إن الإسلام أوجب العناية بالطفل، حتى يستقيم عوده، ويترعرع علي عقيدة قوية، وأدب حسن، وخلق طيب، إذ هو في طور طفولته كنبتة غضة إذا تعهدها الزارع بالسقي والتدبير، وتقويم الأعوجاج، وأقتلاع الأعشاب الضارة من حولها، نبتت نباتًا سليمًا وآتت ثمرًا طيبًا، ولو أهملها لقتلتها الأعشاب الضارة، وأكلتها الحشرات، وهشمتها الرياح والأعاصير، وفاته ما كان يرجوه من نتائجها وثمراتها، ولم يجن في النهاية سوى الحسرة والندم.
أثر أهمال العقيدة على الطفل
إن أهمال جانب العقيدة في تربية الأبناء، له عواقب وخيمة عليهم، تجعلهم يعيشون في مهب الريح، تعصف بهم النوائب، وتتركهم فريسة سهلة للاضطرابات النفسية الفتاكة، التي تجعل منهم مطية سهلة لكل فكر متطرف وعندئذ يصعب ردهم إلى جادة الحق، وسبيل الإيمان والهدى، في حين أن واجب الأبوة الصادقة، يقضى بضرورة أن يأخذ الآباء بيد الأبناء إلى الطريق الصحيح لإشباع الجانب الروحى، وترسيخ العقيدة الصحيحة في نفوسهم، والعمل على تقوية عزيمتهم وإرادتهم، بإعتبار ذلك هو القوة الدافعة للحياة، والمصدر المهم للطاقة البشرية، التي تعين الأبن على مواجهة الصعاب، والصمود في وجه أى موجات ضلال أو إلحاد، تريد أن تقتلع هذه الروح الطاهرة من جذورها، وتسلمها في النهاية لحالة من الشك والضلال لا تسقيم بعدها إلى طريق الهداية والرشاد.
أهمية أشباع جانب العقيدة عند الطفل
إن أشباع الجانب العقائدى للأبناء، من شأنه أن يجعلهم يشعرون بالطمأنينة واليقين، الذى يقودهم بالإيمان بأنهم ليسوا وحدهم في مواجهة الصعاب، بل أن بجانبهم قوة جبارة تساعدهم، وتحميهم من أى مبادئ ضالة، وأفكار منحرفة، وتمدهم بما يلزمهم، من أجل مواجهة ما يعترض طريقهم من تحديات وصعاب والانتصار عليها، ألا وهى قوة الخالق الأعظم القادر على كل شيء، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى، إن جانب العقيدة يسد الفراغ الروحى للأبناء يجعلهم ينظرون إلى الحياة نظرة صحيحة، باعتبارها ليست مجموعة من الأقوال والأفعال، بل هدفًا لابد أن يدركوه ويصلوا إليه، ويستفيدوا منه في تطهير قلوبهم وتزكية نفوسهم، من كل رذيلة خاصة في هذا الوقت الذى وصلت فيه الإنسانية إلى درجة عالية من الفكر المادي، دون أن يواكب ذلك رقى مماثل فيما يتعلق بالجانب الروحى والعقائدي لدى الإنسان المعاصر.
كيف نغرس العقيدة فى نفس الطفل؟
يجب على الوالدين أن ينهضا بأبنائهم فوق حدود المادية الضيقة، ويسمو بأرواحهم فوق قوى الحس، وقد رسم الإسلام منهجه لتنشئة الطفل المسلم على أركان الإيمان، مستهلاً بشعار الإسلام الخالد ” لا إله إلا الله محمد رسول الله ” حتى ينطبع في قلب الطفل وعقله، وأمر بتعويد الطفل منذ نعومة أظفاره على العبادات حتى تتأصل في سلوكه، ويتربي على طاعة الله عز وجل والقيام بحقه والشكر له والالتجاء إليه، والثقة به والأعتماد والتسليم لجانبه، فيما ينوب ويروع، وحتى يجد في ممارسة هذه العبادات الطهر لروحه والصحة لجسده، والتهذيب لخلقه، والصلاح لأقواله وأفعاله.
