على الرغم من التطور الذي أحرزته البشرية في العديد من المجالات الطبية والتكنولوجية، إلا أنها اليوم تقف أمام أمراض جديدة ظهرت مع هذا التطور. ولكن هل نحن على وعي بهذه الأمراض؟ إن أخطر الأمراض التي قد يعاني منها الإنسان هي الأمراض النفسية، وغالبًا ما يُخفي المريض الألم الكامن داخله فتتدهور حالته ليجد نفسه مصابًا بمرض جسدي خطير.. فكل مرض جسدي يحوي في طياته مرضًا نفسيًّا.
ولا شك أننا اليوم نعيش أزهى عصور التواصل الاجتماعي التكنولوجي، فخلال العقدين الأخيرين تطورت تقنية المواصلات والاتصالات بصورة يشهدها تاريخ الإنسانية لأول مرة. والمجتمعات الإنسانية اليوم، تُطور مجالات العلوم المختلفة بوتيرة متسارعة؛ فالتراكم المعرفي الموجود يسهم في تحقيق قفزات علمية جديدة، ولكن من ناحية أخرى تخرج الدراسات السنوية لتؤكد أن نسبة البشر الذين يشعرون بالوحدة آخذة في الازدياد وبصورة طردية مع التقدم التكنولوجي، فعلى سبيل المثال، خرجت دراسة أعدَّّتها إحدى المراكز العلمية في الولايات المتحدة الأمريكية على 20.000 مواطن أمريكي، لتكتشف أن 54% منهم يشعرون بأنهم غير مفهومين، وأن 56% منهم يشعرون بالانعزال عن محيطهم.
وفي دراسة أخرى نشرتها مجلة جامعة هارفارد، يتساءل العلماء هل من الممكن أن يكون مرض الوحدة والشعور بالانعزال معديًا أم لا؟ وأوضحت الدراسة أن مستخدمي موقع التواصل الاجتماعي “تويتر” يشعرون بالوحدة أكثر من مستخدمي برنامج “الأنستجرام”، لتخلص الدراسة إلى أننا أمام نوع جديد من الأمراض النفسية، ذات التأثيرات الضارة على الشخص والمجتمع على حد سواء. لم يتم إدراج الوحدة كمرض في العديد من دول العالم،والأطباء المتخصصون في الدول التي تولي أهمية لهذا الموضوع مثل الولايات المتحدة الأمريكية، والمملكة المتحدة، لم يجدوا علاجًا لهذا المرض، ناصحين بأن الحل الأمثل هو السعي لإيجاد صديق حقيقي في عالم الواقع.
وأفادت الدراسة أن في المملكة المتحدة قرابة 9 ملايين من البالغيين يشعرون بالوحدة، كما وصلت نسبة الشعور بالوحدة عند الأطفال إلى 24%، وإلى 43% عند من تتراوح أعمارهم 17-25.
مخاطر مرض الوحدة
قد تتساءل عزيزي القارئ: ما لنا ولأناس يرتاحون إلى هذا النوع من الوحدة؟ تؤكد الدراسات أن هؤلاء ليسوا مرتاحين لحالتهم في حقيقة الأمر؛ لأنهم يشعرون بانعزال تام عن المحيط الذي يعيشون فيه، وهو ما يساوي تدخين 15 سيجارة يوميًا. وبحسب الدراسات الأخيرة فإن أضرار مرض الوحدة هذا، أكثر خطرًا من مرض السمنة المفرطة، بل إن تشخيص مرض السمنة المفرطة أسهل من مرض الوحدة بكثير لعدم إمكانية قياس المشاعر بآلة أو أداة.
إننا نتعامل مع مرض لا زال العلماء يجرون حوله الأبحاث لفهمه بصورة صحيحة، فمرض الشعور بالوحدة يختلف عن العزلة الاجتماعية؛ حيث يقتصر الشخص في تعاملاته على عدد قليل من الأصدقاء، وكذلك يختلف مرض الشعور بالوحدة عن الدخول في العزلة المؤقتة التي تكون باختيار الشخص. أما الشعور بالوحدة كما يعرِّفه المتخصصون، فهو عدم شعور المرء بوجود أحد يتواصل معه. كما أن الأفراد الذين يعيشون بمفردهم زادت نسبتهم، وذلك وفقًا لدراسة أجريت حول عدد من يعيشون بمفردهم، تبين أنها وصلت إلى 60% بينما كانت تلك النسبة 10% فقط عام 1960م.
إن مخاطر الشعور بالوحدة عديدة، منها الشعور بالإحباط، والانتحار، والتعرض للأزمات القلبية، وزيادة التوتر والقلق المستمر، وضعف الذاكرة والقدرة على التعلم والتي قد تتحول إلى مرض الزهايمر، والإقبال على السجائر والمخدرات.. والخطير في الأمر أن إحدى الدراسات الحديثة أشارت إلى انتشار هذا المرض المعدي بين البشر بكثرة.
كيف نتخلص من الشعور بالوحدة؟
إن كنت تشعر بالوحدة، فإليك بعض النصائح التي قد تخلّصك من هذه الأجواء:
أولاً: اِعلم أن الشعور بالوحدة عبارة عن إحساس وليس حقيقة؛ فإذا سأل الشخص نفسه لماذا أشعر بالوحدة؟ أجابه عقله بأن لا أحد يحبه، أو لأنه فاشل، وهكذا.. ولكن عليك أيها المتسائل أن تنتبه لمشاعرك، وتواجهها بصورة سليمة من غير تضخيم للأمور.
ثانيًا: اهتمّ بحوائج الآخرين ومشاعرهم، وابتعد عن وضع نفسك في مركز كل شيء، كن ممتنًّا لهؤلاء البشر الذين تشاركهم الطريق، تمنى لهم الخير والمحبة، ابتسم في وجه من تلقاه، وحاول أن تكون لطيفًا مع الآخر.
ثالثًا: ابحث عن آخرين يشاركونك معاناتك، فالتكنولوجيا قدمت لك فرصًا كبيرة للتعارف على أشخاص مرّوا بتجربتك.. تعرّف عليهم، شاركهم بما تشعر به.. افتح قلبك لهم.. فأفضل طريقة للخروج من نفق الوحدة المظلم هو تكوين صداقات قوية.