هل أكثر من ألف عام من تاريخ البشرية عصور مظلمة أم عصور ذهبية شهدت ألف اختراع واختراع غيرت وجه البسيطة؟ وهل كانت أفكار ليوناردو دافينشي Leonardo Da Vinci بشأن الطيران أصيلة؟ وهل هناك أوجه اشتراك بين حبوب القهوة والطوربيدات والمشارط الجراحية والأقواس المعمارية والمراصد الفلكية؟ من الذي ابتكر تغليف حبوب الدواء؟ من أين تعلم فيبوناتشي Fibonacci استخدام الأصابع في إنجاز الحسابات الرياضية المعقدة؟ أسئلة جوهرية هامة، يسعى وكتاب ألف اختراع واختراع؛ للإجابة عليها، بطريقة مبتكرة رائعة للعرض، باستخدام التكنولوجيا، وبأسلوب سهل ميسر.
والقارئ للكتاب، يجد أن التراث الإسلامي في عالمنا موزع في سبع فضاءات: البيت، السوق، المستشفى، المدرسة، المدينة، العالم، الكون. والكتاب في طبعته العربية عبارة عن موسوعة تقع في 395 صفحة من القطع الكبير، مجلد تجليد مقوى، وتتشابه تقريبًا الطبعة الإنجليزية مع الطبعة العربية في الشكل والصفحات والتجليد. والمحرر المسؤول عن الكتاب هو البروفيسور سليم الحسني رئيس مؤسسة العلوم والتكنولوجيا والحضارة FSTC، ورئيس مبادرة ألف اختراع واختراع بالمملكة المتحدة، أما المشاركون في تحرير الكتاب فهم 21 بروفيسور ودكتور، أساتذة لمختلف العلوم البشرية والكونية في عالمنا.
وعن الكتاب يقول أدم هارت ديفيس Adam Hart Davis مقدم برامج تليفزيونية علمية في الـ B.B.C سلسلة “ماذا قدم لنا الأقدمون؟ What the Ancients Did for us”: “هذا الكتاب الرائع مفعم بأفكار الحضارة الإسلامية، بدءًا بالجزري وساعته العظيمة، والكندي وابن الهيثم ونظرياتهما البصرية الثورية وتجاربهما وكتبهما، مرورًا بعلماء الفلك الذين جابوا العالم مهتدين بالنجوم، وصناع الخرائط الذين رسموا شمال الأرض في أسفلها. كل صفحة فيه منجم للمعلومات الشائقة، حيث تجد وصفات لتجارب عملية مع رسوم توضيحية بأسلوب جميل، ليتني حصلت على هذا الكتاب قبل خمسين سنة”.
وفي صدد تصديره للكتاب يقول عنه السير رولاند جاكسون Sir Roland Jackson، الرئيس التنفيذي للجمعية العلمية البريطانية The British Science Association: ” أرحب بهذا الكتاب الشيق الأخاذ بوصفه إسهامًا مهمًا في فهم أوسع للعلوم والتكنولوجيا ضمن الحضارة الإسلامية، وفهمًا أوضح لما نحن مدينون به في المجتمعات الحديثة لهذا التراث بوجه خاص… فهذا الكتاب يعد تذكرة مطلوبة لنا، لأنه يروي ما قدمه المسلمون من إسهامات عديدة مهمة بعيدة الأثر في تطوير ما لدينا من تكنولوجيا ومعرفة مشتركة، وكلنا أمل في أن يلهم هذا الكتاب المسلمين وغير المسلمين، بل وحتى الذين لا يدينون بدين، وأن يصبح مرشدًا للسبل التي تقود العلم إلى الكشف عن أعاجيب العالم الطبيعي، ومن خلاله يمكن أيضًا للتكنولوجيا أن تساهم بدور فعال في الوسائل التي نستطيع بفضلها العمل معًا يدًا بيدٍ”.
وفي التمهيد يقول عنه البروفيسور سليم الحسني المحرر المسؤول: “هذا الكتاب جزءًا أساسيًا من مشروع ألف اختراع واختراع، الذي يشكل معرضًا جوالا وكتابًا ودليلا للمعلمين، وملصقات تعليمية تربوية وموقعًا إليكترونيًا. لقد حقق هذا الكتاب نجاحًا مدويًا، إذ نفدت الطبعة الإنجليزية الأولى في غضون أشهر ثلاثة، والطبعة الإنجليزية الثانية والطبعة التركية الأولى أوشكتا على النفاد، كما أن الطبعة الإنجليزية الثالثة عرفت نجاحًا وانتشارًا كبيرين، وهذه الطبعة العربية الجديدة تقدم فرصة لتحسين المضمون بفضل إدخال مواد وصور جديدة، وإيضاح الغموض حول بعض الأمور”.
