنود الحمر والمكسيك، والفيروز كلمة معربة عن الفارسية “بيروزة” ومعناها النصر، لذلك دعي باسم حجر الغلبة، كما يعرف في العراق باسم “الشذر”، مع أن الشذر يعني في المصادر العربية قطع الذهب الخام.
– فوائد علمية
أن فوائد الأحجار الكريمة في الحياة لا تقتصر عند استخدامها في الحلي وصناعة الجواهر فقط، ولكن تعدد استخدامها مع التقدم العلمي، وجرى استخدامها في الصناعة، لما تتميز به من مواصفات، لا تحصى فعلى سبيل المثال، الإبر ذات الرؤوس الألماسية تحسن من صوت (الفوتوغراف) والمناشير ذات الحد الألماسي تقطع الصلب والرخام، والحفارات الألماسية تخترق الصخور وتصل إلي ترسبات النفط، كما أن جراحو العيون يستعملون شفرات ذات حد من الألماس في الجراحات الدقيقة، أما في الأبحاث العلمية فتعددت استخدامات الأحجار الكريمة، وحاليًّا أصبح في الإمكان تحضيرها في معامل الطبيعة والكيمياء، لاستخدامها في النواحي العلمية والتقنية، ولاسيما أبحاث الفضاء.
المصادر
- الحلي في التاريخ والفن، د/ عبد الرحمن ذكي، الدار المصرية للتأليف والنشر.
- الماس وصف وتقييم، د/ محمود علي صالح، الناشر، الهيئة المصرية العامة للكتاب.
- مجلة العربي، العدد 317
- مجلة الفيصل، العدد 169.
- مجلة الثقافة العربية، العدد الخامس، السنة العشرون.