الأمانة في مجملها هي كل حق لزمك أداؤه وحفظه، وهي دليل الإيمان، قال صلى الله عليه وسلم :”المؤمن من أمنه الناس على دمائهم وأموالهم”. ومن فقد الأمانة بالكلية يوشك أن يفقد إيمانه، قال صلى الله عليه وسلم :”لا إيمان لمن لا أمانة له ولا دين لمن لا عهد له”.بل إن ضياع الأمانة يؤذن بقيام الساعة، و الأمانة تؤدي إلى خيرية المجتمع إن تحلى بها أبناؤه، كما أنها تنشر الأمن في المجتمع؛ لأنها إذا وجدت أمن الناس على أنفسهم و أمولهم وأعراضهم، وبها تحفظ العلوم والمعارف؛ لأن الأمين يدرك أن من الأمانة إيصال ما تعلمه من العلوم والمعارف عبر الأجيال دون تحريف أو تزييف، مما يؤدي إلى حفظ العلوم وبقائها، وبالأمانة تبنى الحضارات وتتقدم الأمم، وذلك عندما يستشعر كل منا الأمانة في كل عمل يؤديه؛ مما يؤدي إلى إتقانه .والأمانة في الإسلام لها مفهوم واسع وشامل ، فهناك أمانة الدين والفرائض، وهذا واضح في قوله تعالى:” إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً”(الأحزاب: 72).وأمانة العفة والأعراض، ومنه قوله تعالى :”قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ”(القصص: 26)،وأمانة الودائع، ومنه قوله تعالى :”إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا “(النساء: 58)،وأمانة الأسرار، قال صلى الله عليه وسلم:”إذا حدث الإنسان حديثًا، والمحدث يلتفت حوله، فهو أمانة”،والأمانة الوظيفية والقدرة على تحمل المسئولية، عن أبي ذر-رضي الله عنه- قال : قلت يا رسول اللَّه ألا تستعملني؟ فقال: فضرب بيده على منكبي ثم قال:” يا أبا ذر إنك ضعيف وإنها أمانة وإنها يوم القيامة خزى وندامة إلا من أخذها بحقها وأدى الذى عليه فيها “… إلى غير ذلك من الأمانات، ولكن هناك نوع من الأمانة غاية في الأهمية إذا استمسكنا به انصلح المجتمع كله ألا وهي الأمانة الاجتماعية، وأقصد بالأمانة الاجتماعية تلك الأمانة التي تشمل أمانة الأسرة، والقرابة، والجيرة، والصداقة، والمجتمع والوطن.
أولاً: أمانة الأسرة
تلكم الأمانة العظيمة التي على أساسها تبنى المجتمعات، فإذا صلحت صلح المجتمع كله، وإذا فسدت فسد المجتمع كله، والأمانة تجاه الأسرة تبدأ باختيار الزوجين كل منهما للآخر، فاختيار الزوجين لبعضهما على أساس التقوى والإيمان والقدرة على تحمل المسئولية وتوفر الأهلية أمانة؛ لأن كلا الزوجين سيكونان مسئولين عن تنشئة الأجيال التي ستبني المجتمعات، ومن الأمانة المعاشرة بالمعروف ومراعاة الواجبات والحقوق بين الزوجين، وتحقيق الرعاية المادية والمعنوية للأسرة، وتربية الأولاد تربية إيمانية، وتعبدية، وأخلاقية، وثقافية، وعلمية… ؛وذلك لتحقيق الهدف الأسمى وهو إخراج الذرية المباركة النافعة لدينها ودنياها، ومن أهمل هذه الحقوق والواجبات وقصر في الجانب التربوي للأولاد فقد خان الأمانة.