والكتاب عبارة عن مدخل وسبعة فصول وخاتمة تضمنت شخصيات من الماضي، وعقول أوروبية رائدة، وخط زمني للأحداث الإسلامية الرائدة، وقائمة مصادر ومراجع ومؤلفون ودراسات.
في المدخل يحكي المحرر المسؤول قصة ميلاد فكرة المعرض والكتاب، التي نبتت منذ عام 1975، أثناء محاضرة ألقاها الأمير تشارلز ولي عهد المملكة المتحدة في مسرح شيلدونيان بعنوان “الإسلام والغرب”، وبعدها كب على قراءة العديد من الكتب والدوريات، التي أظهرت الفجوة العجيبة في التطور التكنولوجي منذ العصور الأولى حتى يومنا هذا، إذ دائمًا ما نظر الكتاب الغربيون إلى الفترة من عام 450م حتى عام 1492م بوصفها “عصورًا مظلمة” غاب عنها كل ما يتعلق بالحضارة والعلم، والتي أطلق عليها “الزمن الغامض”.
فكان لوقع كلام الأمير تشارلز على محرر الكتاب كسري النار في الهشيم، فعمد إلى تكليف مؤرخين، وإطلاق مشروعات لأبحاث جامعية جديدة في مجال إعادة بناء افتراضي للآلات الهندسية القديمة، فاستقطب عدد من الأكاديميين والمهنيين الذين شاركوا نفس التفكير، مما أفضى إلى إنشاء مؤسسة العلوم والتكنولوجيا والحضارة، وكانت تجربة المعرض والكتاب الأولى، التي اكتملت عام 1993.
وتتمثل أهداف والكتاب في: رفع مستوى الوعي بألف سنة تمتد بين القرنين السابع والسابع عشر الميلاديين من التراث الإسلامي، وخلق فهم وتقدير لإسهام المسلمين في تطوير العلوم والتكنولوجيا المعاصرة على نطاق العالم، وإلهام الشباب المسلمين وغيرهم بإيجاد نماذج حياتية يُحتذى بها في ميادين العلم والهندسة، وتشجيع مفهوم الابتكار العلمي والتكنولوجي وتعزيزه بوصفه قناة إيجابية بناءة للتعبير عن معتقدات الفرد بدلا من الانعزالية الدينية والتطرف، واستخدام الجذور الثقافية للعلوم في تقوية التماسك الاجتماعي والتقدير والاحترام بين الشعوب.
واختتم الكتاب بتعريف لبعض الشخصيات من الماضي، أسهموا في ألف سنة من الاختراعات: بديع الزمان الجزري (توفي بعد 1206م)، عباس ابن فرناس (ت 887م)، أبو يوسف يعقوب الكندي (801-873م)، أبو القاسم الزهراوي (936-1013م)، فاطمة الفهرية (ت 880م)، أبو علي الحسن بن الهيثم (965-1039م)، مريم العجلية الأسطرلابية (944-967م)، أبو عبد الله بن بطوطة (1304-1368م)، أبو موسى جابر بن حيان (722-815م)، خوجة معمار سنان باشا (1489-1588م)، الصيني زينغ هي (1371-1433م)، وعقول أوروبية رائدة انخرطوا في أعمال إبداعية وابتكاريه، وأسهموا في العلم والاكتشاف في العصر الحديث: روجر بيكون (1214-1292م)، ليوناردوا دافنتشي (1452-1519م)، نيكولاس كوبرنيكوس (1473-1543م)، تايكو براهة (1546-1601م)، يوهانز كيبلر (1571-1630م).
بعد ومطالعة الكتاب، سينجلي لك عصر حضاري ذهبي امتد من نحو عام 700م إلى ما بعد عام 1600م، لأن المسلمين في أثناء العصور الأوروبية الوسطى كانوا رواد ميادين علمية متنوعة، كالطب والميكانيكا وعلم الخرائط وفن رسمها والكيمياء والتربية والتعليم والهندسة والعمارة وعلم الفلك والرياضيات بمختلف فروعها، فلم يكن حقل من حقول المعرفة غائبًا عن اهتمامهم أو بعيدًا عن عقولهم في تقصياتهم المعززة بالتجارب العلمية الصارمة، فهي بحق رحلة استكشاف “ممتعة ومحفزة” عبر ألف سنة من العلوم والتكنولوجيا في حياة رواد العصور الوسطى الذين أسهمت مخترعاتهم وإبداعاتهم في ولادة عالمنا المعاصر.