إننا نلاحظ على سطح الأرض انتظامًا بديعًا في كل فصل من فصول السنة واطرادًا عجيبًا، في إيجاد المخلوقات، وتدبير أمورها، وتجديدِها باستمرار. وذلك يدل –بداهة- على حكمة شاملة تغمر الموجودات. هذه الحكمةُ الشاملة تدل بالضرورة على حكيم مطلق الحكمة، ذلك أنه لا صفةَ بدون موصوف.
وإن أنواع الزينة البديعة التي تؤطر ستارَ الحكمة العامة الذي يتلفع الوجودُ به، تدل بالبداهة على عناية فائقة عامة، وهذه العناية تدل بالضرورة على خالق كريم. وإن أنواع اللطف والكرم، وألوانَ الرفق والإحسان المرسومة على ستار العناية الذي يغطي الوجود كله، تدل بالبداهة على رحمة واسعة، وهذه الرحمة الواسعة تدل بالضرورة على “الرحمن الرحيم”. ثم إن أنواع الرزق، وأنماطَ الإعاشة، المزهرةَ على أغصان الرحمة التي تظلل بأفنانها كُلَّ شيء، والمعدَّة للأحياء المحتاجة إلى الرزق، وإعاشتَها إعاشة تلائمها تماما، يدل بالبداهة على رزاقية ذات تربية ورعاية، وربوبية ذات رأفة ورحمة. وهذه التربية والإدارة تدلان بالضرورة على رزّاق كريم.
نعم، إن كاف المخلوقات المبثوثة على الأرض يتم تربيتها بحكمة كاملة، وتزيينها بعناية كاملة، وإسباغها النعَم برحمة كاملة، وإمدادها بوسائل عيشها برأفة كاملة. فكُلّ منها لسان ناطق ومشير إلى الله الحكيم، الكريم، الرحيم، الرزّاق. وكُلّ منها أيضا يشير إلى وحدانيته سبحانه.
إننا نلاحظ على سطح الأرض انتظامًا بديعًا في كل فصل من فصول السنة واطرادًا عجيبًا في إيجاد المخلوقات وتدبير أمورها وتجديدِها باستمرار.
فيا أيها الغافل الحائر الجاحد! كيف تفسر هذه التربية المكللة بالحكمة البالغة، والكرم الشامل، والرحمة الواسعة، والرزق الوفير، وبِمَ توضّح هذه المظاهر المعجزة؟
أفيمكن تفسيرُها بالمصادفة العشواء؟ أم يمكن توضيحُها بالقوة الميتة موات قلبك؟ أم يمكن ذلك بالطبيعة الصمَّاء صمَم عقلك؟ أم بالأسباب العاجزة الجامدة الجاهلة مثلك؟ أم تريد أن ترتكب خطأً جسيما -ما بعده خطأ- وهو إطلاقك صفات البارئ الجليل المنـزّه المتعال والقدير العليم السميع البصير، على “الطبيعة” العاجزة الجاهلة الصمَّاء العمياء؟
فبأيّ قوة يمكنك أن تطفئ سراجَ هذه الحقيقة الساطعة سطوع الشمس؟ وتحت أي ستار من أستار الغفلة يمكنك أن تسترها؟
المصدر: الكلمات، بديع الزمان سعيد النورسي، دار النيل للطباعة والنشر