التمويه والتخفي في عالم البحار

جمعت مخلوقات البحر بين عدة أساليب للتمويه يسلكها قرناؤها في عالم البر، ويتنوع أسلوبها بتنوع أصنافها: ما بين تغيير لون جلدها، وتبدل شكلها الخارجي، وترهيب عدوها بأسلحتها وقس على ذلك. فالإخطبوط يتقن ويستعرض مهاراته المذهلة في التخفي والمراوغة. فهو من نخبة مخلوقات كوكبنا التي تستطيع تغيير ألوانها في طرفة عين؛ حيث يستطيع تغيير درجة لون جلده لتطابق ما يحيطها تمامًا وهو ما يجعل من الصعب تمييز وجوده من عدمه. ومن المُدهش التركيب الرائع لطبقات جلده حيث تختص كل طبقة بمهمة محددة، فتعمل طبقة تسمى leucophore كغطاء أساس مع طبقة ثانية تدعى chromatophores وهذه الطبقة مملوءة بالصبغات المختلفة الألوان، وطبقة ثالثة تدعى iridophores ومهمتها عكس الضوء بشكل دقيق. وهذه الطبقات تعمل على خداع الفريسة. بينما يستطيع “الإخطبوط المُقلد” مُطابقة شكله مع أي شيء يقف عليه.

وهناك أنواع عديدة من الرخويات والحلزونيات بمقدورها تغيير ألوانها وفق تغيير الغذاء الذي تتناوله. فإذا تناولت غذاءها فوق مرجان بحري بلون معين، فإن لون المرجان يبرز من خلال أجسادها الشفافة. وبهذا تستمتع بالغذاء الذي تستخلصه من المرجان وهي متخفية تمامًا عن أعين المتربصين أو المنافسين. ومن مظهرها الخارجي استنبط اسمها فـ”تنين البحر المورق” (Leafy sea dragon)  سمكة بحرية من عائلة حصان البحر وموطنهما جنوب وغرب أستراليا، ويبلغ طول “تنين البحر المورق”  حوالي 34 سم. ويغطي جسمه نتوءات تشبه أوراق الشجر الطويلة، ولا يستعملها في السباحة -حيث إنه يسبح كطحلب عائم- وإنما فقط في التخفي والتمويه على المفترسين. وأما سمك القرش والدلافين وكثير من الكائنات البحرية فلها لون رمادي أزرق يساعدها على التخفي في الضوء الخافت تحت الماء.

وتعتبر السمكة الصخرية Stonefish من أخطر الأسماك السامة في العالم وتمتلك استراتيجية التمويه والمكر واستخدام الكمائن. وقد قتلت تلك السمكة المغامر العالمي “ستيف اروين” الاسترالي صاحب لقب صائد التماسيح وصاحب البرامج التلفزيونية الشهيرة (كوكب الحيوان) والمشرف العام على حدائق حيوانات استراليا المفتوحة حينما كان يصور برنامج عن هذه السمكة فأصابته بسمها الموجود أسفل الذيل إصابة مباشرة في القلب فمات فورًا. وهي غالبا ما تكون في المياه قليلة العمق وخاصة في الأماكن التي تكثر فيها الطحالب والصخور معًا وتبقى لفترات ساكنة على القاع بين الصخور حتى لا تميزها الفريسة فهي شبيهة إلى حد كبير بالصخور حتى إنه يكون أحيانًا من الصعب تمييزها ولهذا سميت بالسمكة الصخرية. والسمكة الصخرية بطيئة الحركة لذا تدافع عن نفسها بزعانفها الظهرية والحوضية والشرجية المدعمة بأشواك وغدد سامة وعددها ثلاثة عشر على ظهرها، وثلاثة شرجية أما زعنفتاها الحوضية فتمتلكان شوكتان في كل واحدة، وبالنسبة لسمها فهو من أخطر السموم مقارنة ببقية الأسماك فهو كاف لقتل إنسان في وقت قصير. وتبرز الأسماك المسطحة كسمك التربوت، وسمك موسي، واليمندة، والحزازة وأسماك أخري كسمك اللامبري حيث تتعرض لتغيرات في لونها تبعاُ للون قاع البحر المتواجدة فيه.

يتوقف التمويه والتخفي علي فسيولوجية المخلوق وسلوكياته، فلا يتخفى حيوان ذو فراء كما يتخفي حيوان ذو قشور. والحيوان السابح في البحيرات يتمايز في التمويه عمن يتأرجح بين الشجيرات. وتهدف تقنيات التمويه أن يتآلف شكل الحيوان ولونه مع خلفية ما يحيط به اتقاء لأعدائه وطلبًا لغذائه. كذلك فإن طبيعة الأعداء تدخل في الحسبان، فلا معنى لتخفى بتغير اللون إذا كان العدو لا يميز الألوان. وتختلف طرق التنكر بين الحيوانات نفسها فيحتاج الكائن الحي الثقيل والبطيء إلى تمويه يختلف عن حاجة الحيوان السريع. والحيوانات التي تعيش مع القطيع تموه نفسها بطريقة تختلف عن طريقة الحيوان الذي يعيش منفردًا وحيدًا. ويُطور الحيوان المكسو بالفرو تمويهًا يختلف عن تمويه الكائنات ذات الزعانف والحراشف. كما قد تقلد بعض الحيوانات نظائرها من أجناس أخري. علي أية حال.. لا تظنن أن عمليات التمويه والتنكر والإخفاء التي تتبعها الجيوش إنما هي حكر عليها، كلا.. بل سبقهم في ذلك المضمار الكثير من أصناف عالم الحيوان والطير، بل لعل البشر قلدوهم في ذلك وتعلموا منهم تلك الفنون المُدهشة التي ليست محض صدفة.