ثانيًا: أمانة القرابة وصلة الرحم
حض الإسلام على الإحسان إلى الأقارب و الأرحام ،وأمر بالإحسان إليهم بعد عبادته وبر الوالدين، قال تعالى: “وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالجَنبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالاً فَخُورًا” (النساء-36). قال ابن الأثير :”…صلة الرحم: وهي كناية عن الإحسان إلى الأقربين من ذوي النسب، والأصهار، والتعطف عليهم، والرفق بهم، والرعاية لأحوالهم، وكذلك إن بَعُدُوا أو أساءوا, وقطعُ الرحم ضِدُّ ذلك كله ().والإحسان إليهم يكون حسب الطاقة الأقرب فالأقرب, قال صلى الله عليه وسلم لما سأله رجل قائلا يا رسول الله : ” من أبر؟ قال : أمك قال : ثم من؟ قال : أمك قال : ثم من؟ قال : أمك قال ثم من؟ قال في الرابعة : أباك ثم الأقرب فالأقرب “().وليعلم كل منا أن قطع التواصل بين الأقارب والأرحام يؤدي إلى الفساد في الأرض، قال تعالى:” فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ (22) أُولَٰئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَىٰ أَبْصَارَهُمْ”(محمد:22-23).
ثالثًا: أمانة الجيرة
الجيرة أمانة، ومن فقد أمانة الجيرة عرض نفسه لسخط الله، فعن أبي هريرة – رضي الله عنه-قال: قيل للنبي صلى الله عليه وسلم: “يا رسول الله، إن فلانة تقوم الليل، وتصوم النهار، وتفعل، وتصدق، وتؤذي جيرانها بلسانها؟ فقال صلى الله عليه وسلم : لا خير فيها ، هي من أهل النار..”، ولكي نكون أمناء مع جيراننا لا بد أن نحقق هذه الأمور الثلاثة :(الإحسان إليهم، وكف الأذى عنهم، واحتمال الأذى منهم).وهذه الثلاث ملخص لجميع حقوق الجار، ومن أدى هذه الحقوق فقد نفذ وصية النبي صلى الله عليه وسلم تجاه جيرانه.
رابعًا: أمانة الصداقة
الصداقة علاقة ود وحب وإخلاص بين طرفين لا بد أن تقوم على التقوى بعيدًا عن المصالح، ويجب علينا أن نكون أمناء في اختيار الاصدقاء، فالمرء على دين خليله فلينظر أحدنا من يخالل، والأخلاء يتبرؤون من بعضهم يوم القيامة إلا المتقون، قال تعالى:” لْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ”(الزخرف:67)،من أجل ذلك حض الإسلام أتباعه على ضرورة مصاحبة ومجالسة الصالحين والبعد عن مصاحبة ومجالسة أهل السوء، ومن خالف قواعد اختيار الصداقة في الإسلام فقد خان الأمانة وعرض نفسه للهلكة، فمن صاحب الأخيار ارتقى وعلا ومن صاحب الأشرار هوى وسقط، فالصداقة الصالحة تملأ الكون نفعاً، والصداقة السيئة كنافخ الكير في المجتمع إما أن يحرقه ويدمره أو يلوث أخلاقه وطباعه، قال صلى الله عليه وسلم:”مثل الجليس الصالح والسوء كحامل المسك ونافخ الكير فحامل المسك إما أن يحذيك وإما أن تبتاع منه وإما أن تجد منه ريحا طيبة ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك وإما أن تجد ريحا خبيثة”.فينبغي أن يكون فيمن تؤثر صحبته خمس خصال؛ أن يكون عاقلاً، حسن الخلق، غير فاسق، ولا مبتدع، ولا حريص على الدنيا”.
خامسًا: أمانة المجتمع والأوطان
أمانة المجتمع والوطن تكون بإصلاح المواطن نفسه وأهله ومن حوله، وألا يكون عامل إفساد وهدم في المجتمع، لأن صلاح الأفراد طريق إلى صلاح المجتمع، وصلاح المجتمع طريق إلى صلاح الوطن، كما أن من الأمانة المجتمعية والوطنية أن يقوم كل منا بمسؤولياته تجاه وطنه، بأداء واجباته، وحفظ مقدراته، وإعلاء شأن وطنه بين الدول، ولا يخون ولا يغدر، ولا يقصر في عمله، وأن يكون أول من يدافع عن وطنه لمن يريد به الشر والفساد والفتنة، وأن يكون من الجنود الذين يحفظون أمنه وسياجه من اعتداء المعتدين، أو إفساد المفسدين، وأن يتعاون على ذلك مع أبناء وطنه.