كان يعتقد أن الخفافيش من فصائل الطيور، لأنه يطير، رغم أن جسمه مغطى بوبر أقرب إلى الشعر منه إلى الريش، وله أسنان بدلاً من المنقار، ولا يضع بيضًا كالطيور، بل تلد الأنثى صغارها وترضعها من ثدييها لذلك صنفت ضمن الحيوانات الثديية. وتصل أنواعها إلى ألف نوع أي نحو خمس أنواع الثدييات كلها. فهي تحل المرتبة الثانية بعد القوارض من حيث أعداد أنواعها. والخفافيش مجموعة شديدة التنوع. تعيش في كل مكان عدا المنطقتين القطبيتين والجبال الشاهقة. وتكثر في المناطق الاستوائية، وتتكيف بكفاءةـ مع بيئاتها المتنوعة (من حارة ومعتدلة المناخ)، ربما يعود السبب في الانتشار الكثيف للخفافيش إلى مقدرتها على الطيران والتي تتيح لها الاستفادة من الموارد التي لا تستطيع غيرها من الثدييات الوصول إليها، فلم يحدث أن قام أي من الثدييات الأخرى بغزو عنان السماء.
الخفافيش اللواحم، ولاعقة الرحيق
تنقسم الخفافيش لقسمين:
القسم الأول: مجنحات الأيدي “ضخمة الحجم”، أو “الوطاويط”، أو “الثعالب الطائرة”. فوجهها يشبه وجه الثعلب، وفروها طويل ناعم كثيف، ولا وجود للذيل، وآذانها صغيرة، وعيونها كبيرة وحاستا البصر والشم قويتان جدّا. وهي تعيش في المناطق الحارة، وتشمل الأنواع آكلة الفاكهة والثمار (كالمانجو واللوز). وتساعدها أنيابها وضروسها على تحطيم الثمرة وبذرتها وامتصاص كل شيء فيها ورمي اللب غير المستحب.
أما القسم الثاني: مجنّحات الأيدي “صّغيرة الحجم”، وتضم باقي أنواع الخفافيش وإن كان بها بعض الأنواع الكبيرة الحجم نسبيًا كخفاش “حدوة الحصان”، والخفاش لاعق الدماء. وهي تعيش في كل أنحاء العالم، وعادة ما تنشط ليلاً، وتتغذي على الحشرات. وتتميز بأنها ذات عيون صغيرة وآذان كبيرة لأنها تعتمد أساسًا على رصد الصدى.
وتبرز أنواع “الخفافيش اللواحم”/ آكلة اللحوم كالخفاش لاعق الدماء، وهي ثلاثة أنواع تعيش في المناطق الاستوائية من أمريكا الجنوبية، وتعد أكثر الأنواع انتقاءً لنوع الغذاء، فهي صياد ماهر يستخدم مخالبه القوية في اقتناص أنواع أخرى من الخفافيش والقوارض والفئران والسحالي والطيور الصغيرة، ويتغذى فقط على الدماء مستعملاً أنيابه الحادة في إحداث جروح صغيرة دون إزعاج للضحية النائمة، فهو لا يهاجم إلا الضحايا النائمة فيقةم بلعق الدم بلسانه الطويل الرفيع السريع ولا يمتصه، ويعمل على منع تجلطه، وإذا تجمع عدد كبير منها على ضحية فسيأخذون مقدارا ًكبيرًا من دمها، مما يصيبها بفقر دم حاد وهزال أو قد تنفق في فترة وجيزة. كما قد تنقل للفرائس فيروسات عدة أهمها فيروس داء الكلِب «السعار»، وكورنا، والسارس..
ومن “الخفافيش اللواحم” نوع يسمى “نيكتوليا” يصيد الأسماك، فينقض عليها بمخالبه وقد يغوص ورائها في الماء. أما الخفافيش “مصاصة الرحيق” فلها ألسنة طويلة تلعق بها رحيق الزهور، مما يفيد في عملية تلقيح الكثير من النباتات، حيث تنتج تلك النباتات زهورًا بيضاء كبيرة براقة، ولها حبوب لقاح، ورحيق قوي جذاب، لذا تلعب الخفافيش دورًا هامًا في التوازن البيئي، حيث تضبط الأعداد الهائلة للحشرات الليلية كالبعوض كما تساهم في تلقيح النباتات، لذلك يلزم توفير الحماية لها.
