وضعت العلوم الحديثة في إدارة الذات وفنون التواصل بعضًا من الأمور ليحظى المرء بالسعادة؛ منها على سبيل المثال، السعي لتحقيق نجاحات يكافئ الإنسان من خلالها ذاته ويشعرها بقيمتها، وعدم اللجوء إلى جلدها في حال فشلها، أو عدم إلقاء اللوم على غيرها، ثم احترام الآخرين وتأسيس علاقات جيدة معهم.
ولكل إنسان أهداف يتمنى تحقيقها في هذه الحياة، لأنه في تحقيقها يرى نجاحه وسعادته، سواء كانت في إطار العمل، أو إطار العلاقات العامة. لذلك على الإنسان أن يرسم خططًا مدروسة تحقق نجاحات له في مجال عمله ومجال أسرته، وإذا حقق نجاحًا، بدأ في التخطيط لنجاح آخر ليزداد سعادة وثقة بنفسه.
تقدير الذات
يعدُّ تقدير الذات أحد أهم القواعد التي ترتكز عليها العلوم الحديثة في إدارة الذات. وتقدير الذات تعبير يقصد به مدى تقدير الإنسان لذاته، وثقته بنفسه وبهويته الذاتية وبأهدافه. وقد أكد الباحثون أن لتقدير الذات صلة وثيقة بالقدرة على الإنتاج العملي أو الحياتي، حيث يزيد تقدير الذات من القدرة على الإبداع والإنتاجية العالية في مختلف المجالات.
إذن يحتاج النجاح في الحياة إلى تقدير الإنسان لذاته وإيمانه بها، لتسهم بفاعليةٍ في نجاحه. إن أي خلل يحدث في هذه الصورة، يدفعنا لسوء تقدير إمكاناتنا ومستقبلنا وطموحنا، مما يعرقل قدرتنا على تحقيق الأفضل، يقول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم: “المؤمن القوي خيرٌ وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كلٍّ خيرٌ” (رواه مسلم)؛ وفي الحديث إرساء وترسيخ لمعتقدات إيجابية لرسم صورة المؤمن المقدِّر لذاته والمتمتع بالكفاية الذاتية. فالمؤمن بربه يستمد ثقته بنفسه من إيمانه بالله، ويوجه إيمانه لتحقيق هدف العبودية له، مما يأتي بالشعور بحالة من السعادة والراحة والبهجة والسرور.
كلما زادت حكمة الإنسان أدرك أن الله سبحانه وتعالى هو الخالق وهو أعلم بنفسه ما ينفعها وما يضرها، وأنه ما منع عنه أو ابتلاه إلا لينفعه،
الحرص على النافع من الأمور
يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: “احرص على ما ينفعك” (رواه مسلم)؛ إنه كلام جامع نافع، يحتوي على سعادة الدنيا والآخرة، والحرص فيه دلالة على شدة بذل الجهد، واستفراغ الطاقة في العمل في إطار يقود إلى تحقيق أهدافه. وإن الأمور النافعة تنقسم إلى أمور دينية، وأمور دنيوية، وكما أن العبد محتاج إلى الدنيوية فإنه محتاج إلى الدينية كذلك. فمدار سعادة الإنسان وتوفيقه على الحرص والاجتهاد، في الأمور النافعة منها. ومتى حرص العبد على الأمور النافعة واجتهد فيها، وسلك أسبابها وطرقها، واستعان بربه في تحصيلها وتكميلها، كان في ذلك كماله وعنوان فلاحه.
الحكمة والسعادة
الحكمة هي معرفةُ أفضل الأشياء بأفضل العلوم، والحكمة هي إدراك الطريق الذي يوصل إلى السعادة، يقول الله تعالى: “يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُولُو الأَلْبَابِ”(البقرة:269)؛ ذكر المولى جل وعلا “الحكمة” معرَّفة، وفي هذا دلالة على اكتمال المعنى في الكلمة، وقرنت بأولي الألباب وهي أيضًا معرَّفة، وفي اقتران اللفظين معرَّفين دلالة على شرط حدوث الواحد منهما كاملاً ليتحقق الآخر، فكلما زاد العقل زادت الحكمة، وكلما زادت الحكمة ارتفع العقل. ولا تأتي الحكمة إلا بطلب العبد لها، فالله تعالى هو من يؤتي الحكمة، ولكن ذلك بناء على طلب من العبد، حيث قال سبحانه “يؤتي” ولم يقل “يعطي”؛ فالعطاء يكون من المعطي وبرضاه التام ودون طلب من المعطى إليه. أما الإيتاء يكون بطلب من الطرف الآخر، ويكون محدّدًا حسب طلب الطرف الآخر.
فالمعطي يعطي الشيء برضاه ودون أن يطلب منه أحد ذلك. فلفظة “يؤتي” دالة على أن العبد لا يؤتى الحكمة إلا إذا طلبها هو من الله سبحانه، بصدق، وأيقن بأنه لا فلاح له إلا بتحصيلها، ولذا قرنت بأن من يؤتاها هم أولو الألباب، لأنهم هم من أدركوا قدرها وطلبوها وسعوا في طريق إحرازها.
في علم التفكير الإبداعي يعرف “الإنسان المبدع” بأنه الذي يرى في الأشياء ما لا يستطيع الآخرون رؤيته. ولو نظرنا في أمر الحكمة نجد أن الإنسان الذي لديه الحكمة يرى الأشياء بطريقة مختلفة؛ حيث يرى الإنسان الحكيم في الابتلاء الخيرَ، لأنه موقن بأن ما أخطأه لم يكن ليصيبه، وما أصابه لم يكن ليخطئه، ويرى فيه المنحة من الله العليم الحكيم، لأنه قدَر الله وقضاؤه في خلقه: “إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ”(هود:107).
فكلما زادت حكمة الإنسان أدرك أن الله سبحانه وتعالى هو الخالق وهو أعلم بنفسه ما ينفعها وما يضرها، وأنه ما منع عنه أو ابتلاه إلا لينفعه، فهو سبحانه لطيف بخلقه خبير بعباده.. وبهذا الإيمان تطمئن القلوب، وترتاح النفوس، وتنشرح الصدور لقضاء الله وقدره، فيصل الإنسان بذلك إلى التنعم بالابتلاء، ثم تأتي مرحلة الصبر الجميل والرضا الجميل، ولن يدركهما الإنسان إلا بإدراكه لمقتضى الحكمة.
(*) كاتبة وباحثة مصرية.