هل يحتوي الدواء على الكورتيزون؟ سؤال نسمعه- نحن الأطباء- كثيرًا، حيث يعاني كثير من المرضي من “فوبيا الكورتيزون” فما أن يذكر دواء يحتوي على الكورتيزون حتى تتعالى الأفكار السلبية إلى أذهاننا وتبدأ آثاره السلبية والجانبية في الحضور، فمنا من يمتنع عن أخذ الدواء ومنا من يقرر البحث عن بديل، فما مدى صحة تلك السمعة السيئة عن الكورتيزون؟ وهل العلاج بالكورتيزون يسبب هذا القدر من الخوف والإزعاج للمرضى حقا؟ وما حقيقة هذه الاتهامات؟
الكورتيزون عبارة عن مادة هرمونية يتم إفرازها بالفعل في الجسم من الغدة فوق الكظرية على هيئة هرمون الكورتيزول، وهذا الهرمون له فوائد جمة في الجسم اذ يعد إكسير للحياة، فهو يعمل على المحافظة على معدلات التمثيل الغذائي في الجسم، كما يعمل هرمون الكورتيزول على تنظيم السكر في الدم ويعزز من جهاز المناعة في الجسم، وفي الوقت ذاته فهو يسيطر على نشاط جهاز المناعة الزائد تجاه المواد غير المؤذية كما في مرض الحساسية، بالإضافة للعديد من الوظائف الأخرى الغاية في الأهمية.
ولا يوجد دواء يشابه الكورتيزون من ناحية تعدد استعمالاته في علاج الأمراض والأعراض الطارئة على الجسم، فهو يوصف من قبل الأطباء في الكثير من الأمراض، ومثلما تتنوع الأسباب لاستخدام الكورتيزون، تتنوع أيضاً طرق استخدامه، من الحقن إلى المراهم إلى البخاخات إلى قطرات العين وانتهاء بالحبوب والأقراص. ويتلخص المفعول “السحري” للكورتيزون ومشتقاته بتثبيط إنتاج النواقل العصبية المنشطة لعملية الالتهاب داخل خلايا جهاز المناعة.
التأثير العلاجي للكورتيزون
يعد الكورتيزون العلاج الأساسي في كثير من الحالات المرضية كما في حالات موت وتلف الأعصاب الحساسة في الجسم، كالعصب السمعي والعصب البصري وبعض حالات المتقدمة من مرض الحساسية ولعلاج حالات التهاب في بعض مناطق الجسم، سواء الالتهاب الموضعي أو الالتهاب المنتشر في مختلف أنحاء الجسم، خاصة الالتهابات المرافقة لبعض الأمراض مثل: التهاب المفاصل الروماتويدي والتهابات الأوتار والأربطة، الربو، مشاكل وأمراض الكتف، مثل الكتف المتجمدة، بعض المشاكل الجلدية، مثل الثعلبة وآلام الظهر والعنق، أما الاستخدام الأشهر فيكمن في حالات زراعة الأعضاء، لأن الكورتيزون يعمل على تقليل مناعة الجسم، ما يمنع رفض الجسم للعضو المزروع، إضافة إلى أنه يساعد على خفض هرمون الذكورة، لذلك يوصى باستعماله لتنظيم الإباضة.. المهم أن يتم أخذ الجرعة المناسبة واتباع إرشادات الطبيب وعدم العبث الفردي بهذا الدواء لتجنب آثاره الجانبية ومضاعفاته التي قد تحدث.
علاج سحري
لا يبالغ المرء عندما يقول إن “الكورتيزون” هو العلاج السحري والفعال لكل الأمراض المستعصية في العالم، فقد شكل اختراعه ثورة حقيقية في علم الطب وعلاج الأمراض، غير أنه وبالرغم من فعاليته الكبيرة جدا في علاج مشاكل صحية كبيرة لم يكن لها علاج، ولازالت حتى الآن تعتمد عليه جل قطاعات الصحة في علاج الأمراض، غير أن أخذه يجب أن يتم بحذر شديد جدا، ولا يمكن أخذه دون استشارة طبية نظرا للأعراض الجانبية التي قد يتسبب فيها.
يعمل “الكورتيزون” على منع الدفاعات الطبيعية للجسم من الخروج عن طريق منع إفراز المواد التي من الممكن أن تسبب الالتهابات، كما يقوم بتخفيف الأعراض المصاحبة للمرض، كما يعمل على تخفيف الألم والتورم ويعمل “الكورتيزون” على علاج مجموعة كبيرة من أمراض الدم والأمراض المتعلقة باختلال الهرمونات بالإضافة لعدد لا يعد ولا يحصى من الأمراض والمشاكل الصحية الأخرى، ويحاول الأطباء الآن التحايل على المضاعفات حتى يستفيدوا من الجانب الإيجابي فيه ويبتعدوا عن الجوانب السلبية. إنه الكورتيزون الشافي، القاتل، إلا أنه وللآن ما زالت الكثير من آليات عمل الكورتيزون في الجسم غير معلومة.