آليات طيران الخفافيش
الخفافيش من الأنواع التي تجيد فنون الطيران، وجناحاها مثالية لعملية الانزلاق على الهواء. جناح جلدي مرن، يمتد من أصابع طرفها الأمامي حتى ساق طرفها الخلفي، ومغلف بحزم من الخلايا المرنة وألياف العضلات، ومدعم بعظام إصبعية وبالطرفين الأمامي والخلفي أيضًا. وتتشابه أجنحة الخفافيش شكلاً، لكنها تختلف حجمًا. فهناك خفاش ضخم (كثعلب ساموان الطائر) تصل المسافة بين طرفي جناحيه نحو مترين. وهناك خفاش (كيتي) لا تزيد المسافة بين جناحيه 15سم، ووزنه يماثل وزن نحلة (جرام ونصف جرام). وتطير الأنواع البطيئة كخفاش حدوة الحصان بسرعة أقل من 26 كم/ ساعة، لكنها تجيد المناورة، فتحلق وتدور في فراغ لا يزيد عن طول جناحيها، بينما يطير خفاش التاديريد بسرعة ما بين 36 – 55 كم/ ساعة، لكنه لا يستطيع المناورة لأنه يطير في الأماكن الخالية من الأشجار وغيرها من العوائق. وسرعة الخفاش في العدو بطيئة فبعضها لا تستطيع الجري/ السير على أربع كالثعالب الطائرة الضخمة، وخفاش حدوة الحصان. لكن غيرها من الخفافيش الشائعة تستطيع العدو على أربع حول مأواها أو عندما تطارد فريسة على الأرض، وأرشقها عدوًا هو الخفاش لاعق الدماء الذي يتميز بسيقان قوية بها أصابع إبهام طويلة تمكنه من الجري والقفز بسرعة ومهارة.
خصائص وحواس فريدة
معظم الخفافيش حيوانات ليلية وقد وهبت خاصية إدراك الأهداف وشق طريقها وسط الظلام الدامس بدقة تفوق كثيرًا دقة الرؤية، وذلك عن طريق الانعكاسات الصوتية التي تصدر عن الأشياء، وتصدر الخفافيش موجات فوق صوتية قد تصل إلى 100 كيلوهرتز لا يمكن للأذن البشرية تحسسها، وتتمتع الخفافيش بحاسة سمع حادة تستفيد منها في تحديد المكان الذي ارتد منه الصوت، وتحليل حجمه، ونوعه، ومسافته، وإذا كانت صدى لفريسة أم لا. وهي لا تسمع سوى صوتها، فتقوم بتسجيل نبضات الأصوات الصادرة ومقارنة الأصوات الأصلية مع رجع الصدى، كما تقوم بتعديل الموجات الصوتية التي ترسلها إلى هدف متحرك وكأنه يعرف تأثير “دوبلر”. ففي دماغ الخفاش نوعان من الخلايا العصبية تتحكم بأنظمة السونار، الأولى: تتحسس الصدى المنعكس، والثانية: تصدر الأوامر إلى العضلات لتولد نداءات مركز الصدى، وتعمل هذه الخلايا بتزامن متقن حتى إن انحرافًا بسيطًا في الإشارات المنعكسة يعطي إنذارًا للأخرى، ويولد ترددًا في النداء الذي يتناغم مع تردد الصدى، وهكذا تتغير درجة الصدى عند الخفاش بالتوافق مع المحيط للحصول على أفضل أداء، وقد ثبت ذلك تجريبيًا عبر دراسات معملية عدة من المختصين، وتم محاكاة هذه الظاهرة الفيزوبيولجية عبر اختراع أجهزة “الرادار”.
