أقلام هذا العدد من “حراء” تعلو وتتسامى بالأفكار المضيئة -كما هو دأبها في كل عدد- وتفتح أبوابًا جديدة في عالم التأمل والتفكر، تبذر البذورَ التي تنبت حبًّا وسلامًا وتآلفًا ورحمة في عصرنا، لتستنشق البشرية أنفاس الحياة، ويغدو عبير الأخوة الإنسانية يعطر كل الأرجاء. وعلى رأس هذه الأقلام النيرة يأتي مقال الأستاذ فتح الله كولن “الاستعصاء على الاهتراء” لينبهنا فيه على ضرورة تجديد النظر إلى الكون وإعادة قراءته من جديد كل يوم بعمق أكثر؛ إذ “إن الذين لا يَعتبرون كل يوم بدايةً جديدة لانبعاث جديد، ولا يقرؤون الكون ولا يقَيِّمونه من خلال وضعه تحت مجهر العصر الذي يعيشونه، ولا يُعيدون التعمق في قراءة ذواتهم كل يوم وكأنهم يكتشفون عالَمًا جديدًا؛ أولئك يُحتِّم عليهم قدرُهم أن يعيشوا شيخوخة في مشاعرهم وأحاسيسهم، ويَخمَدَ عشقُهم وتذوب أشواقُهم ويَفسُدَ قوامُهم”.
وإذا كانت حراء حريصة على أن تحلّي صفحاتها بالمقالات المتنوعة التي تتناول كلٌّ منها جانبًا من جوانب القيم والمعارف الإنسانية الشاملة؛ فإن “عرفان يلماز” في مقاله العلمي “العنكبوت.. قصة عجيبة” يحدثنا عن أسرار العنكبوت ونسيجه الذي لا تزال ماهيته وطريقة صنعه لغزًا يحير ألباب كثيرٍ من العلماء حتى الآن، كما يكشف عن دور هذا المخلوق العجيب في الحفاظ على التوازن البيئي.
أما “مجيد الحداد” فيسلط الضوء في مقاله “أطياف الفكر الإنساني فوق عتمات الهواجس”، على منظومة القيم الأصيلة وصلتها بالفكر الرشيد، ومن ثم أهمية الحفاظ عليها، فعندما تنهار هذه المنظومة “وتنهد معالم الفضائل، ويستأسد العبث، ويتغول الطيش، يفقد السلوك الآدمي البوصلة، وتضيع مقاصد الأعمال، وتفسد النوايا”.
إن الجو -ولا سيما في فصل الربيع- تعتريه تقلبات مختلفة ما بين برودة وحرارة، يحتاج معها الجسم إلى أن يضبط تكييف حرارته آليًّا، ومن هنا يوضح “خلف أحمد أبو زيد” في مقاله الموسوم بــ”في جسمنا جهاز تكييف”. عملية التكيّف هذه، ويجيب عن عديد من التساؤلات العديدة المثيرة حول هذا الموضوع.
ويظلُّ خطر الاستنساخ البشري هاجسًا يؤرق الإنسانية فكرًا وضميرًا، لذا يجول “بركات محمد مراد” في آفاق هذا الموضوع ليجيب عن السؤال الذي جعله عنوانًا لمقاله “هل الاستنساخ البشري خطر على مستقبلنا؟” وليحدثنا باستفاضة عن علاقة الاستنساخ بالأخلاق والقانون وموقف الباحثين منه.
لقد كانت المساواة الإنسانية رجاءً ملحًّا بذلت البشرية فيه كثيرًا من المهج والأرواح في سبيل إقراره على النحو الذي يتجلى الآن في العالم المعاصر، ومن ثم فقد سلط فضيلة العلامة الأستاذ الدكتور علي جمعة في مقاله “المساواة حق إنساني”، الضوء على الحقوق الإنسانية التي جعلتها شريعةُ الإسلام ضرورة واجبة تشمل كل البشر، انطلاقًا من “ضرورة تطبيق مفاهيم المساواة الإنسانية في إطار من احترام الاختلاف والتمايز بين الناس، وعدم الاعتداء على هويتهم الذاتية”.
وفي لمحة إبداعية متميزة أكد الأستاذ الدكتور “الشريف حاتم العوني” في مقاله “الإبداع الوليد” على أن “الإبداع الحقيقي لن يكون بالتنكر للإبداع القديم، بل باكتشافه من معادنه الأصلية من دون الاعتماد على الوسائط غير الأمينة عليه لعدم كفاءتها من كثير من المتأخرين والمعاصرين، ثم ببناء إبداعنا على إبداعهم”.
إن بستان حراء الأخضر وربيعها الأزهر يحرص دائما على تقديم كل أنواع ثمار الفكر اليانعة وكافة ظلال المعرفة الوارفة في أبهى حلة وأجمل زينة.. ولا شك أن لكتابنا الكرام وقرائنا الأعزاء النصيب الأوفى في ذلك، فلهم منا عاطر المحبة وجزيل الشكر.. رمضان كريم، وكل عام أنتم بألف خير وصحة وسعادة.