لو القينا نظرة على الغذاء في حضارتنا الإسلامية نجد أنه علم قائم بذاته، تناوله عدد كبير من العلماء والمصنفين والأطباء والصيادلة، الذين تركوا لنا في هذا المجال عددًا كبيرًا من المؤلفات، التي بحثوا عبرها في الأغذية ومنافعها ومضارها، وما ينتج عن ذلك من غذاء نافع ودواء ناجح، حيث أهتم العلماء المسلمين اهتمامًا كبيرًا بهذا الفرع من فروع العلم، وأفردوا له العديد من المؤلفات، التي تحدثوا فيها عن الغذاء، وبينوا من خلالها أهمية الغذاء السليم في الحفاظ علي صحة الإنسان، بل إن بعضهم برع في استخدام الغذاء في تركيب العديد من الأودية، التي أثبتت فاعليتها، في علاج العديد من الأمراض، ونتوقف عبر هذه السطور، مع كوكبة من هذه المؤلفات الغذائية، التي نالت شهرة عالمية واسعة.
1- منافع الأغذية ودفع مضارها
يعد كتاب منافع الأغذية ودفع مضارها، لأبي بكر الرازي، من أهم كتب علم الأغذية، في الحضارة الإسلامية، حيث عد الرازي نفسه في هذا الكتاب، المؤسس الأول لعلم الأغذية، وعده فنًّا، حيث قال في مقدمة هذا الكتاب ” لأني لم أجد لمن تقدمني في هذا الفن كتاباً مستقصي، فعملت كتابي هذا “، وقد جعل الرازي كتابه هذا في مقالتين، جعل الجزء الأول فصولاً كثيرة، تحدث فيها عن الأطعمة المختلفة ومنافع بعضها ومضار الأخرى، ووصف كيف يدفع الضرر بمواد غذائية أخرى تقوم مقام الدواء، أو هي بالأحرى دواءً للأولي، ففي الباب الأول، تحدث عن الحنطة والخبز المتخذ منها، ويذكر مضارها وما يدفع به تلك المضار، ويعدد أصناف الخبز المختلفة، ويذكر ما يمتاز به صنف دون آخر، وموافقته للأكل حسب حالته الصحية أو المرضية، وقد استمر الرازي في هذا الكتاب في استعراض مختلف أنواع الأغذية، فيذكر منافع اللحوم ومضارها وأنواعها، ويذكر ألوان الطبيخ والبوادر ومنافها ودفع مضارها، والموافق منها وغير الموافق في حال دون حال، ثم الفواكه ومنافعها ومضارها وعددًا كبيرًا من الأطعمة الأخرى، هذا إلى جانب أن الرازي من خلال هذا الكتاب قرن الغذاء بالدواء والداء، ووصف خواص كل مادة غذائية واستطباباها وغنائها، عن استعمال الأدوية البسيطة أو المركبة إلا في حالات الضرورة القصوى.
2- الجامع لمفردات الأدوية والأغذية
يعد هذا الكتاب من أعظم ما ألف في علم الأغذية والطب في تراثنا العربي الإسلامي، مؤلفه هو عبدالله بن أحمد الأندلسي المالقي الملقب بالعشاب، والمعروف بابن البيطار، والمتوفي 646هـ، وقد اسمي ابن البيطار مؤلفه هذا بالجامع، لكونه جمع بين الداء والدواء والغذاء، وهو مؤلف ضخم ومعجم طبي غذائي علاجي، رتبه صاحبه حسب الحروف الهجائية، ليسهل الاطلاع عليه، واعتمد في تأليفه على مؤلفي الروم والعرب، وتجارب الهنود والمصريين القدماء، إلى جانب ما أضافه أطباء الإسلام كالرازي وابن سينا من المشارقة، وابن جلجل وابن وافد من الأندلسيين، وعلى تجاربه الخاصة فقد “وصف فيه أكثر من 1400 عقار بين نباتي وحيواني ومعدني، منها 300 جديدة، وقد بين الفوائد الطبية لجميع هذه النباتات، وكيف يمكن استعمالها كأدوية وأغذية” وأن هذه الأنواع الجديدة التي أضافها لم يعرفها اليونان من قبل، كالقرنفل والتمر هندي، وجوز الطيب والقرفة، وتميزها وجميعها ذات خواص علاجية، تدخل في تركيب كثير من العقاقير المعروفة في الطب المعاصر.
