إلى وقت قريب،كان المعروف في الأوساط العلمية،أن آخر العصور الجيولوجية، التي تعاقبت على كوكبنا الأرضي، عبر تاريخه الطويل، هو عصر الهولوسين.. إلا أن نفر من كبار العلماء المعنيين بدراسة وتصنيف الحقب والعصور، أكدوا بأن عصرًا جديدًا قد دخلت فيه الأرض بالفعل، وأنه يتعيَّن التأريخ لهذا العصرفي الجدول الزمني مُنذ العام 1800م. وكان أوَّل من أشار إلى ذلك العالم الهولندي بول كروتزن، الحائز على جائزة نوبل في الكيمياء لعام 2002م وبدأ غيره من العلماء في تأييده، والتأكيد على صحة ما وصل إليه.. وفي العام 2010م اعترفت الجمعية الملكية البريطانية رسميـًا، بأن العصر الكلي الأخير (الهولوسين)، قد انتهى، وأن العالم دخل عصر جديد هو عصر الانثروبوسين .
عــصــر الأنـثـربـوســيــن
في ضوء المُتغيِّرات البيئة التي تشهدها الأرض، ومُنذ بزوغ عصر النهضة الصناعية والتداعيات المُتباينة، الناتجة عن التدخـُّل المُتصاعد للإنسان في المُحيط الحيوي، اتجه العُلماء إلى وضع عصر جديد، في تصنيف جدول الزمن العالمي، أطلقوا عليه اسم الأنثروبوسين (Anthropocene)، وهو مُصطلح مأخوذ من كلمة أنثروبوس اليونانية الأصل والتي تعني”الإنسان الحيوي”.. ويُذكر أن أوَّل إشارة لهذا العصر وردت في دورية علمية مُحكّمة، تـُدعى” أمبيو” تـُعنى بالبيئة الإنسانية، وتصدر عن الأكاديمية الملكية السويدية للعلوم، وذلك في بحث للعالم الهولندي بول كروتزن، الذي أهَّلته أبحاثه ودراساته العلمية، للحصول على جائزة نوبل في الكيمياء لعام 2002م، حيث أشار إلى أن ” مُصطلح الأنثروبوسين هو الأنسب لإطلاقه على القرنين الأخريين، اللذين تزايد فيهما نشاط الإنسان، بما أحدث تغيير عميق في الطبيعة”، ويقول د. يان زالا سيوتج، الأُستاذ بجامعة ليستر البريطانية، ورئيس لجنة علم الطبقات الجيولوجية لدى الجمعية الجيولوجية في لندن، أنه لدى قيامه مع نفر من زملائه، ببحث واستكشاف المُستجدات الجيولوجية العلمية، وجدوا أن ” ثمة تغيُّرات حقيقية، قد طرأت، وأن هذه التغيُّرات من التكامل، بحيث تـُبرر استخدام مصطلح الأنثروبوسين”.
الـتـســـارع الـكـبـيــر
وكان جون مكتيل، وفريق من العلماء المعنيين بدراسة فيزياء الأرض، قد أشاروا في دراسة حديثة، نـُشـرِت نتائجها بصحيفة ” لوموند ” الفرنسية، إلى أن كوكب الأرض يعيش حاليــًا، المرحلة الثانية من عصرالأنثروبوسين، والتي تـُسمَّى مرحلة “التسارع الكبير” حيث أن سيطرة الإنسان على الطبيعة، تتسارع بصورة هائلة، وأن هذا التسارع وصل إلى مرحلة حرجة. من تداعياته ” تدهور نحو 60% من الخدمات التي توفـِّرها نظم الحياة والبيئة في الأرض”، وبحسب نتائج هذه الدراسة، فإن هذه المرحلة التي بدأت منذ العام 1945م، سوف تستمر حتى العام 2015م.
إن التوسُّع في تطبيقات التنمية المُستدامة، يُمكن أن يُصلِح ما أفسدته الأنشطة غير الرشيدة، التي تمادى فيها الإنسان ضد البيئة.