وهناك أنواع من الخفافيش كالثعالب الطائرة لا تمتلك هذا الجهاز، ولا تعتمد على حاسة السمع. لكنها تتميز بحاستي البصر القوية والشم الفائق لإيجاد الثمار والأزهار التي تتغذّى بها.
السناجب الطائرة/ المنزلقة
هناك أربعة وأربعين نوعًا من السنجابيات (فصيلة السنجابيات)، وهي من الثدييات الاجتماعية القارضة الليلية. وتنقسم السناجب إلى سناجب شمالية يتراوح طولها من 10-12 بوصة، وتفضل العيش في الغابات الصنوبرية مثل شجر الأقماع والأوراق دائمة الخضرة، فتتوزع بكثرة في شمال شرق الولايات المتحدة الأمريكية، وعلى طول الساحل الغربي إلى ولاية “ايداهو” و”مونتانا”. وأخري جنوبية؛ والأنواع أصغر طولاً وحجمًا ووزنًا فطولها يتراوح ما بين 8- 10 بوصة، وتسكن غابات أشجار القيقب الصلبة، والجوز، والزان، والبلوط ، وتعيش في جميع أنحاء شرق الولايات المتحدة، من ولاية “ماين” إلى “فلوريدا” جنوبًا، ومن ولاية “مينيسوتا” إلى “تكساس” غربًا.
كما تنشر أنواع من السناجب في القارة الأسترالية، وأحجامها الكبيرة تشبه حجم الهر ولها ذیل کثیف، وأذنان كبيرتان. ولونها في أعلاها رمادي ضارب للسواد، وفي أدناها أبيض اللون. بينما في غابات أشجار الإكاليبتوس شرقي استراليا یعیش السنجاب الطائر الأصغر وطوله 15 سنتیمتراً نصفها ذنب، وغالبا ما يدعى السنجاب الطائر القزم، ليس له غشاء على جانبيه وإنما له بدلا من ذلك حاشية من شعر قاس تكفي لحمل جسمه الصغير في الهواء، وهو يدعى في بعض الأحیان بذي الذنب الریشي لوجود صف من الشعر الطویل علی طرفي ذیله. وتنشط السناجب ليلاً و على مدار العام وتخزن طعامها، لأنها قد تبطئ نشاطها خلال فصل الشتاء لقلة الطعام، ولديها قدرة على الرؤية في الظلام بعيون منتفخة، وشعيرات حساسة تساعد على التحرك ليلاً، وهي تبني أوكارها عبر ثقوب الأشجار التي يصنعها طائر نقار الخشب أو أعشاش مهجورة من طيور أو سناجب أخرى، كما يصنع أوكاره في الحظائر أو المنازل.
وقد توصف السناجب بـ”الطائرة” مجازاً. فليس لديها القدرة على الطيران كما تطير الطيور والحشرات والخفافيش، لكنها تنزلق من شجرة لأخرى، لامتلاكها غشاءً فرويًا بين الجبهة والظهر، ويمتد بين المعصمين والكاحلين يعمل بمثابة “مظلة” تدعم القفز من شجرة لأخرى، كما أن ساقيها تساهمان في تلك العملية. فعندما يريد السنجاب الانزلاق من أفرع الشجرة العالية دون ملامسة الأرض، فإنه يلقي بجسمه إلى الأمام ويفتح ساقيه مما يؤدي لبسط الغشاء ليتحول مظلة جوية، وعند الوصول إلى المكان المقصود يرفع ذنبه ويحط على قوائمه الأربع مستقيمًا على جذع الشجرة، ويوجه نفسه عبر حركات طفيفة من الساقين، بينما يعمل الذيل “ككابح/ فرامل” لإيقافه عند بلوغ وجهته، ويمكن للسنجاب كبير الحجم الانزلاق لنحو 540 متراً في ست انطلاقات متتالية، أما الأصغر حجمًا فينزلق لنحو خمسين متراً في حركة واحدة. وعليهما الانتقال لأعلى الشجرة قبل قفزة ثانية. لكنه يضطر في رحلة العودة لوكره المشي على الأرض، لكن غشاء الانزلاق لا يساعده، وقد يقع فريسة لأعدائه المتربصين به.