إن الإنسان كائن يتميز بدرجة حرارة ثابتة وهي 37 درجة، إذا ارتفعت عن ذلك المعدل أو انخفضت، تعرّض الإنسان للمرض وتعرّضتْ حياته للخطر. لكن من عجائب القدرة وبديع صنع الخالق سبحانه وتعالى، أن زود أجسامنا بجهاز بالغ التعقيد يثبت حرارة الجسم في الدرجة الطبيعية يمكننا أن نسميه جهاز التكييف الطبيعي، الذي يعمل على الحفاظ على درجة حرارة الجسم دون أن يشعر الإنسان بذلك أو يتدخل. إنها القدرة التي خلقت وأبدعت كل شيء بنظام دقيق ووضع منسجم. ولكن ما حقيقة هذا التكييف، الذي يعمل دون أن نشعر أو نحس به؟
مصدر الحرارة في الجسم
تؤكد الأبحاث العلمية أن هناك مصادر متعددة ومتنوعة ينتج من خلالها الجسم الإنساني الحرارةَ؛ فهناك تفاعلات كيميائية أساسية متنوعة تحدث داخل الجسم، وتعمل على إنتاج وتوليد الطاقة في أجسامنا في جميع الأوقات. ويأتي تناول الإنسان الطعامَ في مقدمة مصادر الطاقة التي يحصل عليها الجسم الإنساني؛ حيث يزيد تناول الإنسان للطعام، من إنتاج الطاقة في الجسم بسبب الفعل الديناميكي الخاص للطعام، ولكن المصدر الرئيسي للحرارة في الجسم، يتكون من انقباض ما يعرف بالعضلات الهيكلية الإرادية.
وفي حالة غياب الطعام، هناك صور عديدة ينتج بها الجسم الحرارة، من أهمها الآلات الهرمونية أو المجهود العضلي الأدرينالين والنورادرينالين، حيث يؤديان إلى زيادة سريعة في إنتاج الحرارة في الجسم، لكنها تستمر لفترة قصيرة. كما أن هرمونات الغدة الدرقية، تؤدي إلى زيادة في إنتاج الحرارة في الجسم، هذه الزيادة تتم ببطْء وتستمر لمدة طويلة، هذا إلى جانب أن هناك نوعًا خاصًّا من الدهون يسمى بـ”الدهن البني”، يتواجد ما بين عظمتي اللوح وفي أجزاء من الجسم. وهذا الدهن يمثل مصدرًا لكمية كبيرة من طاقة الجسم، خصوصًا لدى الأطفال الرضع. ومن أهم مميزات هذا الدهن أنه يمتلك معدلاً عاليًا من الأيض، ويعمل مثل بطانية دهنية تحمي الجسم من برودة الجو.
كيف يفقد الجسم الحرارة؟
والسؤال الذي يتبادر إلى الأذهان هو: كيف يفقد جسم الإنسان الحرارة الزائدة عن المعدل الطبيعي؟ وكيف يحدث ذلك؟ وكيف يتصرف جسم الإنسان من أجل التخلص من الحرارة الزائدة؟ والتفسير العلمي لذلك، هو أنه عندما يكون الجو حارًّا، نلاحظ حمرة الوجه وهو يحدث نتيجة اتساع في الأوعية الدموية في الجلد، الأمر الذي يترتب عليه مرور مزيد من الدم بها، وبالتالي فقدان مزيد من حرارة الجسم، وهذا الدم يأتي من الأنسجة العميقة، أي إنها عملية تبريد للجسم. وهذه الآلية تعرف بالمواصلة أو المناقلة النسيجية، هذا بجانب أن هناك صورًا عديدة يفقد الجسم من خلالها الحرارة الزائدة، منها الأغشية المخاطية المبطنة للفم والممرات التنفسية، فعندما يتبخر جرام واحد من الماء، يتخلص الجسم من 0.6 كالوري من الحرارة، وعندما تكون درجة حرارة الجو 21 درجة مئوية فإن 70% من حرارة الجسم المفقودة تكون عن طريق الإشعاع والتوصيل، أما تبخر العرق فيؤدي إلى تخلص الجسم من 27% من الحرارة. حيث يؤكد العلماء وجود 3-4 ملايين غدة عرقية موزعة في الجلد توزيعًا محكمًا، وتفرز هذه الغدد العرقية في أيام الحرّ 200 سم3 لكي تخلص الجسم من الحرارة، ويتبخر هذا الماء الذي تفرزه خلايا العرق، بعد أن يفرز وينتشر على سطح الجلد، ومع التبخر يحدث ما يسمى بالتبادل الحراري، فحينما يتبخر العرق، يمتص الحرارة من الجسم، ليعود الجسم إلى درجته الطبيعية. هذا إلى جانب أن جسم الإنسان يتخلص أيضًا من الحرارة الزائدة عن طريق التنفس، وذلك يكون بنسبة 2%، وعن طريق التبول والتبرز وذلك بنسبة 1%.
حالة برودة الجسم
أما في حالة برودة الجسم فتضيق الأوردة لتخفف جولان الدم في السطح الخارجي، فيصفر لون الإنسان وتقوى شهيته للطعام، وتزيد رغبته في الحركة والنشاط. وتضيق الأوردة هنا ليبقى الدم في الداخل ويحافظ على حرارته. ومن ناحية أخرى ينشط الفص الخلفي من الهيبوتلامس الذي يشعر الإنسان بالرعشة، مما يولد الحرارة في الجسم فتنشط الهرمونات التي تلعب دورًا مهمًا في تكييف جسم الإنسان أثناء البرودة، ويزداد إفراز الأدرينالين والنورادرينالين، الأمر الذى يزيد من إنتاج الحرارة في الجسم لتصل إلى المعدل الطبيعي.
إن جهاز التكييف عند الإنسان دقيق جدًّا، يواجه الحر ويواجه البرودة، وإذا حدث داخله خلل في تنظيم درجة حرارة جسم الإنسان، يقال إن الإنسان مصاب بالحمى، بمعنى أنه ارتفعت درجة الحرارة داخل جسمه عن المعدل الطبيعي، وعندها يحس المريض بإحساس غير طبيعى ببرودة أو حرارة، ويرتعش ويعرق ويشحب لونه، ويشعر بحرارة في وجهه نتيجة لتعطل جهاز التكييف هذا.
(*) كاتب وباحث مصري.