3ـ منهاج البيان
مؤلفه بن جزله الدمشقي، وقد اسماه صاحبه منهاج البيان، فيما يستعمله الإنسان، وهو كتاب أدمج صاحبه فيه أسماء بعض الأطعمة والأغذية، وعرفها مقرونة بأسماء المفردات والمصطلحات الطبية المختلفة، كما وصف في هذا الكتاب المفردات والأغذية والأعشاب الطبية، وبين خواصها ومنافعها وطرق استعمالها وفوائدها “والكتاب يمثل ما وصلت إليه الثقافة الطبية في تجربة الأدوية والأغذية مفردة ومركبة، في القرنين الخامس والسادس الهجريين في تاريخ الحضارة الإسلامية”.
كتب الطبيخ والغذاء
وإذا تعمقنا في المكتبة الترائية العربية في البحث عن كتب الأغذية، نجد المكتبة العربية ثرية بالعديد من المؤلفات، التي تناولت الأطعمة وقيمتها الغذائية، وكيفية طبخها والنافع والمفيد منها فيما عرف عند العرب بكتب الطبيخ، فقد أشار ابن النديم الوراق في كتابه “الفهرست” إلي أكثر من خمسين كتاباً ورسالة في الأطعمة والأغذية والطبخ والولائم وآداب المائدة، وكان ممن كتب في الأطعمة والأغذية كل من الشافعي وداود الظاهري، والكندي وحنين ابن أسحاق، وقسطا بن لوقا، وعيسي بن ماسه، ويوحنا بن ماسويه، وعلي بن سهل الطبري، ونذكر من هذه المؤلفات كتاب الطبيخ لإبراهيم بن المهدي، وكتاب الطبيخ لابن الأنباري، وكتاب الطبيخ ليحي بن علي أبي منصور الموصلي، وكتاب الطبيخ لابن خرداذبة، وكتاب الخبز والزيتون، وكتاب حرب اللحم والسمك لابن الشاه الظاهري، وكتاب الطبيخ للسرخسي، الذي قدمه للخليفة المعتضد، وكتاب الطبيخ لمحمد بن الحسن البغدادي، الإ أن أهم هذه المؤلفات الغذائية كتاب الطبيخ وإصلاح الأغذية المأكولات لنصر بن سيار الوراق، هذا الكتاب الهام الذي بحث فيه صاحبه الغذاء والدواء معاً، وقدم فيه أصلح الأغذية والمأكولات، وذكر فيه مؤلفه كثيراً من مصطلحات الطب وحفظ الصحة، كما جمع فيه إلي جانب المصطلحات الطبية والوصايا الصحية، كل ما اتصل بذلك من صفات الأطعمة والأشربة في عهد الخلفاء العباسيين، وهذا الكتاب لا يزال إلى اليوم مخطوطاً في خزانة أكسفورد.
صناعة الدواء من الغذاء
كما أن هناك من العلماء المسلمين، من برع في تصنيع المواد الغذائية، وجعل منه أدوية تستخدم في علاج المرضي، وكان من مقدمة هؤلاء أبي نصر العطار في كتابه الهام منهاج الدكان ودستور الأعيان في أعمال وتركيب الأدوية النافعة للأبدان، حيث ذكر المؤلف في مقدمة هذا الكتاب، ما يتضمنه كتابه من فصول وأبواب من ذلك “قانون عمل الأشربة وطبخها والسفوفات ودقها والمراهم وطبخها” وهذه المصنوعات الصيدلانية تدخل الأغذية في تركيبها كمواد بسيطة مفردة أو مركبة لينتج عنها دواءً مفرداً كان أو مركباً، وأيضاً ابن العديم في كتاب الوصلة إلي الحبيب في وصف الطيبات والطيب، وهو واحد من الكتب الطبية، التي ألفت في الغذاء والطب والصيدلة، معتمداً علي الوصفات الغذائية، التي أحسن صنعها علماؤنا العرب، وتوجد محاولات علاجية لتقليدها في صناعة الأدوية في عصرنا هذا، فما يسمي بالطب البديل.