أضرار الكورتيزون
بجانب العديد من التأثيرات الإيجابية لدواء الكورتيزون، إلا أنه يسبب الكثير من الآثار الجانبية التي تزداد مع زيادة استخدامه، ومن أهمّ الأعراض الجانبية: تعطل الغدة الدرقية وعدم إفرازها لهرمون الكورتيزون بشكلٍ سليم، وحدوث ارتفاع واضطراب في كل من الضغط والسكر. أيضا ترقّق العظام وهشاشتها لتعارضه مع عمل فيتامين د، ارتفاع في ضغط العين وإصابتها بالمياه الزرقاء والبيضاء، تأثر مناعة الجسم ومقاومتها للالتهابات، زيادة في الوزن وترقّق في الجلد فيصبح أكثر قابلية للتشقق، وللجروح، والكدمات، والنزيف، كما أنه يسبب قرحة المعدة، وذلك لأنه يتلف البطانة المخاطية الحامية للمعدة.
يسبب الكورتيزون أيضًا آثارًا جانبية على الجهاز العصبي والنفسي مثل الأرق، واضطرابات المزاج، والانفعال، وقد يصل إلى الاكتئاب الشديد.
يؤخر الكورتيزون التئام الجروح، وكذلك يسبب ضعف العضلات نتيجة قيامه بتكسير البروتين الذين تتكون منه الأنسجة العضلية. كذلك يسبب الكورتيزون السمنة وزيادة الوزن نتيجة احتباس كميات زائدة من الماء والصوديوم بالجسم، وكذلك نتيجة تدخله في أيض الدهون بالجسم، فيسبب زيادتها في بعض المناطق خاصة الوجه، فيسبب الشكل الشهير للوجه المستدير الذي يشبه القمر.
ينصح بعدم استخدامه للنساء الحوامل إلا إذا لم يكن له بديل أبداً. أمّا بالنسبة للنساء المرضعات فبعض الدراسات تشير إلى أنّ هذا الدواء يتمّ إفرازه بالحليب بكميات قليلة لذلك يجب تجنّبه وعدم استخدامه لكيلا يتسبّب بظهور الأعراض الجانبية لدى الطفل، مثل تأخّر النموّ.
تظهر هذه الأعراض غالبًا عند الناس الذين يأخذون جرعات قوية من هذا الدواء ولفترة طويلة من الزمن، وهي نادرة عند الناس الذين يستعملونه خارجياً كالمراهم والبخاخات؛ وذلك بسبب عدم دخوله إلى الدم مباشرة.
مذنب أم بريء؟
تنتاب الكثير من المرضى حالة من الهلع والفزع عندما يصف لهم الطبيب دواءً يحتوي على الكورتيزون، وذلك بسبب سمعته السيئة النابعة من الآثار الجانبية الشديدة المترتبة عليه، فهل الكورتيزون مذنب حقاً أم بريء؟
لقد أحدث اكتشاف الكورتيزون (Cortisone) عام 1949م ثورة في عالم الطب والأدوية، هذه الثورة والضجة التي صاحبت اكتشاف الكورتيزون تلاها جدلًا واسعًا استمر حتى وقتنا الحالي. ولا نبالغ حين نقول إن الكورتيزون علاج سحري أنقذ وينقذ الملايين من البشر، ولا يزال حتى هذه اللحظة عقارا سحريا لكثير من الأمراض المستعصية، بل من التي توصف بأنها “مميتة”. فالكورتيزون يعالج الالتهابات التي تحدث نتيجة مقاومة الجهاز المناعي للأمراض التي تهاجم الجسم.
الكورتيزون دواء بألف وجه، هذا الذي إذا ما وصف للمريض صاح لا بملء الفم، ترى من أين اكتسب هذه المعلومة؟ من ثقافة منقوصة يقع بسببها جور شديد وظلم، فلا نعرف دواء تعرض لكل هذا الكم من الافتراءات مثل الكورتيزون، فقليله فاعل مؤثر وكثيره خطر مدمر، يحيا بين الحقيقة والوهم وهو مستحق لأشهر التعبيرات الطبية، فهو سلاح ذو حدين فقد يكون منقذا للحياة إذا ما أصيب المرء بصدمة الحساسية، وفي الوقت نفسه ذو أثر مدمر إذا أسئ استخدامه.
من خلال كل ما ذكرناه، نستنتج أن الكورتيزون دواء مفيد بشكل سحري للكثير من الأمراض، ولا خوف من استخدامه، بشرط عدم استخدامه من تلقاء نفسك، إنما يجب الرجوع للطبيب أولًا، كذلك عدم إيقاف استخدامه من تلقاء نفسك، حتى لو شعرت بالتحسن، إنما عليك الرجوع للطبيب أيضًا.
ومازال الجدل مستمرا، سواء بين العامة أو العلماء، حول هذا الدواء، وربما لم تثر مادة دوائية على مدى تاريخ الطب، هذا الكم من الجدل الذي أثاره الكورتيزون، منذ اكتشافه حتى اليوم.