تحظى المكتبة العربية بالعديد من الكتب التى تناولت أدب الأطفال في الوطن العربى، لكننى لم أجد كتابًا جمع فيه مؤلفه تاريخ نشأة أدب الأطفال ورواده وقضايا عامة وخاصة مثل ذلك الكتاب الذى بين أيدينا : ” أدب الأطفال في الوطن العربى ” قضايا وآراء – للمؤلف والشاعر والباحث المصرى القدير أ/ أحمد فضل شبلول، والذى أصفه بالكتاب الجامع لأدب الأطفال ومباحثه وتشاكلاته وقضاياه الصعبة والتى قلما تجدها بين دفتىّ كتاب، بالاضافة إلى أن الكاتب يجمع بين النظرية والتطبيق، ويقدم النماذج الدالة، ويستشهد بآراء سابقيه ومواقفهم تجاه مختلف القضايا العامة والخاصة التى يحتاجها دارس أدب الأطفال، كما كانت للمؤلف تجاربه الشخصية من خلال عمله في معجم الطفولة، وكذلك تجربته الرائدة للكتابة في أدب الأطفال وتقديمه النماذج سواء من تأليفه أو من خلال انتقائه لكثير من النماذج لكبار كتاب ورواد أدب الأطفال في الوطن العربى .
لقد قسم المؤلف كتابه إلى مقدمة وثلاثة أقسام، يمثل كل قسم عناوين فرعية كثيرة ومتشعبة، وعرض في المقدمة لأهمية الكتابة لأدب الأطفال والاهتمام بالطفل بداية من الأسرة والأصدقاء والمدرسة ونشوء الطفل وتدريبه منذ الصغر والاهتمام بالموهبة والابداع لديه، إلى جانب أهمية هذا المجال في اكتشاف الطفل المبدع، ومدى الدور الذى تلعبه الأسرة والجماعة المدرسية في تأسيس المفاهيم الأولية للطفل، ومدى النشأة الدينية وتأثيرها على قدرات وخيال الأطفال وتمسكهم بالقيم الإنسانية والروحية والإسلامية الصحيحة إذ التعليم في الصغر كالنقش على الحجر.
إن هذا الكتاب يعد مرجعًا لا يمكن الاستغناء عنه في دراسة أدب الأطفال
القسم الأول
يعرض المؤلف للجدل الأدبى حول ريادة أدب الأطفال ومن له أفضلية السبق في هذا المجال، إلا أنه ينتصر للشاعر/ أحمد شوقى أمير الشعراء الذى كتب العديد من الدواوين الشعرية والمسرحيات الموجهة للطفل المصرى والعربى آنذاك، ثم نراه يفرد لأحمد شوقى فصلاً : “في عيون دارسى أدب الأطفال”.
ثم ينتقل بنا المؤلف إلى اتجاه آخر لطيف، لينقلنا إلى تجربته الشخصية مع معجم شعراء الطفولة وكأنه يود الإشارة إلى مزج ما هو نظري بما هو عملي وتطبيقي، وليقدم ريادة خاصة للأدب السكندري – بصفته من الأسكندرية – وفيه يعرض الكاتب للظروف التي أحاطت به في مسألة جمع وتبويب المعجم والضوابط التي انتهجوها والمعوقات التي قابلتهم من أجل إخراج هذا الجهد الشاهق للمعجم الذى أفاد ويفيد الباحثين في هذا المجال الممتد، يقول:(لقد أدى هذا إلى وجود اهتمام متزايد بأدب الأطفال الذي صارت له أبحاثه العلمية، وأقسامه الأكاديمية في بعض الكليات والجامعات العربية، الأمر الذي أدى إلى وجود رصيد نقدي وتأليفي وثقافي حول هذا الأدب، ولكن من ناحية أخرى لوحظ أن هناك بعض الكتاب والباحثين يكـررون جهود من سبقوهم في هذا الميدان، وأن هناك فريقًا آخر يبدأ دائما من الصفر، وحول الدراسات التي قدمت إلى المكتبة العربية في هذا المجال، وخصوصًا أثناء عملي في إعداد معجم شعراء الطفولة في الوطن العربي خلال القرن العشرين، ومع مزيد من التأمل في عالمنا المعاصر بتقنياته المؤثرة، ومفرداته التكنولوجية الجديدة وجدت أن لأدب الأطفال (بمعناه الشامل أو الواسع) نصيبًا كبيرًا من هذا التقدم التكنولوجي الذي أخذ يزاحم الكتاب المطبوع على الورق، لذا كان يجب أن تكون هناك وقفة حول الشكل الجديد والمؤثر في عالم الطفل وأدبه وثقافته الجديدة.
ويضيف شبلول:(لقد قمت من قبل بوضع كتاب بعنوان “جماليات النص الشعري للأطفال” تابعت فيه جهود اثنين وعشرين شاعرًا عـربيًّا قدموا أكثر من 525 نصًا شعريًّا لأحبائنا الصغار، وذلك من خلال اثنتين وعشرين دراسة في نصوصهم قدموها عبر دواوينهم المختلفة، ولقد كتب الأوائل من أمثال محمد عثمان جلال، وأحمد شوقي، ومحمد الهراوي، وكامل كيلاني، ومحمد سعيد العريان، ومحمد أحمد برانق وغيرهم بحس داخلي وقناعة أكيدة بضرورة وجود هذا اللون من ألوان الأدب الموجَّه لأطفالنا، فأبدعوا في هذا المجال) .