ليدخل بعدها كوكب الأرض في المرحلة الثالثة والتي يتوقـَّع العُلماء أن يكون فيها الصراع البشري، حول ثلاثة خيارات: الأول منها يتمثـَّل في “عدم تغيير العادات، وذلك على أمل أن يُتيح التكيُّف الإنساني، واقتصاديات السوق، مواجهة التقلُّبات الكبيرة، في مجال البيئة” وهذا الخيار يُمكن أن ينطوي على مخاطر هائلة، إذا فات الأوان لاتخاذ الإجراءات المُناسبة.. والثاني يتمثـَّل في” مُحاولة التخفيف بصورة كبيرة، من التأثير الإنساني على الأرض، وذلك عن طريق تعامل أفضل مع البيئة، باستخدام تقنيات جديدة، مع إدارة أفضل لموارد الأرض، وتنظيم للزيادة السـُـكانية، ومُحاولة إصلاح المناطق التي تعاني من التدهور”.. وبحسب نفر من الباحثين والعُلماء، فإن هذا لا يُمكن أن يتم دون”تغيُّرات كبيرة في سلوك الأفراد، وفي القيم الاجتماعية”، أما الخيار الثالث فيتمثـَّل في”اتخاذ إجراءات للتخفيف من تأثير الأنشطة الإنسانية على البيئة، على الصعيد العالمي”..ومن بين هذه الإجراءات :
1- تخزين غاز الكربون، في مُستودعات داخل باطن الأرض.
2- بث جُزيئات من مادة السلفات، في المنطقة العُليا من الغلاف الجوي، والتي تتركَّز فيها مادة الأوزون، بحيث تحد من نسبة غازات الكربون في الجو، وتعمل عل خفض درجات الحرارة.
وبحسب روث أيروين، أستاذ الأخلاقيات بجامعة التكنولوجيا في أوكلاند بنيوزيلندا، فإن “عصر الانثروبوسين، قد يكون أحد عصور حالات الانقراض الكُبرى، التي سبق لكوكب الأرض أن شهدها، مثل العصر الذي انقرضت خلاله الديناصورات، قبل نحو 65 مليون سنة، أن حضارتنا قد تلقى نفس المصير، وذلك لأن الاحترار العالمي، شأنه شأن الشتاء النووي، هو من الكوارث التي قد تكون وخيمة العواقب على البشرية جمعاء” ويُضيف “إن النـُظم الدوليَّة المُتعلقة بتبادل حِصص انبعاث الغازات الدفيئة، تدل على أننا لا نأخذ في الاعتبار حتى الآن، مدى ضخامة الحقائق الايكولوجية”.
وكانت دراسة لفرانك فنر، أحد أشهر علماء استراليا وأستاذ علم الأحياء الدقيقة في الجامعة الوطنية الاسترالية، قد أفضت إلى أن “حظوظ الجنس البشري، ليست كبيرة للعيش بعد مائة سنة من الآن، وثمة عوامل تـُشير إلى ذلك، أهمها الانفجار السُـكاني، والاستهلاك المُفرط، والتغيَّرات الجذرية التي طرأت على المناخ، وهذه مُجتمعة يُمكن أن تكون تداعياتها على كوكب الأرض، مُقاربة لتداعيات عصر الجليد، أو تداعيات سقوط مُذنـَّب”.
وإذا كانت هذه فرضيات، لها ما يُبررها من قرائن إلاَّ أن ثمة فرضيات أُخرى، كتلك التي يتبناها العالم ستيفن بويدن، والتي مفادها: أن التوسُّع في تطبيقات التنمية المُستدامة، يُمكن أن يُصلِح ما أفسدته الأنشطة غير الرشيدة، التي تمادى فيها الإنسان ضد البيئة.
ويظل السؤال قائمـًا…
ماذا في جعبة عصر الأنثروبوسين، تجاه مُستقبل الحياة،على كوكب الأرض؟