مَخَرتْ عُباب بحرٍ هائج مُحمّلةً بما ينفع الناس.. ثم اضطربتْ الأمواج من حولها وأظلمت السماء.. تساقط منها البعض وظلّ البحارة فيها ثابتين.. يُصلحون الأعطال، ويُفرغون الزائد من الأحمال، ويوجّهون الدَّفَّة صوب شاطئ الأمل الذي يلوح من بعيد..

على قَــدَرٍ تجـــــري ولـيس بـضــائرٍ
تَلاطَـــم فيها المـاءُ من كل جانبٍ
فسارت كأنّ الفيض قطرٌ من النَّدى
تهادَت بها الأمواجُ والليلُ جاثمٌ
إلى أين والإقدامُ يُدني من الرَّدى؟
فــمــا ثَــمّ إلا واجــمٌ طــال حُــزْنُــه
لهُ في سوادِ اللــيل ألـفُ مكــيدةٍ
لَـحَـى اللهُ دنـيا لا تــقــوم لصــادقٍ
لِيَهْنِكَ (فتحَ الله) عِلمٌ وصُحبةٌ
فما زلقتْ رجلٌ، ولا زاغ ناظرٌ
بذلتَ لهم نُصحًا، وما زلتَ واعظًا
صبرتَ فظنّوا الصبرَ عجزًا وتُهمة
وتــرمــي لـهــم حـبلَ النجاةِ برحمةٍ
يُــعــادُونَــهُ.. والـصفحُ مِلْءُ إهابِهِ
يَحيكونَ وشيًا في الظلام غِلالةً(2)
ويبنون قصرًا من سوادِ ظُنونهم
أيا مَن سقتْه النفسُ من كأسِ طبْعِها
وخفِّف ثقيلَ الوزرِ ما دُمتَ قادرًا
سترسو سَفينُ الحقِّ في كل شاطئٍ
وحسبي من الإحسانِ غُربةُ أهلِهِ
“وإنــي لأدعـــو اللهَ حــتى كــأنــنــي
إذا مــا أراد اللهُ مــا المــوجُ فــاعلُ
وأغـمَــرها دفــقٌ مــن البـحر وابلُ
وشقَّتْ عُباب الموت والخطبُ هائلُ
ومادَت ليُلقي الرَّحْلَ في القاعِ جاهلُ
ومن أين والماضي عَفتْه الأوائلُ(1)؟
وغَمْرٌ ربيبُ الهُجر في القومِ عاذلُ
وعند شروقِ الشمس للوصل بـاذلُ
ويصدُق فيها الكاذبون الأراذلُ
وقلبٌ على أهل الظُلامة واجلُ
وما طاش حِلمٌ والخطوبُ زلازلُ
وقُلتَ لهم: كُفّوا.. فما ثَمّ عاقلُ
وسامحتَ.. والمغرورُ للظلمِ فاعلُ
فـيـَفْـتِـلُهُ للــبأسِ والــمــوتِ فــاتــِلُ
ويرميه بالإرهابِ والمكرِ جـاهلُ
فتُسفِر عنه الشمسُ والخيطُ ذابلُ
فيغـــدو سرابًا في الأقافرِ عاطلُ
تبصَّر فكأسُ الموتِ في الخَلقِ نازلُ
وهوّن عليكَ الخَطبَ فالظلمُ زائلُ
ويُـــسرع فيـها كـلُّ حـافٍ ونــاعلُ
وقلةُ من يُعطي النّدى وهو سائلُ
أرى بجميل الظنّ ما اللهُ فاعلُ”