إن الطفل كالنبتة الغضة يجب لها التعهد والرعاية، التي تتمثل في القدوة الصالحة والموعظة البالغة، في الوقت الملائم والجرعة المناسبة من تحفيظ كتاب الله عز وجل، وسيرة رسول الله صلي الله عليه وسلم وسير الصالحين وقصص أهل الإيمان، فكل هذه الجوانب تساعد في غرس بذور العقيدة الصحيحة فى نفس الطفل المسلم، فترسخ في نفسه قوى الإيمان واليقين، التي لا تتزعزع بالدجل والإلحاد، ولا تتأثر بدعايات أهل الكفر والضلال، كل ذلك موكول إلى الأسرة المسلمة في رسم ضوابطها وحدودها، لأن الحكمة في العملية التربوية تدعونا هنا إلى التدرج من المحسوس إلى المعقول، ومن الجزئي إلى الكلي، ومن البسيط إلي المركب، حتى نصل معهم في نهاية الأمر إلى قضية الإيمان عن اقتناع وصحة وبرهان، فإذا أخذ الولد منذ الصغر بذلك تنصب في ذهنه وفكره الأدلة التوحيدية الراسخة، فلا تستطيع معاول الهدم أن تنال من قلبه العامر، ولا يمكن لدعاة السوء أن يؤثروا على عقله الناضج، لما وصل إليه من إيمان ثابت ويقين راسخ وقناعة كاملة.
المنهج النبوى في ترسيخ العقيدة فى نفس الطفل
لقد سلكت السنة النبوية الشريفة مسلكًا فريدًا في إيصال حقائق العقيدة، وتربية الأرواح على نهج الإسلام، أحرى بأسرنا ومدارسنا وأجهزتنا التربوية إتباعها، كأساليب مجدية تساعد في بناء نفوس خيرة، وقلوب عامرة بالإيمان، وأرواح طاهرة من كل دنس، فقد كان رسول الله صلي الله عليه وسلم، لا يلقى حقيقة عقائدية، إلا إذا هيأ لها النفوس، فتتلهف لها القلوب، وتسمو بها الأرواح، وكان أسلوبه في تربية الروح على التقوى، تكون بالسؤال، أو باستغلال حادثة من الحوداث، أو مناسبة دينية أو غيرها، وقد أخذت التربية الحديثة بهذا المنهج، الذى سجل السبق إليه رسول الله صلي الله عليه وسلم من خلال منهجه التربوى المتكامل ومثال ذلك عن ابن عباس رضي الله عنهما قال ” كنت خلف النبي صلي الله عليه وسلم يومًا، فقال: يا غلام إنى أعلمك كلمات، أحفظ لله يحفظك، أحفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فأسال الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، وأعلم أن الأمة لو أجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف” (رواه الترمذي) فتنشئة الولد على أن كل شيئ بيد الله، وأنه يعلم سره ونجواه، فيتربي على الإخلاص لله رب العالمين في كل أقواله وأفعاله، وسائر تصرفاته، فيغرس في روحه كل شعور طاهر، فلا يحسد ولا يحقد، ولا ينم، ولا يشتهي الشهوات الباطلة، وكلما أصابه نزغ من الشيطان أو هاجس من هواجس النفس الأمارة بالسوء، تذكر أن الله سبحانه وتعالي يراه فإذا هو متذكر مبصر، فعلى الأسرة المسلمة استثمار هذا الأسلوب الحكيم في ترسيغ حقائق العقيدة في نفوس أبنائها، متأسين في ذلك بسنة رسول الله صلي الله عليه وسلم، في تربية وبناء الأرواح على الطهر والنقاء والخضوع لله عز وجل.
إن بناء العقيدة في نفس الطفل، مطلب ضرورى، حتى تستقيم حياة الأبناء، وتقترب من مستوى الكمال البشري، أي تقترب من شخص الرسول صلي الله عليه وسلم، الذي كان الأسوة الحسنة والقدوة الكريمة في ذلك كله.
المصادر
- تربية الأولاد في الإسلام ، عبدالله ناصح علوان ، الجزء الأول ، الناشر دار السلام للطباعة والنشر والتوزيع ، عام 1994 م
- أخطاء يقع فيها الآباء ، عثمان بيومى بدير ، الناشر الهيئة المصرية العامة للكتاب ، سنة 2010م
- دورالأسرة في رعاية الطفل إيمانياً ، د/ بلقاسم الغالى ، بحث منشور ، مجلة منار الإسلام ، الإمارات ، العدد 10، السنة 25 شوال 1420ه ـ يناير 2000م