القسم الثانى
يعرض لنا الكاتب أحمد فضل شبلول لشعر الأطفال “مقالات ودراسات” حيث يركز الكاتب على هذا الرافد المتنوع لكتابة الطفل من خلاله عرضه لنماذج عديدة للدراسات والمقالات التى كتبت حول هذا الباب مثل : مقالات وأشعار… ثم يحاول الكاتب أن يحيلنا إلى التراث الجميل من خلال عرضه للأسلوب التعليمي والتهذيبي في كتاب كليلة ودمنة، وهى القصص التى كتبت على ألسنة الطير والحيوانات لانتقاد السلطة، ولنقد المجتمع بطريق غير مباشرة آنذاك، وهذا ذكاء من الكاتب للولوج بأدب الأطفال إلى عالم السياسة والمثيولوجيا من جهة، والاتجاه لاستعمال الخيال الإبداعى في إيصال الرسالة الأدبية والتى جاءت على ألسنة الحيوانات والطيور وغير ذلك .
كما يعرض المؤلف لنماذج دالة على النص الأدبي للأطفال، ويشير إلى الاشتراطات والأساسيات العامة في أدب الأطفال، كما يعرض لرواد أدب الطفل العربي في محاولة منه لربط التاريخ العلمى بالواقع المعاصر العربى، كما يعرض للعديد من الرواد في هذا المجال الذين أثروا الابداع للطفل فيعرض في مقارنة لطيفة التباين في الرؤى بين كامل كيلاني ومحمد الهراوي، ثم يأتى لنا بالنماذج الدالة والقصائد التى كتبت للأطفال من خلال فصل:”أطفالنا في عيون الشعراء” حيث عرض العديد من قصائد الشعراء إلى جانب نماذج من إبداع شبلول – ذاته – لنقف إلى أحد رواد هذا المجال كذلك، كما لا يكتف بذلك بل نراه يقدم العديد من الدراسات التى كتبت وكتبها عن أناشيد الأطفال وأغانيهم، ثم يعرض لنا تجربة سامقة ونموذج عربى سعودى في هذا المجال في محاولة منه لإظهار الريادة العربية من خلال فصل عن : “أدب الطفل وثقافته وبحوثه في جامعة الإمام”، ثم يتناول بالعرض والتحليل والتصنيف لكتب الأطفال المطبوعة في المملكة العربية السعودية من خلال فصل عن:”الإنتاج الفكري المطبوع للطفل في السعودية”.
ركز الكاتب على هذا الرافد المتنوع لكتابة الطفل من خلاله عرضه لنماذج عديدة للدراسات والمقالات التى كتبت حول هذا الباب
القسم الثالث
يعرض لنا الكاتب القدير أ/ أحمد فضل شبلول عدة مباحث مهمة وجديدة نسبيًا على هذا اللون الإبداعى للأطفال، حيث يشير إلى العلاقة الوثيقة الآنية بين التكنولوجيا وأدب الأطفال، وابراز أثر هذه التكنولوجيا والميديا الجديدة في تفتح قريحة الأطفال وفى تعدد وتشعب مجالات هذا الفن الراق وتحديثاته، فنراه يعرض للقصة الإلكترونية، ويقدم النموذج الدال للكتابة الرقمية والقصص الإليكترونية من خلال عرضه لقصة “القرد والغيلم” (قصة إلكترونية جديدة للأطفال)، كما يعرض لنموذج آخر بعنوان : “من وحي كليلة ودمنة” إلى جانب العديد من القصص الإليكترونية مثل “الطاووس المغرور” وغير ذلك .
كما يتعرض لعدة قضايا تقنية تخصصية – ربما نبعت من خبرته الرائدة في هذا المجال كذلك – ومن هذه القضايا عرضه لقضية “خصائص البرنامج الإلكتروني للأطفال ” كما يراه هو – كأحد الرواد الذين قدموا العديد من البرامج الإليكترونية للأطفال والكبار ومنها إسهاماته في تأسيس اتحاد كتاب الأنترنت العرب كذلك – كما أعرف ، وإن لم يذكر المؤلف ذلك .
إن هذا الكتاب يعد مرجعًا لا يمكن الاستغناء عنه في دراسة أدب الأطفال، بل أطالب المؤسسات الثقافية المعنية بإعادة نشر وتقديم هذا الكتاب لما يتضمنه من فوائد متعددة ودراسات نظرية وتطبيقية وقواعد استرشادية لمن يحاول الدخول إلى هذا العالم الوسيع لأدب الأطفال والذى يعد من أهم روافد الإبداع والنهضة للمجتمعات التي تريد إعادة إنتاجية الواقع لبناء مجتمعات على أسس سليمة وبناء مجتمع فاضل يضمن النهوض بالطفل العربي.
ستظل لأحمد شبلول ريادة البحث هنا، وتقديم كتاب رائد ورصين، لتزهو مكتباتنا العربية بهذا الكتاب المهم في تاريخ أدب الأطفال في العصر الحديث .